ليس سهلًا الحديث عن الحوكمة البيئية؛ إذ إن الحوكمة في حد ذاتها مفهوم غامض ومتعدد الأوجه، ناهيك عن خضوعها لتفسيرات وتأويلات متغيرة بمرور الوقت.
لكن ذلك لا ينفي أهميتها في عالمنا اليوم؛ ولعل التغيرات المناخية التي يشهدها العالم من أقصاه إلى أقصاه هذه الأيام، والارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة، وكذا الحرائق التي عانت وما زالت تعاني منها بعض الدول خير مثال على أهمية الحوكمة البيئية وضرورة إيلائها الاهتمام المطوب.
ومن الممكن النظر إلى الحوكمة البيئية باعتبارها نظرية ترى العالم كلًا مترابطًا، والحفاظ عليه ككل مسؤولية الجميع، وهي بهذا تملك نظرة عامة وبانورامية على مجمل بقاع العالم ومكوناته وبنياته.
ناهيك عن كونها (أي الحوكمة البيئية) تذهب إلى أنه من الممكن إدارة هذا الكل المترابط؛ أي العالم، وإدراته، وتوجيهه الوجهة السليمة؛ أملًا في توفير عيش آمن ومستدام لكل سكان الكوكب.
والأهم من ذلك كله أن الحوكمة البيئية ترى أن ثمة رابطة وشيجة بين البيئة والسياسة؛ إذ تعمل على تحديد ترتيبات النطاق الكامل للعمليات والآليات والمنظمات التنظيمية التي من خلالها يؤثر الفاعلون السياسيون في الإجراءات والنتائج البيئية.
اقرأ أيضًا: القيمة الاجتماعية للأعمال وجذب الاستثمارات
ما هي الحوكمة البيئية؟
واللافت في الحوكمة البيئية أنها رغم تقيدها بتلك النزعة البيئية إلا أنها مفهوم متعدٍ متداخل، يطال الاختصاصات المختلفة.
فالحوكمة البيئية هي مفهوم في البيئة السياسية والسياسة البيئية التي تدعو إلى الاستدامة (التنمية المستدامة) باعتبارها الوظيفة الأعلى لإدارة جميع الأنشطة البشرية، بما فيها: السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وتشمل الحوكمة: قطاع الأعمال والمجتمع المدني وغيرهما.
وهناك من يُعرّف الحوكمة البيئية بأنها مجموع التفاعلات بين الجهات الفاعلة في المجتمع، والتي تهدف إلى تنسيق وتوجيه وتنظيم وصول الإنسان إلى البيئة واستخدامها والتأثيرات فيها؛ من خلال قرارات ملزمة جماعيًا.
وكما هو واضح فإن الهدف النهائي للحوكمة البيئية هو الاستدامة؛ أي استدامة الموارد الطبيعية الموجودة على ظهر هذا الكوكب، المنهك، والذي يتعرض لعمليات سطو وتدمير مطردة.
وهي (أي الحوكمة البيئية) نابعة عن وعي بجملة التحديات والمخاطر التي يعاني منها سكان العالم المعمور في الوقت الراهن، فحين تندثر الموارد أو تقل بشكل ملحوظ فإن جميع الأحياء ستكون معرضة للخطر، وسيكون الجميع تحت وطأة التهديد.
اقرأ أيضًا: تنافسية الشركة.. عناصرها وتأثرها بالمسؤولية الاجتماعية
أهداف الحوكمة البيئية
تتمحور أهداف الحوكمة البيئية حول البيئة والحفاظ عليها وحمايتها؛ لما تمثله من قيمة جوهرية، وكذا وضع الأسس المنطقية للإدارة المستدامة للموارد من أجل المنفعة البشرية والتخفيف من المخاطر الآنية أو طويلة الأجل على صحة الإنسان ورفاهيته.
وتحاول الحوكمة البيئية كذلك بيان الآثار المترتبة على تكثيف الترابط العالمي، والطريقة التي يجبر بها هذا الترابط الجهاتِ الفاعلة الحاكمة بشكل متزايد على مواجهة المشاكل التي تتخطى نطاقها المباشر وولايتها القضائية.
وعلى أي حال يمكن اختصار أهداف الحوكمة البيئية على النحو التالي: الحفاظ على البيئة وحمايتها، التخطيط المكاني واستخدام الأراضي، والإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، وحماية صحة الإنسان.
ومن أجل الوصول إلى كل هذه الأهداف الطموحة تعمل الحوكمة البيئية عبر نطاقات لمعالجة المشاكل البيئية المحلية والعالمية.
اقرأ أيضًا: ريادة الأعمال الواعية.. فلسفة مستدامة
المبادئ العامة
وتنطلق الحوكمة البيئية من مجموعة من المنطلقات والمبادئ العامة التي يلخصها «رواد الأعمال» على النحو التالي:
ترسيخ الاهتمام بالبيئة في جميع مستويات اتخاذ القرار، تصور المدن والمجتمعات والحياة الاقتصادية والسياسية كمجموعة فرعية من البيئة، فكل شيء فرعي والبيئة هي الأساس، وكل الأهداف ما لم تؤد إلى منفعة بيئية تمسي أهدافًا عديمة النفع والقيمة.
بالإضافة إلى التأكيد على ارتباط الناس بالنظم البيئية التي يعيشون فيها، وعلى الرغم من بداهة هذا الأمر إلا أن إغفاله أو حتى عدم الوعي به يؤدي إلى عواقب وخيمة، ولعل ما نشهده اليوم من تغيرات مناخية أحد تجليات عدم الوعي البيئي.
وتنطلق الحوكمة من مبدأ عام آخر مفاده تعزيز الانتقال من أنظمة الحلقة المفتوحة (مثل التخلص من القمامة بدون إعادة التدوير) إلى أنظمة الحلقة المغلقة (مثل الزراعة المستدامة واستراتيجيات التخلص من النفايات).
فطالما أن الموارد الطبيعية محدودة فلماذا لا نحاول استخدامها مرة ومرات طالما كان ذلك في الإمكان؟ وعلى ذلك فإن الحوكمة ترتبط على نحو وثيق بعدة مفاهيم وقضايا جوهرية؛ أهمها: التنمية المستدامة، والاستدامة بشكل عام، وإعادة التدوير، ناهيك بطبيعة الحال عن الأثر السلبي للتصنيع والسيرورات الحضارية المختلفة، وتلك مسألة أخرى لا مجال لبسطها هنا.
اقرأ أيضًا:
سمعة الشركات.. الباب الخلفي لنجاح رواد الأعمال
البيئة النظيفة وحدود المسؤولية الاجتماعية
المسؤولية الاجتماعية للشركات.. كيف لرائد الأعمال أن يخطو للأمام؟