لعل ما يُميز كتاب “Your Next Five Moves” لمؤسس قناة Valuetainment، باتريك بيت-ديفيد، هو قدرته الفائقة على تحويل المفاهيم والإستراتيجيات المعقدة إلى منهجية سلسة وواضحة. ما يجعله مرجعًا قيّمًا لكل من يطمح إلى تبني عقلية ريادية في مسيرته المهنية. ويرتكز الكتاب بشكلٍ جوهري على مبدأ التفكير الاستباقي والتخطيط بعيد المدى. محفزًا القارئ على استيعاب أهمية التفكير “خمس خطوات للأمام” في أي منصب أو دور يتقلده حاليًا.
علاوة على ذلك يسلط كتاب “Your Next Five Moves” الضوء على الفارق الجوهري بين أولئك الذين يحققون النجاح المنشود وأولئك الذين لا يواكبون التطورات. مؤكدًا أن القدرة على التنبؤ بتطورات الصناعة المستقبلية ووضع الخطط الاستباقية الكفيلة بضمان امتلاك الإستراتيجية المثلى لتحقيق الأهداف المرسومة هي حجر الزاوية في التفوق والريادة. من ناحية أخرى يقدم أدوات عملية لبناء هذه القدرة التنبؤية وتعزيز التفكير الإستراتيجي لدى القارئ.
كتاب “Your Next Five Moves”
وفي حين يركز العديد من الكتب على الجوانب التقليدية للإدارة والأعمال يتميز كتاب “Your Next Five Moves” بتقديمه منظورًا فريدًا يدمج بين التفكير الإستراتيجي العميق والتطبيق العملي. وذلك يحوله إلى أداة فاعلة، سواء كان الهدف هو تحقيق النمو الشخصي أو الارتقاء بمستوى الأعمال إلى آفاق غير مسبوقة.
كذلك يؤكد الكتاب أهمية بناء أساس متين من التخطيط الإستراتيجي الذي يرافق الفرد أو المؤسسة في كل خطوة تخطوها نحو تحقيق النجاح المستقبلي المنشود.
وبينما قد يرى البعض أن التخطيط بعيد المدى أمر بالغ الصعوبة في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها عالمنا اليوم. يوضح كتاب “Your Next Five Moves” كيف يمكن تحويل هذه التحديات إلى فرص؛ من خلال تبني عقلية مرنة وقادرة على التكيف مع المستجدات. كما يقدم إرشادات واضحة لبناء هذه المرونة الإستراتيجية. ما يجعله إضافة قيّمة لأي مكتبة تسعى إلى التميز والريادة في عالم الأعمال.
حلول مبتكرة ومساءلة دقيقة وأنظمة مرنة
ينطوي الكتاب الجديد على رؤى عميقة ومفاهيم عملية تهدف إلى تمكين القارئ من تحقيق النجاح والنمو في مختلف جوانب حياته المهنية والشخصية.
وهو يركز بشكلٍ أساسي على ثلاثة محاور رئيسية تشكل في مجملها خارطة طريق واضحة نحو التطور والازدهار. مقدمًا أدوات وطرق قابلة للتطبيق لتعزيز القدرات وتحقيق الأهداف المنشودة.
1. تحليل المشكلات
يؤكد الكتاب أن القدرة على حل المشكلات بفاعلية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمهارة تحليل القضايا المعقدة وتفكيكها إلى خطوات واضحة ومنهجية. ويوضح أن تحديد جذور المشكلة بدقة هو الأساس لاتخاذ إجراءات أولية مؤثرة تقود في نهاية المطاف إلى إيجاد حلول مستدامة.
من ناحية أخرى يقدم الكتاب أدوات عملية لتنمية هذه المهارة التحليلية وتعزيز القدرة على التعامل مع التحديات المختلفة بذكاء وفاعلية.
2. المساءلة الدقيقة
وفي حين يشدد الكتاب على أهمية تحديد الأهداف بوضوح فإنه يركز كذلك على ضرورة تطبيق مبدأ المساءلة الدقيقة كأداة أساسية لتحقيق هذه الأهداف. ويشير إلى أن استخدام عبارات كمية ومحددة بدلًا من التعليقات العامة يسهم في توجيه الجهود وقياس التقدم بشكل فاعل.
وبينما قد يكتفي البعض بعبارات عامة، مثل: “العمل بجد” أو “التحسن”، يدعو الكتاب إلى منح الموظفين تحديات واضحة قابلة للقياس ولها مواعيد نهائية محددة. مؤكدًا أن هذا النهج يفجر الطاقات الكامنة ويحقق نتائج مذهلة.
3. الأنظمة والإجراءات
يبرز الكتاب أهمية بناء أنظمة وإجراءات قوية كركيزة أساسية للنمو المستدام والتوسع في أي مؤسسة أو مشروع. ويوضح أن الشركات التي تعتمد على أنظمة واضحة ومحددة قادرة على الاستمرار والنمو دون الاعتماد بشكلٍ كامل على شخص معين. ولتحقيق التوسع المنشود يمنحنا مجموعة من الإرشادات العملية التي تركز على إنشاء أنظمة عمل مستقلة وقابلة للتطوير.
