في إطار البحث عن أفضل الطرق للتواصل الفعال بين الرؤساء والمرؤوسين داخل المؤسسات؛ من أجل تحقيق مستوى جيد للعلاقات المهنية والوظيفية، برزت أحدث طريقة ألمانية في مجال تطوير الذات والقيادة، والتواصل، وفهم بيئة العمل، تُعرف بـ”التواصل الموجه”، والتي اعتمدها المعهد الأمريكي لعلم النفس المرتبط بالأعمال American Institute of Business Psychology.
بُنيت طريقة التواصل الموجه على تجارب علمية موثّقة، وتحاليل نفسية معمّقة، اُثبتت فاعليتها عمليًا، ويمكن تلمس نتائجها الإيجابية سريعًا، سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى فريق العمل، ثم ملاحظة قوة تأثيرها على بيئة العمل؛ حيث تعتمد في منهجيتها على التدريب العملي، والنشاطات التطبيقية، والتمارين الجماعية .
أرضية تفاهم مشتركة
تهتم الطريقة الجديدة الخاصة بـ التواصل الموجه بالبحث عن أفضل الأنماط السلوكية بين الأفراد لإيجاد أفضل بيئة عمل، ووضع أرضية تفاهم مشتركة بينهم؛ بغية تحسين نفسيتهم، وتغيير سلوكياتهم السلبية تجاه بعض زملاء العمل والرؤساء داخليًا، والعملاء خارجيًا، وصولًا إلى مضاعفة جهودهم لزيادة إنتاجيتهم.
طريق البطل
وفي إطار التواصل الداخلي أيضًا (والتي تذكر بمناسبة الحديث عن التواصل الموجه) يبرز البرنامج العالمي المسجل رسميًا لـ Directive Communication International في شرق آسيا باسم طريق البطل”The Hero’s Way” فإن دورته التطبيقية البالغ مدتها 18 ساعة تغطي ثلاثة جوانب أساسية: النفس، والعقل والجسد، وتهدف إلى اكتشاف حقيقة الذات وخلق القابلية النفسية لتطويرها، والتحفيز نحو تحسين مستوى تواصلها مع الآخرين؛ من خلال خلق الدافع لتفهّمهم والحث على توسيع دائرة التسامح في المجموعات؛ لإيجاد بيئة عمل مُثلى يشعر فيها جميع الموظفين والرؤساء بالراحة والاستقرار.
من أخطر العناصر الأساسية في سيكولوجية الإنسان، أنه جُبل على أن يكون دائمًا على صواب مهما أخطأ، ومهما توجهت إليه أصابع الاتهام أو اللوم؛ إذ يميل إلى تحويل اللوم على أخطاء الآخرين أو على عوامل أخرى؛ وهو ما يؤدي إلى نشر ثقافة اللوم والعتاب Blame Culture في محيط الفرد.
التواصل السلبي
إن هذه الثقافة تجعل التواصل سلبيًا، ويشوبه الكثير من التوتر؛ إذ تنشأ ثقافة الشرير في التواصل، والتي تتمثل في عدم التبرير ورد الفعل في إلقاء التهم على الآخرين، والخوف، وعدم المبادرة، والنظرة السلبية، والميل إلى تفضيل العمل المنفرد، وتَرَصُّد أخطاء الآخرين.
كما أن التعامل مع هذه الحالة يبدأ من وجوب معرفة المرء أن كل إنسان مهما أخطأ، فلا يجب أن يكون موطن تهمة، أو شعور بالمؤاخذة على تقصير بتوجيه أصابع اللوم إليه؛ فقد يجنح عنده إلى إثبات الصواب بتوجيه اللوم إلى آخرين؛ ما ينتج عنه تضييع الوقت والجهد في مهاترات لا طائل منها، وأيضًا خسارة المال لإثبات من فعل… ولماذا؟، بدلًا من توجيه الجهود إلى تحقيق الأهداف المرجوة.
الخبرات التراكمية
وغالبًا ما يختلف رد الفعل من شخص لآخر تجاه نفس الفعل؛ وذلك بناء على تفاوت الخبرات التراكمية لكل منهما في الحياة؛ إذ لكل إنسان افتراضات معينة، وتوقعات عالقة بذهنه تجاه مختلف المواقف والأشخاص، فحين يخالف الواقع ذلك، يركن المرء إلى ما يُسمَّى قواعد الاشتباك مع الطرف الآخر حسب خبراته.
