العقيلات رجال من رجالات القصيم، تكبّدوا المشاقّ، وسطّروا مسيرةً عطرةً خلّدت ذكراهم في نفوس أهالي الجزيرة العربية والوطن العربي؛ لما اتّصفوا به من شجاعة وإقدام وصبرٍ على مشاقّ الأسفار البعيدة؛ إذ كان لهم الأثر الكبير -بعد الله- في ازدهار التجارة بين القصيم، والكويت، والعراق، والشام، ومصر، والسودان؛ فقد اتّصفوا بالأمانة، والصدق، والوفاء، والكرم، والشجاعة، والصفات الحميدة، وسُطِّر لهم كثير من المواقف المشرفة والقصص العجيبة.
كان العقيلات أكثر النجديين مسايرةً للمستجدات والأشياء الحديثة؛ فاختلطوا بالشعوب والقبائل في الشرق والغرب، وتعاملوا مع كلّ لون وجنس، فعرفوا الكثير عن العالم ومخترعاته، واكتسبوا ثقافةً منقطعة النظير، وواكبوا المدنية والحضارة، ولم يُلههم ذلك عن التزام شعائرهم الدينية، والتحلّي بالآداب والأخلاق الفاضلة. وكلّ من رافقهم من جميع الأقطار العربية وغير العربية، من المسلمين وغيرهم، رحّالين كانوا أم تجاراً، شهد لهم بحسن الخلق، والعقل الراجح، والتدبير السديد، والشجاعة، والأمانة، والحلم، والتعاون، والإيثار، والشيم العربية الأصيلة.
بطل الجزيرة، حميد الشيم، جلالة الملك عبدالعزيز، كان محباً للعقيلات، ومفتخراً، ومقرّباً، ومقدّراً، ومنصفاً لهم، يأخذ برأيهم ومشورتهم أينما كانوا؛ لما يتّصفون به من شيم عربية أصيلة (شيم العرب الأقحاح). والعقيلات رأس مالهم الصدق، والوفاء بالعهد، والمروءة، والأمانة، إضافةً إلى ما لديهم من خبرات من مدرسة الحياة، ومن مخالطة الثقافات في البلدان العربية، والهندية، والأوربية، والأمريكية، التي مرّوا عليها، وخالطوا أهلها، وأثّروا وتأثّروا، ولديهم خبرات سياسية، وبُعد نظر، أبدوا فراستهم، وسداد رأيهم، وحنكتهم، ولديهم خبرات عسكرية؛ فقد عملوا في الجيوش النظامية، وشاركوا في بعض المعارك؛ فقد أبدوا من الشجاعة والإقدام ما يفوق الوصف، ويرهب الأعداء، نذكر -مثلاً- أن الملك عبدالعزيز كلّف العقيلي محمد العطيشان (لخبراته السابقة بالعسكريات النظامية) تأسيس شرطة الرياض، ويعدّ أوّل من درّب الشرطة في المملكة، ومن لبس البزة العسكرية، وكلّفه الملك عبدالعزيز أميراً لقرية العليا. وعيّن الملك عبدالعزيز أول مفوّضين له في الشام ومصر من رجال عقيل، وهم: المعتمد للمفوضية لمملكة الحجاز ونجد وملحقاتها العقيلي فوزان السابق بمصر، وهو وزير للملك فوق العادة، والعقيلي سليمان المشيقح بالشام، وبالعراق العقيلي عبدالعزيز الصقير.
ومن علاقة الملك عبدالعزيز بالعقيلات إعلامياً ما قاله الشاعر العقيلي الكبير محمد العوني:
وتْشَاهِدُون الشَّيْخْ قِنْديل الوطا بالمجْدْ والسُّنَّهْ وعِرف اكْتابها
ومكارِمٍ وعزايِمٍ وغنايمٍ وطُرْق الثّنا والرُّشْدْ هُو ضرَّابها
وهُو الإمامُ ابْنُ الإمامِ الْعادِلْ هُو حاكِم الحُكَّامْ هو اعقابها
هو مارثةْ فيْصلْ وجدُّهْ تُرْكِي وهْوابو فيصل نَّجيبْ انجابها
وقوله في قصيدته الحربية التي تُردَّد إلى وقتنا الحالي في المحافل والمناسبات، التي قالها في معركتي: البكيرية، ووادي الرمة سنة 1322هـ:
مني عليكم ياهل العوجا سلام واختصّ أبو تركي عمى عين الحريب
يا شيخ باح الصبر من طول المقام يا حامي الوندات يا ريف الغريب
اضرب على الكايد ولا تسمع كلام العز بالقلطات والراي الصليب
لو إن طعت الشور يا الحر القطام ما كان حشت الدار واشقيت الحريب
اكرم هل العوجا مدابيس الظلام هم درعك الضافي لى بار الصحيب
واولاد علي دورهم يوم العتام يحمون نار الحرب في حامي اللهيب
عينك إلى سهرت يعافون المنام سمٍ لغيرك وانت لك مثل الحليب
ومن الأمثلة على ذلك قول الشاعر العقيلي محمد الصغير قبل معركة فيضة السر:
يا عيال شيلو لا ظهر مني كلام الصدر ضاق وبيح القلب الكنين
يالله انا طالبك ياللي ما تضام تعز ابو تركي إمام المسلمين
الدَّين حل وثار به ولد الامام مير اقتضوا بالدين ياللي حاضرين
وقال خادم الحرمين الشريفين، حميد الشيم، صاحب الأيادي البيضاء، الملك عبدالله بن عبدالعزيز: العقيلات خير سفراء للوطن. وأثنى الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- على رجال العقيلات، فقال: هم أوائل من جلب التجارة إلى المملكة، وأول من دخل القوات المسلحة هم رجال القصيم، وأول من تعلّم العلم، وقام بواجبه بالقضاء، هم رجال القصيم.