ومن الضروري تأكيد أن الكتاب يولي اهتمامًا خاصًا بمبدأ قياس الأداء كأداة حيوية للتحسين والتوسع المستمر. ويثبت أن ما يتم قياسه يمكن تحسينه وتوسيعه بكفاءة أكبر. ما يستدعي وضع مؤشرات أداء واضحة ومتابعتها بشكل دوري لضمان تحقيق الأهداف المنشودة وتعزيز النمو المستدام.

المساءلة والروتين والتعلم المستمر
لعل العامل الأهم في تحقيق الأهداف وتنفيذ الأفكار بكفاءة هو “المساءلة”. وسواء كانت هذه المساءلة ذاتية نابعة من داخل الفرد، أو خارجية تجاه فريق العمل. فإن القدرة على اتخاذ الخطوات الصحيحة في التوقيت المناسب تمثل حجر الزاوية في طريق تحقيق الطموحات. وتجلى ذلك بوضوح خلال فترة العمل من المنزل التي فرضتها جائحة “كوفيد-19” على مدى عامين تقريبًا؛ حيث برزت صعوبة الحفاظ على الانضباط الذاتي في غياب المراقبة الخارجية.
إضافة إلى ذلك تبين أن الروتين اليومي المنتظم يمثل عنصرًا حاسمًا في الحفاظ على المساءلة الذاتية والانضباط في ظل الظروف المتغيرة. وسواء تعلق الأمر بالاستيقاظ في ساعة محددة، أو ممارسة التمارين الرياضية في الصباح الباكر، أو تخصيص أوقات للقراءة والتأمل. فإن هذه المهام اليومية الدقيقة ساهمت بشكل كبير في تعزيز الانضباط الذاتي وتجنب التراخي في إنجاز المهام والمشاريع المختلفة.
الاستثمار في التعلم والنمو
وفي حين شكل الحفاظ على الروتين اليومي أداة مهمة للانضباط أولى الكاتب كذلك اهتمامًا خاصًا بالاستثمار المستمر في التعلم والنمو خارج نطاق العمل الروتيني. وتجسد ذلك في إنهاء ندوتين افتراضيتين متتاليتين للكاتب الأمريكي توني روبنز خلال عام 2021. إلى جانب تبني ممارسات يومية للحفاظ على التطور المستمر، مثل: قراءة عشر صفحات يوميًا من كتب قيّمة. والمواظبة على التدوين وتدوين الملاحظات والأفكار؛ والشروع في تعلم اللغة الإسبانية عبر تطبيق متخصص.
كما برزت أهمية إنشاء عمليات قابلة للتكرار من قِبل الآخرين كأحد أبرز الدروس المستفادة. فإذا امتلك الفرد طريقة مثبتة تحقق نتائج إيجابية في أي جانب من جوانب حياته. يصبح من الضروري صياغة هذه الطريقة في نموذج واضح وقابل للتدريس والتكرار؛ لتمكين الآخرين من تطبيقها وتحقيق النجاح بدورهم. بهذه الطريقة يتسع نطاق التأثير الفردي، وفي حالة الشركات يمثل ذلك سبيلًا فاعلًا لتوسيع الأعمال ونموها.
وفي حين يركز الكثيرون على النمو الفردي يشير الكاتب إلى أهمية النمو المشترك؛ عبر تبادل الخبرات والمعارف. فكلما استمر الأفراد في التعلم من بعضهم البعض أتيحت الفرصة للجميع للنمو والتطور بشكلٍ جماعي. وهذا التعاون وتبادل الخبرات يمثلان قوة دافعة نحو تحقيق النجاح على نطاق أوسع.
إضافة نوعية للمكتبة الريادية
في نهاية المطاف يمثل كتاب “Your Next Five Moves” إضافة نوعية للمكتبة الريادية؛ إذ يتجاوز حدود التنظير ليقدم للقارئ خريطة طريق عملية نحو التفكير الإستراتيجي والتخطيط بعيد المدى. فهو بالفعل دعوة للانتقال من رد الفعل إلى الفعل الاستباقي، ومن مجرد مواكبة الأحداث إلى صياغتها وتوجيهها.
وبما يقدمه من أدوات ومفاهيم حول تحليل المشكلات، وتطبيق المساءلة الدقيقة، وبناء الأنظمة المرنة. فإنه يمكّن الأفراد والمؤسسات من تحقيق النمو المنشود في عالم يشهد تحولات متسارعة. وتذكر أن التركيز على التعلم المستمر وتبادل الخبرات يؤكد أن النجاح الحقيقي لا يكمن في النمو الفردي فحسب. بل في الازدهار المشترك الذي يتحقق بتضافر الجهود والرؤى المستنيرة.