الإدارة المتسامحة مرحلة لاحقة أو خطة بديلة في حال وقوع الفشل أو الخطأ، لكنها، وفي الوقت ذاته، نهج تأسيسي للوصول إلى النجاح والابتكار. كل فشل، إذًا، خطوة على طريق النجاح، شرط أن نفهم ماهية الفشل ذاته، وأن ننظر إليه من زاوية جديدة.
وهي، في حال وضعناها موضع التنفيذ، تعيد موضعة الأشياء من جديد، أو بالأحرى تجبرنا على التفكير في الأمور على نحو مختلف؛ فالفشل والنجاح _تلك الثنائية الصلبة_ لا يعنيان شيئًا في ذات نفسيهما، وإنما المطلوب هو ما بعدها، والمهم وهو طريقة التعاطي مع كل منهما.
النجاح مضر لو توقفنا عنده ولم نبرحه، والفشل كذلك إذا دفعنا إلى الإحباط واليأس والقنوط، لكن الإدارة المتسامحة تعمل في تلك المنطقة الواقعة بين النجاح والفشل، إنها _إن جاز القول_ «فلسفة الـ ما بعد» أي ما بعد الموقف الحالي، ما بعد النجاح أو الفشل.
اقرأ أيضًا: مميزات الإدارة المرنة.. ماذا تفعل الشركات في عصر السيولة؟
التسامح والفشل
يدفعنا التفكير في الإدارة المتسامحة إلى النظر في ثنائية مترابطة وهي «التسامح والفشل»؛ فكل واحد من هذه الثنائية مرتبط بالآخر على نحو وثيق؛ إذ إن التجارب المستمرة قد تؤدي إلى الفشل، ذاك الفشل الذي يستوجب _طالما هو مؤقت وواقع نتيجة ظروف قهرية_ نوعًا من التسامح.
والمؤكد أنه ليس هناك أحد معصوم من الفشل، غير أن البعض يريد أن يجعل من حياته/ عمله عبارة عن سلسلة من النجاحات _وهو هنا مدفوع بفهم مغلوط لجوهر النجاح ذاته_ ولذلك يخاف من الفشل، على الرغم من أن الفشل، طالما تفهمنا أسبابه وحللنا العوامل الدافعة إليه، سبيل للنجاح، وخطوة على الطريق إليه.
وهنا تتجلى الميزة الكبرى لـ الإدارة المتسامحة والتي تتيح لنا فرصة التعلم من الأخطاء وليس مجرد تقبلها أو التسامح معها، بل إن القادة الكبار يدركون أن النجاح والفشل ليسا سوى وهم كبير سقط كثير من الناس فريسة له، فعلى سبيل المثال يقول دون شولا؛ مدرب كرة القدم الأمريكي:
«لم أتعرض للخسارة، ولم أتأثر بالنجاحات».
إنه هنا يفكر في «الـ ما بعد» أي ما بعد النجاح والفشل، كما أنه لا يخضع لتأثير الموقف أو المعطى الراهن، وإنما يحاول تجاوزه إلى ما بعده. وتلك حقًا فضيلة القادة الكبار.
اقرأ أيضًا: الفرق بين التجسس على الموظفين ومتابعة أدائهم
الابتكار والفشل
الغارقون في «فخ الكمال»؛ أي أولئك الذين يريدون أن تبلغ الأمور دائمًا قدرًا من الكمال، لن يفعلوا شيئًا، سوى انتظار فرصة أو معطى أو موقف قد لا يأتي أبدًا.
وهم خائفون ليس فقط من عدم الوصول إلى الكمال المزعوم _هل وصل أحد إلى الكمال من قبل؟!_ وإنما من الفشل ذاته؛ ولذلك هم أبعد ما يكون عن تجربة شيء جديد، أو العثور على فكرة أو منتج مبتكر.
الفشل قرين الابتكار إن لم يكن شرطه الأساسي، فمن لم يجرب كثيرًا لن ينجح أبدًا، غير أن كثرة التجربة تعني احتمالية سقوط المرء فريسة الفشل مرة بل مرات.
يقول توماس واتسون؛ رائد الأعمال وأحد قادة شركة IBM:
«إن أسرع طريقة للنجاح هي مضاعفة معدل فشلك».
إنه يفهم أن الفشل مرحلة مؤقتة وعابرة، وأن المهم ليس الفشل ذاته، وإنما طريقة التعامل معه، هنا بالضبط يكمن جوهر الإدارة المتسامحة التي تحاول أن تقر بكون الخطأ أو الفشل أمرًا بشريًا، لكنها تحاول، على الجانب الآخر، أن تستفيد منه وتجنّده لصالحها.
اقرأ أيضًا: التواصل الجيد مع الموظفين.. سبل للفهم وتحقيق الأهداف
ثقافة المخاطرة الذكية
المؤمنون بفلسفة الإدارة الذكية يخاطرون كثيرًا ولكن بشكل ذكي ومحسوب؛ فلكي نصل إلى الابتكار فلا بد لنا أن نجرّب كثيرًا _كما ألمحنا إلى ذلك آنفًا_ لكن ذلك لا يعني أن نكون مندفعين، أو أن نخوض غمار تجارب محكوم عليها بالفشل أو لا مستقبل لها من الأساس.
ومن هنا تأتي فكرة «ثقافة المخاطر الذكية»، إن القادة الكبار يتسامحون مع الخطأ، ويقبلون المخاطرة أو تجربة بعض الأفكار، إلا أنهم في الوقت ذاته، لا يتخذون ذلك ذريعة لخفض جودة العمل أو التأثير في معدلات الأداء.
إن الهدف الأسمى في الإدارة المتسامحة _كما نفهمها على الأقل_ هو تعزيز الابتكار ورفع معدلات الجودة؛ عبر الإقرار ببشرية الخطأ واحتمالية الفشل من جهة، والتحسين المستمر والمطرد. ما من من طريقة مثالية أو ناجعة إلى الأبد، وإنما هناك دائمًا إمكانية أن يكون المجهول ثريًا بدرجة لم نكن نتوقعها.
اقرأ أيضًا:
تطبيقات مراقبة الموظفين عن بُعد.. سياسة انعدام الثقة
العمل الجاد وطرق التعامل مع المديرين
كيف تلزم مرؤوسيك بتنفيذ قراراتك؟