في عام 2010، قرر توماس ثويتس أنه يريد بناء محمصة خبز من الصفر. فذهب إلى متجر، واشترى أرخص محمصة خبز يمكنه العثور عليها، ثم عاد إلى منزله على الفور وقام بتفكيكها قطعة قطعة.
تساءل توماس يومًا، ما الذي يجعل التوستر يعمل؟ هذا السؤال البسيط قاده إلى رحلة غير متوقعة بدأت منذ 14 عام. إذ اشترى أرخص توستر في المتجر. وعندما بدأ في تفكيكه، شعر وكأنه يفتح صندوقًا أسود. ولم يكن يتوقع أن أجد هذا الكم الهائل من الأجزاء والمواد المختلفة، حيث تجاوزت 400 قطعة!
كان الأمر أشبه بحل لغز ضخم. حيث كل قطعة صغيرة كانت تلعب دورًا حاسمًا في عمل التوستر ضمن عدد من أفكار إبداعية مهمة. وقرر أن يبدأ بصناعة الجزء الأكثر تحديًا “المكونات الفولاذية”. ولم يتردد في الاتصال بمنجم حديد قريب وطلب بعض الخامات. كان الأمر جنونيًا بعض الشيء، لكنه كان متحمسًا للغاية.
أدرك خلال هذه التجربة أن الأشياء التي نستخدمها يوميًا، مثل التوستر، هي نتاج عملية إنتاج معقدة للغاية. بدأ يفكر في كل المراحل التي يمر بها المنتج، من استخراج المواد الخام وحتى وصوله إلى متاجر التجزئة.
لم يكن أريد فقط إعادة بناء توستر، بل كان يريد فهم العمليات التي تقف وراء تصنيعه. كل خطوة كان يتخذها كانت تفتح أمامه آفاقًا جديدة، وكانت تدفعه إلى التفكير بشكل أكثر إبداعا.
وأعتقد أن هذه التجربة غيّرت نظرته إلى الأشياء من حوله. ولم يعد أرى المنتجات كأشياء جامدة، بل كنتائج لعملية إبداعية طويلة ومعقدة.
مشروع محمصة الخبز
عندما وصل إلى مرحلة تصنيع العلبة البلاستيكية، أدرك أنه بحاجة إلى المادة الخام الأساسية للبلاستيك، أي النفط الخام. وحينها اتصل بشركة النفط العملاقة “بي بي”.
وطلب منهم بكل تواضع أن يتيحوا له فرصة زيارة إحدى منصاتهم لاستخراج كمية صغيرة من النفط الخام لأجل تجربته. وللأسف، كان ردهم سلبيًا بشكل قاطع. إذ يبدو أن شركات النفط العملاقة أقل مرونة من مناجم الحديد الصغيرة.
ولم يتمكن من الحصول على النفط الخام، فقرر أن يستخدم ما هو متوفر لدي. جمع كل قصاصات البلاستيك التي وجدها، وحاول صهرها لتشكيل علبة المحمصة. كانت العملية شاقة للغاية، والنتيجة لم تكن كما توقع. في النهاية، بدت محمصة الخبز وكأنها قطعة من البلاستيك الذائب، وليس جهازًا منزليًا!
وكان الأمر أشبه ببناء منزل من الطوب اللبن. إذ أن كل خطوة تتطلب الخطوة التي قبلها. لإنشاء مكونات النيكل، واضطر إلى البحث عن عملات قديمة لإعادة صهرها. وكان الأمر مرهقًا ومحبطًا في بعض الأحيان. وشعر وكأنه أسعى طوال حياتي لإنهاء هذه المحمصة!
لا تبدأ من الصفر
نحن نعتقد أن تغيير العادات يتطلب بداية جديدة كليًا. لكنني أعتقد أن التغيير التدريجي هو أكثر استدامة في خلق أفكار إبداعية. وبدلاً من محاولة تغيير كل شيء دفعة واحدة، يمكننا البناء على عاداتنا الحالية وإضافة عادات جديدة إليها. إذ أن الإبداع لا يعني دائمًا التخلص من الماضي، بل تطويره.
أفكار إبداعية من الطبيعة
ومن المثير للاهتمام أن نرى كيف ترتبط الطيور بالزواحف من خلال أصل الريش. تلك القشور الصغيرة التي كانت تغطي أجسام الزواحف هي نفسها التي تطورت لتصبح ريش الطيور. هذا يظهر لنا مدى ارتباط الكائنات الحية ببعضها البعض، وكيف أن التطور هو عملية مستمرة ومتغيرة.
ولا أعتقد أن هناك عالم حيوان قال يومًا، ولنخلق طائرًا من الصفر. والتطور ليس حدثًا سريعًا، بل هو عملية تدريجية طويلة. تخيلوا أن كل جيل من الكائنات الحية يقوم بتعديلات صغيرة على ما ورثه عن أجداده. بهذه الطريقة البطيئة والثابتة، تحولت قشور الزواحف إلى ريش طيور.
لقد سارت عملية الطيران البشري على نفس المنوال. ونحن عادة ما ننسب الفضل إلى أورفيل وويلبر رايت باعتبارهما مخترعي الطيران الحديث. ولكننا نادراً ما نناقش رواد الطيران الذين سبقوهم مثل أوتو ليلينثال. وصامويل لانجلي، وأوكتاف تشانوت. لقد تعلم الأخوان من أعمال هؤلاء الأشخاص وبنوا عليها أثناء سعيهما إلى إنشاء أول آلة طيران في العالم.
وبدلاً من محاولة إعادة اختراع العجلة. وأعتقد أن الطريقة الأكثر فعالية للتقدم هي إجراء تحسينات تدريجية على ما لدينا بالفعل. بدلاً من تفكيك كل شيء وإعادة بنائه، ويمكننا إضافة لمسة جديدة أو تعديل بسيط ليصبح أفضل. هذه هي الطريقة التي تتطور بها الأشياء حقًا.
كرر ولا تبتكر
وحينما ننظر إلى محمصة الخبز. نراها كأداة بسيطة، لكن الحقيقة هي أنها نتاج لعملية معقدة للغاية. ومن استخراج المواد الخام من الطبيعة، إلى تصنيع الأجزاء، ثم تجميعها، وشحنها، وبيعها، هناك سلسلة طويلة من العمليات التي لا نراها ولا نفكر فيها.
ونحن غالبًا ما ننظر إلى الأشياء بمعزل عن بعضها البعض، دون أن ندرك الروابط العميقة التي تربطها. هذا الترابط هو الذي يشكل عالمنا المعقد.
فكل شيء متصل بشيء آخر، وأي تغيير في جزء واحد يؤثر على الأجزاء الأخرى. وحينما نشتري محمصة خبز مثلاً، فإننا لا نرى سوى المنتج النهائي، ولا ندرك كل التفاعلات المعقدة التي أدت إلى وجودها.
وعندما نواجه مشكلة معقدة، من الحكمة أن ننظر إلى ما سبقنا وأن نتعلم من نجاحاتهم. فكل فكرة نجحت حتى الآن قد أثبتت جدواها، وقد مرت بالكثير من الاختبارات. بدلاً من البدء من الصفر، يمكننا البناء على هذه الأفكار القوية وتطويرها.
بقلم/ جيمس كلير
المقال الأصلي (هنـــــــــــا).