في عالم يتسم بالتسارع والتحديات اليومية يبرز التوقيت كعامل حاسم في تحقيق النجاح، والحفاظ على الكفاءة في مختلف جوانب الحياة. ويطرح هذا سؤالا مهما حول معنى “التوقيت المثالي”، وهل هناك مهارات خفية يمكن أن يساعد تعلمها في تحديد اللحظة المناسبة لاتخاذ القرارات أو تنفيذ المهام؟
في كتاب “متى: الأسرار العلمية للتوقيت المثالي”، يرى المؤلف “دانيال إتش. بينك”، أن التوقيت المناسب ليس فنًا. بل هو علم.
ويؤكد العلم أن ساعتنا البيولوجية، وإيقاعنا الشخصي اليومي، من الأمور التي تملك تأثيرا عميقا على كل جوانب حياتنا، وبالطبع فإن أكثرها وضوحا الإنتاجية.
من خلال فهم هذه الأسرار العلمية، سيمكننا تحسين طريقة إدارة وقتنا وطاقتنا. مما يؤدي إلى نتائج أفضل، وجودة حياة أعلى. وفقا لما ذكره موقع”youexec”.
ماهية التوقيت المثالي
التوقيت المثالي هو اللحظة أو الفترة الزمنية الأكثر ملاءمة لاتخاذ قرار، أو تنفيذ مهمة معينة. بناءً على عوامل عدة، مثل: الحالة الذهنية والجسدية للفرد، والظروف البيئية المحيطة، والإيقاعات البيولوجية اليومية.
كما يعتمد التوقيت المثالي على فهم دقيق لذروة الطاقة والإنتاجية لدى الشخص. وكذلك الظروف الخارجية التي قد تؤثر على نجاح المهمة أو القرار.
من الناحية العلمية، يرتبط التوقيت المثالي بمفاهيم، مثل: “الإيقاع اليومي ـ Circadian Rhythm”. الذي يتحكم في دورات النوم والاستيقاظ ومستويات الطاقة خلال اليوم. بالإضافة إلى عوامل أخرى كالتوقيت الاجتماعي، مثل: أوقات الذروة في العمل أو التواصل مع الآخرين.
وبالتالي يمكن اختصار تعريف التوقيت المثالي في أنه “التوازن بين الاستعداد الداخلي للفرد والفرص الخارجية المتاحة لتحقيق أفضل النتائج”.
معلومات مهمة عن التوقيت المثالي
أظهرت العديد من الدراسات أنه عبر جميع الثقافات والبلدان. يوجد “نمط عاطفي زمني” يجعل الناس أكثر نشاطا وإيجابية في الصباح. وأنهم يهبطون إلى قاع في فترة ما بعد الظهر، ثم يتعافون مجددا في المساء.
وقت اليوم له آثار واسعة النطاق على الإنسان إذ تميل مكالمات أرباح الشركات التي تُعقد في الصباح، إلى أن تكون أكثر تفاؤلاً وإيجابية. مع تعمق السلبية في مكالمات بعد الظهر، ولا تتعافى إلا بعد جرس الإغلاق، حتى وقت المكالمة والمزاج الذي تولده لدى المشاركين فيؤثر على أسعار أسهم الشركات.
بالنسبة للمهام التحليلية، فإن وجدت دراسة أجرتها جامعة شيكاغو، كشفت عن أن البشر يؤدون بشكل أفضل في الصباح. وأن جدولة دروس الرياضيات في الفترتين الأوليين من اليوم، يعزز بشكل كبير المعدل التراكمي للطلاب في الرياضيات.
21 % منا تقريبا أشخاص يسهرون، مثل: توماس إديسون، الذي كان من المرجح العثور عليه في مختبره بمنتصف الليل، أكثر من منتصف النهار. كما أن 14٪ آخرون يستيقظون مبكرًا، وهم يعملون بشكل أفضل في ساعات الصباح الباكر. أما بقيتنا ففي مكان ما بين هذين النقيضين.
أحد أسوأ المشاكل التي تواجه طلاب المرحلة المتوسطة والثانوية، هي الفصول الدراسية، التي تبدأ قبل الساعة 9:00 صباحًا. إذ يحقق الطلاب الأصغر سنًا درجات أعلى في الاختبارات القياسية المقررة في الصباح. لكن المراهقين فيحققون درجات أفضل في وقت لاحق من اليوم.
قاع فترة ما بعد الظهر المتأخرة هو أخطر وقت في اليوم، فالأخطاء الجراحية وحوادث المرور أكثر احتمالا خلال فترة ما بعد الظهر المتأخرة. إذ قللت بعض المستشفيات من أخطاء بعد الظهر عن طريق جدولة فترات استراحة يقظة. تجبر الفرق على أخذ وقت مستقطع للتحقق من تفاصيل الجراحة قبل البدء.
