في عالم يموج بالتحول يعد الذكاء الاصطناعي بوصلة سحرية توجهنا نحو حلول مبتكرة لمشكلات مزمنة؛ فهناك من يرى في هذه التقنية الأكثر انتشارًا في العالم نافذة تطل على عالم ذكي تحاكي فيه الآلات ذكاء الإنسان، ويرى فيه آخرون أداة ثورية تحرر البشرية من عبء الأعمال الروتينية، وتتيح لها التركيز على إبداعات تثري حياتها وترقّيها.
ولكن، كما هو الحال مع أي ثورة عاتية، لا تخلو تقنيات الذكاء الاصطناعي -الأكثر تطورًا على الإطلاق- من المخاطر والتحديات؛ فمن بطالة محتملة، إلى تحيز قد يعوق مسيرة العدالة، وصولًا إلى سيطرة تُهدد حرية الإنسان، تمثل هذه المخاطر ناقوس خطر يجب علينا التنبه له والعمل باستمرار على تجنبه.
التأثير الاجتماعي للذكاء الاصطناعي
ما من شكٍ في أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تُمثل ثورة تكنولوجية حقيقية ستُحدث تحولات جذرية في مختلف جوانب حياتنا خلال العقود القادمة، وفي إطار ذلك يؤكد أنتوني ميلز؛ المدير التنفيذي لمعهد الابتكار العالمي، أن هناك أربعة مجالات رئيسية ستتأثر بشكل عميق بهذه التقنيات، وهي: الربط الشامل، والوعي الشامل، والأتمتة التعويضية، وتوفر المعرفة.
الربط الشامل:
يُشير هذا المفهوم في الأساس إلى ربط جميع جوانب حياتنا بالإنترنت، وهو ما يُسمح لأنظمة الذكاء الاصطناعي بمراقبة جميع جوانب حياتنا بذكاء، وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى ظهور التالي:
- أشخاص أذكياء: تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي الأشخاص في إدارة حياتهم اليومية بشكلٍ أفضل؛ من خلال تقديم النصائح والتنبؤات والمساعدة في اتخاذ المزيد من القرارات الإيجابية والحاسمة.
- منازل ذكية: يجمع الذكاء الاصطناعي بين مختلف الأجهزة والأنظمة في منزلك، ويقودها بعصا سحرية؛ فمن خلال ربط هذه الأجهزة ببعضها البعض يصبح منزلك كيانًا مترابطًا، يتفاعل ويتكيف مع احتياجاتك بشكلٍ سلس وفعال.
- مجتمعات ذكية: تمكّن تقنيات الذكاء الاصطناعي المجتمعات من إدارة مواردها بشكلٍ أفضل، وتحسين جميع الخدمات المقدمة للمواطنين، وتعزيز التفاعل بين أفراد المجتمع.
- مدن ذكية: بالتأكيد ستُصبح أحدث المدن في مختلف بُلدان العالم أكثر ذكاءً وكفاءة باستخدام الذكاء الاصطناعي؛ لتحسين أنظمة النقل والطاقة والمياه والخدمات العامة.
الوعي الشامل:
بفضل الربط الشامل تصبح أنظمة الذكاء الاصطناعي المختلفة على دراية تامة بكل فرد والبنية التحتية الشخصية والاجتماعية، وهو ما يُمكنها في نهاية المطاف من:
- اتخاذ قرارات وتنفيذ إجراءات تفيد المجتمع: سوف تتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي تطوير جميع الخدمات المقدمة للمواطنين، وتعزيز الأمن، وتحسين إدارة الموارد.
- تخصيص الخدمات والتجارب: تسمح أنظمة الذكاء الاصطناعي بتخصيص الخدمات والتجارب لتناسب جميع احتياجات ومتطلبات كل فرد تقريبًا.
- تطوير وتحسين كفاءة الأنظمة: تقود أنظمة الذكاء الاصطناعي كل عمليات تحسين كفاءة الأنظمة المختلفة التي يعتمد عليها الفرد يومًا، مثل: أنظمة النقل والطاقة والمياه وغيرها من الأنظمة الأخرى المهمة.
الأتمتة التعويضية:
وهي تعني أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تجعل العديد من الأنظمة الآلية مستقلة تمامًا في تشغيلها، وبالتالي قادرة على تقديم قيمة دون الحاجة إلى إشراف أو تدخل بشري، ويشمل ذلك:
- السيارات ذاتية القيادة: بفضل التطورات المتلاحقة التي يشهدها مجال الذكاء الاصطناع يومًا تلو الآخر تُصبح السيارات ذاتية القيادة أكثر شيوعًا، وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى تقليل الحوادث المرورية وازدحام المرور.
- العمليات التجارية الآلية: تعمل أنظمة الذكاء الاصطناعي بمختلف أنواعها على أتمتة العديد من العمليات التجارية، مثل: خدمة العملاء ومعالجة جميع البيانات المتعلقة بالخدمات والمنتجات المُقدمة
توليد المعرفة:
منذ فجر التاريخ كان الإنسان هو المُصنع الوحيد للمعرفة، لكن مع ولادة أجيال جديدة من الذكاء الاصطناعي نشهد ولادة ثورة جديدة من المعرفة لم تكن موجودة مسبقًا؛ ما يُساعد في التالي:
- معالجة التحديات البشرية: ستُمكن أنظمة الذكاء الاصطناعي من معالجة جميع التحديات البشرية بشكلٍ أفضل، مثل: تغير المناخ والأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي والقضاء على الفقر والأمراض.
