في تطور لافت، عاد الفائض التجاري للمملكة العربية السعودية إلى مسار النمو في شهر يوليو الماضي. مسجلًا ارتفاعه الأول فيما يقارب ثلاثة أعوام من التذبذب. وجاء هذا الانتعاش مدفوعًا بقوة الأداء في قطاع الصادرات غير البترولية، التي أظهرت مرونة استثنائية. إضافة إلى الزيادة الملحوظة في حركة إعادة التصدير، والتي شكلت رافدًا مهمًا، بالتزامن مع تراجع طفيف في قيمة الواردات الإجمالية، ما يعكس متانة المركز التجاري للمملكة في خضم التحديات الاقتصادية العالمية.
كما سجل فائض التجارة السعودية 26.9 مليار ريال. محققًا بذلك زيادة سنوية كبرى بلغت 53.4% مقارنة بالشهر المماثل من العام السابق. وبناءً على بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية الصادرة حديثًا، فقد وصل هذا الفائض إلى أعلى مستوى له منذ مايو 2024. ما يعد مؤشرًا قويًا على نجاح الجهود الرامية إلى تحصين الاقتصاد الوطني عبر تعزيز مصادر الدخل المتنوعة.
الصادرات غير البترولية
كما يعزى هذا الارتفاع الكبير في الفائض التجاري بشكلٍ أساسي إلى نمو الصادرات. وعلى رأسها الصادرات غير البترولية (بما في ذلك إعادة التصدير). التي ارتفعت قيمتها لتصل إلى 33.7 مليار ريال، مسجلة بذلك رقمًا قياسيًا غير مسبوق. وعليه، فقد حققت هذه الفئة نموًا سنويًا قدره 30.4%. وهي النسبة الأعلى التي يتم تسجيلها خلال فترة 39 شهرًا. ما يؤكد على تسارع وتيرة التنويع الاقتصادي.
وبالنظر إلى تفاصيل هذا النمو في الصادرات غير البترولية. يتبين أن جزءًا كبيرًا منه يرجع إلى الزيادة الهائلة في قيمة السلع المعاد تصديرها. والتي بلغت 14.69 مليار ريال. هذا الرقم القياسي لم يكن فقط الأعلى على أساس شهري منذ عام 2017. بل حقق زيادة نسبتها 111% على أساس سنوي. فضلًا عن زيادة قدرها 54% على أساس شهري. ما يؤكد تزايد أهمية المملكة كمركز إقليمي لإعادة الشحن والتوزيع اللوجستي. وهذا يعزز مكانتها ضمن منظومة التجارة العالمية.
ديناميكيات التجارة
في سياق متصل، سجلت الصادرات النفطية انخفاضًا طفيفًا لم يتجاوز 0.7% لتبلغ 68.7 مليار ريال. ورغم هذا الانخفاض، الذي يعود غالبًا إلى تقلبات الأسعار أو مستويات الإنتاج المتفق عليها. فإن قوة القطاع غير النفطي قد حدت من تأثيره على الميزان التجاري الكلي. وإضافة إلى ذلك، ساهم تراجع الواردات بنسبة 2.5% إلى 75.5 مليار ريال في تعزيز الفائض. إذ إن انخفاض فاتورة الاستيراد يحسن تلقائيًا من رصيد الميزان التجاري الإجمالي.
وتظهر البيانات تفاوتًا في مكونات الصادرات غير النفطية. حيث ارتفعت الصادرات الوطنية غير البترولية (باستثناء إعادة التصدير) بنسبة 0.6% فقط. وعلى الرغم من ذلك، فقد قوبل هذا النمو المحدود بارتفاع جنوني في قيمة السلع المعاد تصديرها التي بلغت 111.3% في الفترة نفسها. ما يوضح أن المحرك الرئيسي للنمو التجاري الحالي هو الأنشطة اللوجستية. وإعادة التصدير وليس بالضرورة الإنتاج الوطني المباشر في جميع القطاعات.
الآلات الكهربائية تقود الطفرة
يعود هذا الارتفاع غير المسبوق في إجمالي الصادرات غير البترولية إلى زيادة ملحوظة في صادرات فئة “الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية وأجزاؤها”. هذه الفئة المحددة شهدت زيادة استثنائية بلغت 209.6%. ما جعلها تستحوذ على 43.0% من إجمالي قيمة إعادة التصدير. لتصبح بذلك القاطرة الرئيسية التي تدفع النمو التجاري غير النفطي.
ونتيجة لذلك، ارتفعت الصادرات السلعية الكلية في شهر يوليو 2025م بنسبة 7.8% مقارنة بشهر يوليو 2024م. رغم التحديات التي واجهتها الصادرات البترولية. وانخفاضها الهامشي. هذه الحقيقة الاقتصادية تؤكد أن استراتيجيات التنويع بدأت تخلق توازنًا هيكليًا في التجارة الخارجية للمملكة. ما يقلل من حساسية الميزان التجاري تجاه تقلبات سوق النفط الخام العالمية.