وجدت دراسة أجريت على تلاميذ المدارس الدنماركية أن أولئك الذين خضعوا لاختبار في فترة ما بعد الظهر، سجلوا درجات أسوأ بكثير من أولئك الذين خضعوا له، في وقت سابق من اليوم. ومع ذلك، فإن إجراء اختبار بعد الظهر بعد استراحة لمدة 20 إلى 30 دقيقة، أدى إلى درجات تعادل قضاء الطلاب ثلاثة أسابيع إضافية في الفصل الدراسي.
في الوقت ذاته وجدت دراسة كبيرة، أخريت في اليونان، أن الأشخاص الذين أخذوا قيلولة كانوا أقل عرضة للوفاة بسبب أمراض القلب. بنسبة 37٪، بينما وجدت دراسة بريطانية أن مجرد توقع القيلولة يخفض ضغط الدم.
ووقت القيلولة الأمثل هو من 10 إلى 20 دقيقة. أما أطول من ذلك فسيجعلنا نستيقظ ونحن نشعر بالخمول والارتباك. وعليك تناول كوب من القهوة، قبل النوم مباشرة. حيث يبدأ الكافيين في العمل لإقاظك بعد حوالي 20 دقيقة. مما يجعلك تشعر بالانتعاش، والاستعداد لمواجهة باقي فترة ما بعد الظهر.
إذا كنت بحاجة إلى صباح أفضل فاشرب الماء، ثم انتظر 90 دقيقة قبل تناول القهوة. لأن مستويات الكورتيزول أعلى شيء في الصباح. لذلك لن يكون للكافيين تأثير كبير حتى تبدأ مستويات الكورتيزول في الانخفاض.
في غضون ذلك اكتشفت الخبيرة الاقتصادية في جامعة ييل، ليزا خان، أن الأشخاص الذين يدخلون سوق العمل، في اقتصادات ضعيفة، يكسبون أقل من نظرائهم في اقتصادات قوية. وليس فقط في المراحل المبكرة من حياتهم المهنية، لكن لمدة تصل إلى عشرين عامًا بعد ذلك.
كما يتنقل البشر عبر الوقت باستخدام “معالم زمنية”، مثل: اليوم الأول من العام، أو الشهر. أو الأسبوع، أو ذكريات الأحداث المهمة. فإذا بدأت بداية صعبة في مشروع جديد، فاستخدم معلمًا زمنيًا للبدء من جديد
عبر الظروف الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية يتسلق الإنسان السعادة في مرحلة البلوغ المبكر. ثم يبدأ في الانزلاق عند أواخر الثلاثينيات من العمر ليصل إلى القاع في أوائل الخمسينيات. لكنه يتعافى بسرعة بحيث يكون معظمنا أكثر سعادة فوق سن 70، مما كنا عليه في سن 18.
في الوقت ذاته وجدت دراسة لألعاب الدوري الأمريكي للمحترفين، أجريت على مدى 15 عاما، وركزت على نتائج الشوط الأول. أن الفرق التي كانت متقدمة خلال هذا الشوط، تميل إلى الفوز بمزيد من المباريات. من الفرق التي كانت متأخرة بنقطة واحدة فقط.
هذا وأظهرت العديد من الدراسات أننا نميل إلى تقييم جودة الوجبة، أو الفيلم، أو الإجازة، ليس بالتجربة الكاملة. ولكن بلحظات معينة، وخاصة النهاية.
ويجب أن نعرف أن المبادئ الثلاثة لتوقيت المجموعة ـ في أي مكان ـ هي: التزامن مع الرئيس، ومع القبيلة، ومع القلب. ووجدت دراسة أجريت في جامعة أكسفورد، أن الأطفال الذين مارسوا لعبة التصفيق المتزامنة كانوا أكثر عرضة لمساعدة أقرانهم في وقت لاحق. من الأطفال الذين مارسوا لعبة غير متزامنة.
في بعض الحالات يمكن أن يكون للتنسيق الجماعي أثر فسيولوجي عميق. فالغناء الجماعي يهدئ معدل ضربات القلب. ويعزز مستويات الإندورفين، ووظائف الرئة. بل ويزيد من إنتاج الغلوبولين المناعي الذي يكافح العدوى.
التوقيت المثالي ليس مفهومًا ثابتًا، بل يختلف من شخص لآخر، ومن موقف لآخر. لذا، فمن الضروري أن نكون على دراية بذروة طاقتنا وأن نستغل تلك اللحظات الذهبية لتحقيق أقصى استفادة. كما أن المرونة في التعامل مع التغيرات اليومية والظروف الطارئة تعد مفتاحًا لتحقيق التوازن بين العمل والراحة.