شهدت أسواق العملات المشفّرة تذبذبًا كبيرًا خلال التعاملات الأخيرة؛ إذ تكبدت عملة البيتكوين خسائر حادة هي الأكبر من نوعها منذ مطلع نوفمبر؛ ما أثار حالة من الارتباك بين المستثمرين. وهبطت العملة الرقمية الأكبر عالميًا بنحو 6% لتسجل 85,788 دولارًا، بعد أن لامست في وقت سابق مستوى 83,879 دولارًا بتراجع بلغ 8%.
وبحسب ما أفادت وكالة رويترز، فإن موجة الانخفاض الحالية أعقبت أكبر تراجع شهري للبيتكوين منذ منتصف عام 2021؛ حيث خسرت العملة أكثر من 18 ألف دولار خلال نوفمبر فقط. ويشير هذا الهبوط الحاد إلى تسارع خروج رؤوس الأموال من السوق بوتيرة غير مسبوقة. ما دفع الكثير من المتعاملين لإعادة تقييم مراكزهم الاستثمارية في ظل ظروف اقتصادية مضطربة.
علاوة على ذلك، تزامن هبوط البيتكوين مع إعلان شركة Strategy -أكبر شركة تمتلك احتياطيات من البيتكوين- عن خفض توقعات أرباحها لعام 2025. ما زاد الضغوط السلبية على السوق وأدى إلى تراجع أسهم الشركة بنسبة 3.3%. وبالتالي، بدا واضحًا أن المزاج العام في سوق العملات الرقمية يميل نحو المزيد من الحذر. لا سيما مع ارتفاع وتيرة التصفية القسرية للمراكز. والتي بلغت نحو مليار دولار خلال 24 ساعة، وفق بيانات CoinGlass.
تراجع الحماس العالمي تجاه العملات المشفّرة
من ناحية أخرى، أكّد خوان بيريز؛ مدير التداول في شركة Monex USA، أن البيتكوين تعاني من تراجع الحماس في كل من قطاع العملات المشفّرة وقطاع التكنولوجيا على حد سواء. ووفقًا لتصريحاته، فإن المخاوف المتنامية بشأن ارتفاع تركّز السوق وشكوك الاستدامة في النمو الرقمي تسهم في زيادة الضغوط على البيتكوين. لا سيما مع التحديات المتصاعدة في البنية التحتية وضعف التعاون التجاري العالمي.
وفي السياق ذاته، لم تسلم الإيثريوم -ثاني أكبر عملة مشفّرة- من الهبوط؛ إذ تراجعت بنسبة 8.8% لتصل إلى 2,756 دولار، بعد أن فقدت 22% من قيمتها خلال نوفمبر. وهذا التراجع يعكس استمرار الضغوط على السوق الرقمية. حيث تراجعت أسهم التكنولوجيا مؤخرًا وسط مخاوف من المبالغة في تسعير أسهم مرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
وبالانتقال إلى أسواق الأسهم العالمية، فقد تراجعت المؤشرات الرئيسية بالتوازي مع الأداء السلبي للعملات المشفّرة. إذ أغلق مؤشر MSCI العالمي متراجعًا بنحو 0.40%. بينما هبط مؤشر S&P 500 بنسبة 0.5%. وهذا التزامن بين تراجع أسهم التكنولوجيا وتراجع العملات الرقمية يعكس حالة القلق المتزايدة لدى المستثمرين بشأن مستقبل الأصول عالية المخاطر.
مؤشرات المخاطر تعيد رسم المشهد
وفي ظل هذا المناخ المضطرب، تبرز مؤشرات المخاطر كعامل أساسي في تحديد اتجاهات السوق. فعلى الرغم من أن عملة البيتكوين تاريخيًا تميل إلى الارتفاع بنسبة تصل إلى 9.7% في ديسمبر. إلا أن هذا الاتجاه الموسمي لا يكفي لطمأنة المستثمرين في ظل عدم وضوح الرؤية الحالية. وتجدر الإشارة إلى أن شهر أكتوبر عادةً ما يكون الأقوى أداءً بمتوسط مكاسب 16.6%. بينما يعد سبتمبر الأضعف بمتوسط خسارة 3.5%.
ومن ناحية أخرى، يراقب محللو السوق العلاقة بين أداء البيتكوين وسوق الأسهم. إذ يرى بعضهم أن البيتكوين قد تكون مؤشرًا استباقيًا لقياس شهية المستثمرين تجاه المخاطر. ورغم ذلك، يؤكد خبراء مثل جو سالوز أن العلاقة بين السوقين ليست ثابتة دائمًا، خاصة في ظل تباين أداء الأصول الرقمية والأسهم في جلسة يوم أمس الاثنين.
وفي إطار متصل، قالت كاثلين بروكس؛ مديرة الأبحاث في XTB، إن انخفاض البيتكوين قد يشير إلى بداية موجة ضعف محتملة في أسواق الأسهم مع دخول الشهر الجديد. وأوضحت أن التراجع الحاد في مؤشر التقلبات VIX خلال الأسبوع الماضي قد أثار قلق المستثمرين. لا سيما في ظل غياب محفّزات اقتصادية واضحة لدعم الأسواق.
ضغوط جديدة وتوقعات قاتمة
ولا تتوقف العوامل السلبية عند هذا الحد، فقد أشارت تحليلات Jefferies إلى وجود جملة من الضغوط الإضافية التي تفاقم من تراجع البيتكوين. إذ قامت S&P Global مؤخرًا بخفض التصنيف الائتماني لعملة Tether المستقرة. مبررة ذلك بزيادة الأصول عالية المخاطر في احتياطيات الشركة، إلى جانب وجود فجوات في الإفصاح. وردت Tether على الخطوة بقولها إنها “لا تتفق معها بشدة”.
كما تعرضت شركات العملات المشفّرة المدرجة في البورصة لخسائر إضافية. بما في ذلك تراجع أسهم Coinbase Global بنسبة 4.8%. وبحسب بيانات CoinGecko، فإن سوق العملات الرقمية فقد أكثر من تريليون دولار من قيمته منذ أن بلغ ذروته عند 4.3 تريليون دولار.
وفي ختام المشهد، يرى مارك تشاندلر؛ كبير إستراتيجيي الأسواق في شركة Bannockburn، أن ما يجري يتطلب متابعة دقيقة. وأشار إلى أن العديد من المحللين يحاولون ربط تراجع العملات المشفّرة بما يحدث في الأصول المالية الأخرى. إلا أن الصورة لا تزال ضبابية ولا يمكن الجزم باتجاه واضح للسوق.



