في عالم يعج بالمشتتات والإلهاءات يمسي التركيز على الأهداف ووضعها نصب أعيننا، وتاليًا تحقيقها، أمرًا شاقًا إن لم يكن مستحيلًا. لا أحد يولد ناجحًا، والحظ، من حيث العمق، اجتهاد، ولذلك ففي كل قصة نجاح ستجد أن صاحبها بذل النفس والنفيس من أجل التركيز على الأهداف التي وضعها لنفسه.
أحد أكبر الأوهام المترسخة في عقول كثيرين أن النجاح حظ أو مجاني، فالأمر في الواقع أبعد ما يكون عن ذلك. والبقاء مركزًا، ومصوبًا عينيك على أهدافك هو جهاد العصر الراهن، عصر المشتتات والإلهاءات.
والحظ ذريعة الخاملين، ألم يقل محمود درويش في قصيدته ذائعة الصيت «لاعب النرد»:
«والحظ لا اسم له».
ما قلناه إلى الآن مالوفًا أو على الأقل يعرفه كثيرون، سوى أن هناك أمرًا حريًا بنا أن نشير إليه قبل أن نغادر هذه المقدمة مفاده: لا أحد أكثر انحرافًا عن أهدافه من أصحاب الهمم العالية والنفوس الكبيرة، الذين أضناهم الشغف (بأكثر من شيء) وأشقتهم الرغبة في تحقيق الكثير من الأشياء.
هؤلاء قوم يعذبهم طموحهم وهمتهم العالية، ومن أسف، أنه على الرغم من ذلك لا ينجزون خلال حياتهم شيئًا ذا بال، إنهم ينتقلون من مهمة إلى أخرى، من مطاردة أمنية إلى أخرى، دون تحقيق أو إنجاز أي منها.
ما يحتاجه هؤلاء القوم هو التركيز على الأهداف، بشكل منهجي ومخطط، ووضع سلم أولويات وفقًا لمعطيات ووقائع معينة.
اقرأ أيضًا: صنع وقت الفراغ.. الطريق لتحقيق الأمنيات
التركيز على الأهداف
لكل هؤلاء، الكسالى منهم والمجدون، يقترح موقع «رواد الأعمال» عدة طرق ومنهجيات تساعد في التركيز على الأهداف وتأخذ بيدنا بعيدًا عن إلهاءات ومشتتات عالمنا المعاصر.
-
اسبق الواقع بخطوة
إن أردت أن تعرف كيفية التركيز على الأهداف، فلزامًا عليك أن تمتلك ذهنية واضحة وصافية ومرتبة بطبيعة الحال، فمنذ الليلة السابقة على سبيل المثال، سيكون واضحًا بالنسبة لك ما ستأكله في الغد، وماذا سترتدي أثناء ذهابك إلى العمل، وما هو الطريق الذي سوف تسلكه إلى هناك. ومن الجيد أن تعد حقيبتك قبل أن تنام.
قد ترى أن هذه الأمور تافهة أو ثانوية، لكنك مخطئ، إن من يهتم بمثل هذه التفاصيل مؤكد لن يغفل الأمور المهمة والكبرى. كما أن الهدف من هذا التخطيط المسبق _دعنا نسميه «تخطيط الليلة السابقة»_ سوف يساعدك في بداية يومك بداية جيدة وصحيحة.
اسمع إلى «برتيليف» في رواية «فالس الوداع» لـ «ميلان كونديرا» وهو يقول:
«صدقني صباحات الإنسان هي التي تقرر طباعه».
وإذا اتبعت هذه الطريقة التي نقترحها عليك فسوف تظفر بنوع من الراحة والوضوح؛ فكل ما تريد إنجازه والقيام به واضحًا تمامًا بالنسبة لك، بل إنك قد تفكر، لبعض الوقت، في الكيفية المثلى لأداء هذه المهام الملقاة على عاتقك. قل أن تجد من يفعل ذلك، لكننا نريدك أنت تكون واحدًا من أولئك الذين عز الزمان أن يجود بأمثالهم.
اقرأ أيضًا: وقت الفراغ في العمل.. طريقك للإنجاز والتغلب على الملل
-
هدف بهدف
لعلك واحدٌ من الذين يظنون أن التركيز على الأهداف لن يكون إلا بشكل جماعي؛ أي عبر التركيز على أكثر من هدف في وقت واحد، لكن ذلك وهم لا يسنده الواقع، ولا يؤيده ما نعرفه عن بنية وقدرة عقلنا البشري.