انخفاض حصة النفط في المجموع الكلي
من ناحية أخرى، انخفضت نسبة الصادرات البترولية من مجموع الصادرات الكلي من 72.8% في شهر يوليو 2024م إلى 67.1% في شهر يوليو 2025م. هذا التراجع النسبي في حصة النفط يعد إنجازًا استراتيجيًا؛ حيث يعكس نجاح المبادرات الحكومية الرامية إلى زيادة مساهمة القطاعات غير الهيدروكربونية في إجمالي الناتج الاقتصادي والتجاري.
وعلى صعيد الواردات، سجلت تراجعًا إجماليًا في شهر يوليو 2025م بنسبة 2.5% عن شهر يوليو 2024م. بينما سجل الفائض في الميزان التجاري السلعي ارتفاعًا بنسبة 53.4% عن يوليو 2024م. فإن التحكم في مستويات الواردات يعد خطوة إيجابية إضافية تعزز من صافي الاحتياطيات الأجنبية وتدعم استقرار الاقتصاد الكلي.
ارتفاع مؤشر الكفاءة التجارية
من المعطيات الهامة التي أبرزها التقرير، ارتفاع نسبة الصادرات غير البترولية (شاملة إعادة التصدير) إلى الواردات في شهر يوليو 2025م لتبلغ 44.6%، بعد أن كانت 33.4% في شهر يوليو 2024م. هذه القفزة تشكل مؤشرًا فعليًا على تحسن الكفاءة التجارية والقدرة التنافسية للقطاعات غير النفطية في المملكة.
وبالتأكيد، يعزى هذا الارتفاع في مؤشر الكفاءة إلى التباين الكبير بين نمو الصادرات غير البترولية الذي بلغ 30.4% وانخفاض الواردات بنسبة 2.5% خلال الفترة نفسها. هذه المعادلة الاقتصادية تعكس نجاحًا في إدارة تدفقات التجارة الخارجية وتوجيهها نحو تحقيق أقصى قدر من القيمة المضافة للاقتصاد الوطني.
تفاصيل تركيبة الصادرات غير النفطية
وبالنظر إلى التركيبة التفصيلية للصادرات غير البترولية، نجد أن “الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية وأجزاؤها” شكلت 29.7% من الإجمالي. مسجلةً ارتفاعًا ضخمًا قدره 191.1% مقارنة بشهر يوليو 2024م. وهذا يعكس تزايد القدرة التصديرية للمملكة في سلع ذات تقنية متوسطة وعالية، لا سيما ضمن نشاط إعادة التصدير.
وعلى صعيد آخر، تليها “منتجات الصناعات الكيماوية” بنسبة 19.6% من إجمالي الصادرات غير البترولية، وقد ارتفعت هذه الفئة بنسبة 0.9% عن شهر يوليو 2024م. هذه النسبة تؤكد استمرار الدور الحيوي للصناعات البتروكيماوية كأحد الركائز التقليدية والراسخة للقطاع غير النفطي السعودي.
تركيبة الواردات
في تحليل لتركيبة الواردات، نجد أن سلع “الآلات والأجهزة والمعدات الكهربائية وأجزاؤها” شكلت 29.9% من إجمالي الواردات، وشهدت ارتفاعًا بنسبة 11.7% عن شهر يوليو 2024م. هذا النمو في استيراد الآلات والمعدات يعد إشارة إيجابية تعكس استمرار وتيرة الاستثمار في البنية التحتية والمشاريع التنموية الكبرى التي تشهدها المملكة.
وفي المقابل، شكلت “معدات النقل وأجزاؤها” 13.2% من إجمالي الواردات، لكنها انخفضت بنسبة 9.6% عن شهر يوليو 2024م. هذا الانخفاض قد يعود إلى اكتمال جزء من الاحتياجات المرتبطة بمشاريع النقل الكبرى أو تغيير في سياسات الاستيراد المؤقتة، ولكنه يظل عاملًا ساهم في تخفيض الفاتورة الإجمالية للواردات.
المسار نحو التنويع الاقتصادي
بينما في المحصلة، البيانات التجارية لشهر يوليو 2025م تضع مؤشرات قوية على أن المملكة العربية السعودية. تسير بثبات وفاعلية على مسار التنويع الاقتصادي ضمن مستهدفات الرؤية الوطنية. كما يرسخ هذا التحول المدعوم بنمو الصادرات غير البترولية القائم على إعادة التصدير، مكانة المملكة كلاعب رئيسي في التجارة الإقليمية والدولية.