- تطوير حلول جديدة: بفضل قدرتها الفائقة على تحليل البيانات الهائلة، وفهم الأنماط المعقدة، تُقدم أنظمة الذكاء الاصطناعي المختلفة حلولًا ذكية لمشكلات عجزت البشرية عن حلها.
- تحفيز الابتكار: مع الانتشار الواسع لأدوات الذكاء الاصطناعي يومًا بعد آخر أصبح بإمكان أي شخص تقريبًا أن يكون مُبتكرًا، ويُقدم أفكارًا جديدة تُساهم في تحسين حياتنا.
ثورة الذكاء الاصطناعي
تُبشر ثورة الذكاء الاصطناعي بآفاق رحبة تعزز من رقي الحضارة البشرية، وتنعش آمال التقدم في شتى المجالات؛ فمع تسارع وتيرة التطور تصبح أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على توليد المعرفة بسرعة فائقة، تفوق قدرة الإنسان على استيعابها وتطبيقها.
وتشير التوقعات إلى أن منتصف القرن الحادي والعشرين قد يشهد “التفرد”، وهو تلك اللحظة الحاسمة التي يتجاوز فيها ذكاء الآلة ذكاء الإنسان، عندها تصبح المعرفة حكرًا على أنظمة الذكاء الاصطناعيِ، ويمسي المستقبل غامضًا لا يمكن التنبؤ بملامحه بدقة كما يحدث حاليًا.
وبينما تبشر ثورة الذكاء الاصطناعي بالإيجابية في جميع المجالات تقريبًا فهي تخفي في طياتها مخاطر جمة؛ إذ يمكن استغلالها لأغراض مدمرة، مثل: شن الحروب الإلكترونية والهجمات الأكثر فاعلية.
المخاطر الرئيسية:
طالما كُنا نتحدث عن التأثير الاجتماعي للذكاء الاصطناعي فأحرى بنا الإشارة إلى المخاطر الرئيسية لهذه التقنية الأوسع انتشارًا:
- سوء استخدام البشر للذكاء الاصطناعي: هو تحدٍ صعب المعالجة، تسعى الهيئات العالمية، مثل: الأمم المتحدة والبيت الأبيض، إلى معالجته من خلال وضع إرشادات أخلاقية تنظم استخدام هذه التكنولوجيا.
- تجاوز أنظمة الذكاء الاصطناعي للإشراف البشري: يمكن معالجته من خلال آليات تحكم تتيح قطع الطاقة عن أنظمة الذكاء الاصطناعي عند الضرورة.
تحديات يجب مواجهتها:
الذكاء الاصطناعي، تلك الكلمة التي باتت تتصدر نقاشات حامية الوطيس، تُبشر بثورة تقنية هائلة، تغير ملامح حياتنا جميعًا بلا استثناء، وتعيد صياغة مفهوم العمل والمجتمع والسياسة في جميع بُلدان العالم.
-
فقدان الوظائف
هو الهاجس الذي يؤرق الكثيرين، مع تنبؤات بحلول الآلات محل البشر في العديد من المهام. لكن قد لا يكون هذا التنبؤ دقيقًا تمامًا؛ فبينما تختفي بعض الوظائف سوف تتوفر وظائف جديدة لم تكن موجودة من قبل، تتطلب في الأساس مهارات إبداعية وفكرية فريدة، هي ميزة الإنسان دون الآلة.
-
التغييرات الاقتصادية
هذه المفاهيم التي ستحدثها تقنيات الذكاء الاصطناعي تثير تساؤلات حول كيفية توزيع الثروة، وضمان حصول الجميع على فرص عادلة، وتلك التأثيرات الاجتماعية والقانونية والسياسية ستفرض تحديات جديدة، تتطلب حوارًا مجتمعيًا واسعًا؛ لتحديد القوانين واللوائح التي تنظم استخدام هذه التكنولوجيا.
-
مسؤولية الإنسان
هذه المسؤولية تظل حاضرة بقوة؛ فمع ازدياد ذكاء الآلات تُطرح أسئلة حول احتمالية فقدان السيطرة عليها، وتُمثل الأخلاق تحديًا آخر؛ ففي ظل ازدياد قدرة الذكاء الاصطناعي على اتخاذ المزيد من القرارات يجب التأكد من أن هذه القرارات تتوافق مع القيم الإنسانية.
إذًا رغم أن ثورة الذكاء الاصطناعي تبشر بمستقبل يزخر بالابتكار والإبداع فإنها تخفي في طياتها مخاطر جمة؛ فبينما تُفتح أبواب المعرفة على مصراعيها، وتُصبح الإمكانيات لا حصر لها، تُهدد هذه الثورة بضياع الوظائف، وازدياد التفاوتات الاجتماعية، وربما حتى سيطرة الآلات على مصير البشرية.
وأمام هذه التحديات يبرز دور الإنسان كقائد لهذه الثورة، ومن خلال التعاون الدولي ووضع القوانين واللوائح المنظمة لاستخدام هذه التكنولوجيا نستطيع تحويل ثورة الذكاء الاصطناعي إلى ثورة للخير والتقدم.
اقرأ أيضًا من رواد الأعمال:
الذكاء الاصطناعي وتحسين تجربة العملاء
ريادة الأعمال التقنية وأحدث ابتكارات الذكاء الاصطناعي
أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.. تحديات تُشكّل مصير البشرية