إن تعدد المهام هو الاسم الثاني للتشتت والإلهاء، لكن من يتقاعس عن مهامه الأساسية لا يريد أن يعترف بتقصيره وإنما يقول بدلًا من ذلك إنه يتابع أكثر من مهمة في وقت واحد. لا تقلق لن ينجز أيًا من هذه المهام على الإطلاق.
التركيز على الأهداف وإنجازها على الوجه الأمثل يبدأ من التركيز على هدف وإنجازه ثم الانتقال إلى الذي يليه. لمثل هذه الطريقة الكثير من المزايا؛ أبرزها: أنها تمنحك الفرصة الكاملة للتركيز على ما تقوم به، وثانيًا: يساعدك إنجاز هدف من الأهداف أو مهمة من المهمات في أن تكون متحفزًا ومستعدًا للقيام بشيء أجود وأفضل.
تريد معرفة كيفية التركيز على الأهداف التي وضعتها لنفسك إذًا؟ حسنًا، أنجزها واحدًا واحدًا، ولا تنتقل من هدف قبل أن تستفرغ ما في وسعك في أدائه وإنجازه، هكذا ستكون الأمور أسهل، كما أنك ستبقي مركزًا، وستظل أهدافك نصب عينيك على الدوام.
اقرأ أيضًا: تنظيم جدول الأعمال.. كيف تعمل بذكاء؟
-
وقت لكل مهمة
لعلك تأبى إلا أن تنهض بالكثير من المهام، حسنًا، لا ضير عليك في هذا، فأغلب أصحاب النفوس الكبيرة والهمم العالية يتابعون الكثير من الأهداف _لكن واحدًا بواحد كما قلت_ لكن أضمن طريقة لمتابعة كل هذه الأهداف هو أن تخصص وقتًا معينًا لكل مهمة.
أدرك تمامًا أن هذه الطريقة سوف تكون صعبة في فاتحة الأمر، لكن كل شيء بالتدريب ممكن _حياتنا أصلًا محاولة في الممكن_ فليس من السهل على حديث عهد بهذه الطريقة أن ينتهي من مهمة ما في الوقت الذي يضربه لها بالضبط. لكنك قادر على ذلك طالما أن غيرك تمكّن منها.
وإحدى فضائل طريقة كهذه _وهي مناسبة للأشخاص الشغوفين المتمتعين بموهبة في أكثر من مجال_ أنها تتيح لك التركيز على الأهداف جميعها، وإنجازها واحدًا تلو الآخر بشكل أكثر كفاءة وأعلى جودة.
اقرأ أيضًا: مشكلات تنظيم الوقت.. العائق أمام تحقيق النجاح
-
إيقاف هدر الوقت
الوقت والتركيز على الأهداف مترادفان، لا ينفصمان، لن يمكنك، بداهة، التركيز على أهدافك من دون وقت ما. لكن أغلب القوم يشتكون من ضيق الوقت، ليس هناك وقت، إننا مشغولون، دائمًا ما نسمعهم يتفوهون بمثل هذه الأمور.
سوى أنهم لا يضعون أصابعهم على الجرح، وسنفعل نحن ذلك. الوقت كاف تمامًا لإنجاز ما لدينا من مهام، لكن المشكلة أننا نهدر هذا الوقت ولا نحافظ عليه.
لن تتمكن إذًا من التركيز على الأهداف من دون إيقاف هدر الوقت، من دون وقف المشتتات عند حدها. لست بحاجة إلى الرد الفوري على رسائل بريدك الإلكتروني، ولست مضطرًا للرد على المكالمات الهاتفية التي يمكن الرد عليها في وقت آخر غير وقت العمل.
ما الأمر إذًا؟ إننا نهدر أوقاتنا ثم نشتكي، فيما بعد، من قلة الوقت وضيقه، تخلص من المشتتات ومن كل ما لابد منه، من كل الفائض والزائد، وستجد أن وقتك كافٍ تمامًا للتركيز على الأهداف التي تبغي إنجازها والوفاء بها.
واسمح لي سيدي القارئ أن أختم هذه المقالة باقتباس آخر من «ميلان كونديرا» الذي قال في «غراميات مرحة» مشيرًا إلى أهمية الخلاص من التشتيت والإلهاء:
«هناك لحظات في الحياة ينبغي للمرء فيها أن ينسحب ويتخلى عن المواقع الأقل أهمية للحفاظ على مواقعه الحيوية».
اقرأ أيضًا:
مشتتات الانتباه.. فيمَ تهدر وقتك؟
تنظيم الوقت.. الطريق إلى تحقيق النجاح
4 نصائح لتنظيم الوقت.. كيف تدير حياتك؟