يعد كورونا من أخطر الفيروسات التي مرت على البشرية على مدار تاريخها الطويل؛ لما له من انعكاسات خطيرة على كل الشعوب والمجتمعات، من حيث تداعياته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتأثيره النفسي على الأفراد والمجتمعات.
لقد قلبت جائحة كورونا، كافة الموازين، وزعزت كثيرًا من المسلَّمات واليقينيات، وأفرزت قضايا عدة، ومنحتنا فرصة ثمينة لاستخلاص الدروس والعبر.
أو هذه الدروس وأهمها؛ إعادة قراءة الذات، والعودة إليها في ظل المتغيرات الجديدة، والتفكير بجد في أولوياتنا وإعادة ترتيبها؛ ومن ثم إعادة النظر والتفكير في سلوكياتنا وممارساتنا اليومية؛ في سبيل اكتشاف الذات ومعرفتها وتنميتها.
الدرس الثاني؛ أن كورونا شكلت لحظة مفصلية ومنعطفًا تاريخيًا هامًا في حياتنا؛ لنعيد النظر والتفكير في كثير من القضايا المتعلقة بحياتنا الاجتماعية؛ أي إنها أفرزت نوعًا من التضامن الاجتماعي؛ إذ ثمة مبادرات كثيرة قام بها أغلب الفئات العمرية- وخصوصًا الشباب- لمساعدة الأسر المحتاجة، وقامت بها الدولة كذلك لمساعدة المواطنين جرَّاء انتشار هذه الجائحة غير المسبوقة في تاريخ الإنسانية.
الدرس الثالث؛ أن جائحة كورونا أعادتنا إلى أسرنا وبيوتنا؛ فكم كنا غافلين عن أبنائنا وبناتنا، الذين كبروا في غفلة عنا، وكان يجب علينا أن ندرك أن الأسرة هي السبيل الوحيد للتغير والنمو والرفاهية الاجتماعية؛ إذ لا يمكن أن تجد مجتمعًا قويًا أكثر أمنًا وإنجازًا، من دون أسرة متماسكة وقوية، تشجع على الإبداع والابتكار، وتوفر كل الوسائل اللازمة لاستثارة ملكات وقدرات أفرادها وتنميتها.
الدرس الرابع؛ أن كورونا أعادت الثقة بين المواطنين والدولة، وعمَّقت الروابط، وساعدت على التفكير في العودة إلى الدولة الوطنية في ظل تراجع نفوذ الدولة الليبرالية، كما أضحت الحاجة ماسة إلى دولة الرعاية أو دولة الرفاهية الاجتماعية، حسب تعبير عالم الاجتماع الألماني يورجن هابرماس، كما أظهرت الأزمة حجم الولاء الذي يُكِنُّه المواطن لمؤسسات الدولة؛ أي إن هناك علاقة جيدة بين الدولة والمواطنين.
الدرس الخامس؛ أن كورونا أسقطت كثيرًا من أوهام الفردية، وأكدت أن الطريقة الوحيدة للنجاة هي الخلاص الجماعي؛ إما أن ننجو جميعًا أو نغرق جميعًا؛ وهذا ما اعتمدته جُلُّ دول العالم بسنِّ قوانين زاجرة؛ للحفاظ على إجراءات حالة الطوارئ الصحية؛ وهو ما يدخل في إطار سياسة التباعد الاجتماعي، واعتماد الكمامات كوسيلة لإيقاف انتشار العدوى.
الدرس السادس؛ أن كورونا ألجأت الناس إلى الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي بإفراط؛ للبحث عن هوية رقمية افتراضية في ظل الخوف المعمم على الغني والفقير والجاهل والمتعلم، فالناس يبحثون في الفضاء الأزرق عن الرابط الاجتماعي، وعن بديل للعلاقات الاجتماعية بعلاقات افتراضية تبدو مغرية وأكثر تعاطفًا.
الدرس السابع؛ أن كورونا علمتنا ضرورة إنصاف قطاعي التعليم والصحة، وأنهما السبيل الوحيد لقيام دولة قوية ومجتمع أكثر تماسكًا وتعاضدًا بين أفراده ومؤسساته، وأن رهاننا الوحيد هو العلم والمعرفة، وألا يعلو عليهما شيء.
الدرس الثامن؛ من المفترض أن يختلف عالم ما بعد كورونا تمامًا عن عما قبلها؛ من حيث الأولويات والتحدياث التي تنتظرنا في عالم يسود فيه التضامن الاجتماعي؛ وذلك في سبيل استعادة الأخوة الإنسانية؛ ومن ثم إعادة التفكير في المجتمع الدولي، ومحاولة تفكيك أعطابه ومساوئه في ظل النظام الرأسمالي المتوحش.
لا شك في أنَّنا نمر بلحظة مفصلية في تاريخ البشرية، وفرصة مناسبة لاستعادة القيم الإنسانية النبيلة، وتعميقها في حياة الشعوب والمجتمعات؛ من أجل بناء مجتمع عالمي، تسوده القيم والمبادئ الإنسانية.
اقرأ أيضًا: