ربما بديهي إن لم يكن منطقيًا أن نسأل عن مصائرنا في عصر الذكاء الاصطناعي. وأن تطرح أسئلة من نوعية: هل سيأخذ الذكاء الاصطناعي وظائفنا؟ هل سيجذب انتباه أطفالنا؟ هل يمكنه حتى أن يجردنا من إنسانيتنا؟
فإن هذه هي الأسئلة الملحة في عصرنا، هي في قلب كتاب باسكال بورنيت الجديد “لا يمكن الاستغناء عنه: فن التميز في عصر الذكاء الاصطناعي”.
نهج الإنسان في عصر الذكاء الاصطناعي
كما قال لي “بورنيت”: “الذكاء الاصطناعي يدور حول البشر. دون البشر، أولًا وقبل كل شيء، لن يكون هناك ذكاء اصطناعي. كما أن أي ذكاء اصطناعي نبتكره يجب أن يخدمنا. وإلا فهو مجرد مضيعة”.
إن هذا النهج الذي يركز على الإنسان في الذكاء الاصطناعي هو الأساس لإطار “بورنيت”؛ لكي يصبح لا يمكن الاستغناء عنه. لقد حدد ثلاث كفاءات رئيسة نحتاج جميعًا إلى تطويرها: الاستعداد للذكاء الاصطناعي، والاستعداد للبشر، والاستعداد للتغيير.
تطوير معرفة الذكاء الاصطناعي
إن الاستعداد للذكاء الاصطناعي لا يتعلق فقط بفهم كيفية استخدام أحدث أدواته. إنه يتعلق بتطوير ما يسميه “بورنيت” معرفة الذكاء الاصطناعي. وهي قدرة البقاء على اطلاع دائم على تقدم الذكاء الاصطناعي. وفهم تأثيره في وظائفنا. وتقييم الفوائد والمخاطر على نحو نقدي.
كذلك يتعلق الأمر بتعلم كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي على نحو أخلاقي وفعّال. وتعزيز قدراتنا بدلًا من استبدالها.
كما أكد “بورنيت”: “نحن بحاجة إلى معرفة كيفية بناء هذا الارتباط بين الذكاء الاصطناعي والبشر. المستقبل لا يتعلق بالذكاء الاصطناعي والبشر الذين يعيشون حياة منفصلة تمامًا. الطريقة الوحيدة للمضي قدمًا هي تعزيز أنفسنا”.
احتضان إنسانيتنا
ربما يكون الاستعداد للبشر الجانب الأكثر أهمية وتناقضًا في الازدهار بعصر الذكاء الاصطناعي.
كذلك مع تولي الآلات المزيد من المهام التي كنا نعتقد ذات يوم أنها فريدة من نوعها بالنسبة للبشر، نحتاج إلى مضاعفة المهارات التي تميزنا حقًا. ويحدد ”بورنيت” هذه السمات كسمات أساسية: الإبداع الحقيقي، والتفكير النقدي، والأصالة الاجتماعية.
كما أوضح “بورنيت”: “كلما كانت قدراتنا مختلفة عن قدرات الذكاء الاصطناعي، تمكنا من بناء قيمة أكبر باستخدام الذكاء الاصطناعي. كذلك تمكنا من إتاحة تآزرات أكبر”.
ومن خلال تطوير هذه السمات البشرية الفريدة، فإننا نوفر تكاملًا مع الذكاء الاصطناعي يسمح لنا بتوليد قيمة أكبر مما يمكن للبشر أو الذكاء الاصطناعي وحدهما أن يفعلاه.
التكيف مع التغيير السريع
إن الاستعداد للتغيير يعني تطوير المرونة والقدرة على التكيف للازدهار في عصر الذكاء الاصطناعي وعالم يتطور بوتيرة سريعة.
وكما أشار “بورنيت”: “سنرى الكثير من الابتكارات في السنوات العشر القادمة كما رأينا في القرن الماضي”. إن هذا يتطلب مستوى جديدًا من المرونة العقلية والانفتاح على التعلم المستمر.
خطر السمنة في الذكاء الاصطناعي
إن أحد أكثر المفاهيم إثارة للاهتمام التي قدمها “بورنيت” هو فكرة السمنة في الذكاء الاصطناعي. فكما يمكن أن نصبح بدناء جسديًا بسبب الإفراط في تناول الوجبات السريعة. يمكن أن نصبح بدناء عقليًا بسبب الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
بينما الخطر ليس أن يحل الذكاء الاصطناعي محل قدراتنا البشرية الفريدة. بل قد نسمح لهذه القدرات بالذبول من خلال إرضاء أنفسنا بقدرات الذكاء الاصطناعي السطحية.
كذلك حذر “بورنيت”: “الخطر ليس أن يحل الذكاء الاصطناعي محلنا، بل إرضاء أنفسنا بقدرات الذكاء الاصطناعي السطحية. وإهمال أحماضنا الدبالية، والسماح لها بالضمور مثل العضلة التي لا نستخدمها. وبالتالي نفقد إنسانيتنا للذكاء الاصطناعي”.
تعزيز الذكاء البشري
إن مكافحة السمنة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. والتحول إلى شخص لا يمكن الاستغناء عنه حقًا. يوصي “بورنيت” بتخصيص وقت كل يوم لممارسة التمارين التي تعزز ذكائنا.
وقد يتضمن هذا ممارسة الأنشطة الإبداعية. أو الانخراط في تمارين التفكير النقدي، أو تنمية العلاقات الأصيلة. إن الهدف هو تطوير هذه المهارات البشرية الفريدة إلى مستوى لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يضاهيه.
الشركات في عصر الذكاء الاصطناعي
بالنسبة للشركات، فإن التحول إلى شخص لا يمكن الاستغناء عنه في عصر الذكاء الاصطناعي يتطلب نهجًا مماثلًا.
كما تحتاج الشركات إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لأقصى إمكانياته مع إعطاء الأولوية أيضًا للمسة البشرية. وكما أشار “بورنيت”: “في عالم حيث أصبح الذكاء الاصطناعي سلعة، تكتسب اللمسة البشرية قيمة. والشركات القادرة على الاستفادة منها ستكون الفائزة”.
كذلك لا يتضمن هذا تنفيذ أنظمة الذكاء الاصطناعي فحسب، بل إعادة تصميم الأدوار والعمليات لتعظيم التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي.
كما يتطلب بناء الثقة مع الموظفين والشركاء والعملاء من خلال الشفافية بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي ومعالجة المخاوف الأخلاقية مباشرة.
إعداد الجيل القادم
بالنسبة للآباء والمعلمين، فإن إعداد الجيل القادم ليكون لا يمكن الاستغناء عنه يعني إعادة تصور التعليم. فبدلًا من حظر الذكاء الاصطناعي في المدارس. يجب أن نعلم الأطفال كيفية العمل مع الذكاء الاصطناعي بفاعلية وأخلاقية.
وفي الوقت نفسه، نحتاج إلى مضاعفة الجهود لتطوير إبداعهم والتفكير النقدي والذكاء العاطفي، فهي مهارات ستميزهم في عالم مدفوع بالذكاء الاصطناعي.
رسم المسار المستقبلي
كذلك مع تنقلنا في عصر الذكاء الاصطناعي، فإن مفتاح النجاح لا يكمن في التنافس مع الآلات. بل في تعزيز ما يجعلنا بشرًا فريدين. من خلال تطوير معرفة الذكاء الاصطناعي لدينا، وزراعة قدرتنا على التكيف، يمكننا وضع أنفسنا في وضع يسمح لنا بالازدهار جنبًا إلى جنب مع الذكاء الاصطناعي بدلًا من استبداله بنا.
كما قال “بورنيت” ببراعة: “الذكاء الاصطناعي ليس الوجهة، إنه المركبة التي تأخذنا إلى مستقبل أكثر إنسانيةً”. من خلال تبني هذا المنظور واتخاذ خطوات استباقية لنصبح لا يمكن الاستغناء عنا في عصر الذكاء الاصطناعي، يمكننا ضمان أن ثورة الذكاء الاصطناعي تعزز إنسانيتنا بدلًا من تقليصها.
في نهاية المطاف، لا يتعلق التحول إلى شخص لا يمكن الاستغناء عنه في عصر الذكاء الاصطناعي بالتفوق على الآلات في لعبتها الخاصة. بل يتعلق الأمر بالتفوق في كونك إنسانًا بكل الإبداع والتفكير النقدي والاتصال الأصيل الذي يستلزمه ذلك. وبينما نستمر في دفع حدود ما هو ممكن مع الذكاء الاصطناعي، دعونا لا ننسى أيضًا دفع حدود إمكانياتنا البشرية.
بقلم/ Bernard Marr
المقال الأصلي (هنــــــــــــــا).