الوعي الناضج
وعادةً ما تكون قواعد الاشتباك هذه ذات طابع سلبي؛ لذلك يمكن للوعي الناضج تحويل الاعتماد على رد الفعل إلى موقف ينطوي على فعل ذكي، يضفي الإيجابية بطريقة “البطل”، الذي يتغلب على نزعاته النفسية التي تدفعه إلى الاعتماد على رد الفعل، والذي يدفع الشر الناتج عن ظروف وانفعالات سلبية.
كذلك ربما يتفق معظم الناس على تحديد الدافع وراء العمل، باعتبار أن المال هو المحرك الأساس للعمل، بينما يشهد الواقع بأنَّ الإنسان يعمل من أجل ما يجلبه المال له، وليس المال بذاته؛ لذلك ما يأتي من مال، يُنفق فيما يعتقد أنه يجلب له السعادة والرضا.
كما أنه وبالتأمل في طبيعة الدوافع. سيدرك أنها محركات نفسية تكمن فيها طرق حل المشكلات. وبها يمكن الوصول إلى النتيجة أو السبب الحقيقي وراء أفعالنا. والتي غالبًا ما تكون من أجل السعي إلى تحقيق متعة ما، أو تفادي ألم معين. بينما في عالم الأعمال يكون البحث عن الكفاءات والمهارات. وتوظيف عمال على أساس مهاراتهم وخبراتهم وشهاداتهم.
ومع ذلك تعمل إدارة المؤسسة على إكسابهم السلوك الجيد في أثناء وجودهم بالمؤسسة. كي ينعكس الجو الإيجابي على بيئة العمل والعلاقة مع الزملاء. وبإشراك الموظف أو العامل في وضع وصياغة الأهداف. سيشعر طبيعيًا بأن العمل هو قضيته. وبالتالي تكسب المؤسسة ولاءه؛ فيعمل بطاقة أكبر. لشعوره بأنه جزء من المنظومة؛ لذا تبرز أهمية الدافع النفسي الذي يُكتسب من خلال البيئة.
الدوافع النفسية
كما أن الدوافع النفسية الأساسية يشترك فيها جميع البشر. ولكن تختلف في ترتيب أولوياتها من شخص لآخر، ومن مرحلة إلى أخرى. إذ تتمثل باختصار في حاجة الفرد إلى:
ـ رؤية التطور في خطط العمل والبناء:
يكون صاحبها محبًا للإنجاز، ومتميزًا في تنفيذ المشروعات التي تتطلب السرعة والإتقان.
ـ التحدي والتعلم والنمو:
يميل صاحبها إلى الدراسة وترقية معارفه لتطوير نفسه وما حوله.
ـ الإتقان:
ترجمة عملية للشعور بالرضا والفخر بما يفعله العامل الذي يحرص على إضفاء اللمسة الذاتية التي يفتخر بأنها تميزه عن غيره.
ـ المسؤولية:
شعور عميق بضرورة التطوع لتقديم الإسهام الكافي بالجهد والوقت والمال لمساعدة الآخرين.
ـ الانتماء:
يشجع على الاتصال بالآخرين بحب، ويشعر كل فرد بأنه مرغوب في محيطه.
إن المشكلة التي تكمن في الدوافع، أنها إذا لم تُشبَّع بطريقة إيجابية؛ فسوف تُشبَّع بطريقة سلبية. لأن حاجة الفرد إلى التشجيع والتكريم مقابل تميزه أكيدة. كما ستجعله إن لم يجد ما كان يأمله من تقدير. ينشر ثقافة اللوم تجاه الآخرين؛ ليبدو متميزًا. وأن القائد هو من أخطأ في التقييم؛ بسبب عدم دقة ملاحظة تميزه.
كذلك يبقى الفخ الذي يقع فيه أحيانًا رئيس المؤسسة أو رائد الأعمال. لينطبق أيضًا على أي شخص آخر يتعمد. أو يغفل عن ضرورة إشباع الحاجة النفسية بطريقة إيجابية للعاملين والموظفين.
إن البطل هو الذي يفهم حقيقة نفسه، وطبيعة دوافعها، وطريقة تفاهمها، وقدرتها على فهم كل ما حولها. كما أن البطل هو من يبتعد عن افتراضات عالقة قد لا تكون حقيقية أو صالحة. بل يسعى في تعامله مع الآخرين إلى إيجاد بيئة مُثلى قائمة على التفاهم. وحسن الظن، واتساع دائرة التسامح.