لطالما كان التدريب أحد أول الأمور التي يفكر فيها رواد الأعمال عند اتخاذ قرار بإحداث تغيير في شركاتهم، فإذا كُنت تعتزم فعل ذلك فمن المنطقي أن تعد برنامجًا تدريبيًا جيدًا لإحداث هذا التغيير المنشود، والسعي نحو تعليم الموظفين كيفية ممارسة الأنشطة الجديدة.
على سبيل المثال: استخدام البرنامج التدريبي الجديد، وإجراء مكالمات المبيعات.. إلخ.
ومع ذلك فإن تدريب الموظفين ليس كافيًا لضمان التزامهم بالبرنامج الجديد والتأكد من أنه أصبح معيار داخل الشركة.
وعادةً ما يصاب القادة الذين يتوقعون أن تدريب الكوادر البشرية يحدث تغييرًا ملموسًا بخيبة أمل عندما يفشل هؤلاء في تحقيق النتائج المرجوة منه، وهو ما حدث بالفعل قبل نحو سنوات.
ففي عام 2015 أنفقت الشركات في الولايات المتحدة على التدريب ما يقرب من 356 مليار دولار على مستوى العالم ولم تجنِ أي عائد من هذا الاستثمار؛ ما جعلها تخلص إلى نتيجة واحدة مفادها أن أحد أسباب إخفاقات التدريب هو قلق الموظفين.
دور القلق في التعلم
هل سبق وشعرت بالقلق عندما يتعلق الأمر بتعلم شيء جديد؟ لا يخفى على أحد أن القلق سببه الخوف، والذي قد يكون نابعًا عن أسباب متعددة، على سبيل المثال: الخوف من التخلف عن الركب مع إدخال أشخاص وتقنيات جديدة إلى الشركة، أو الشعور بأننا أقل كفاءة أو إنتاجية عندما نتعلم أداء مهمة تقليدية بطريقة جديدة أو مختلفة.
وبالطبع يعد هذا القلق الذي نشعر به أمرًا طبيعيًا، وهو نتيجة لمحاولة تفكيرنا الحفاظ على الاتساق والقدرة على التنبؤ التي يحتاجها للحفاظ على سلامتنا.
وعن هذا حدد الدكتور “إدغار شين”؛ الأستاذ الفخري في كلية “سلون” للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، نوعين من القلق عندما يتعلق الأمر بالتعلم وعدم التعلم؛ الأول أسماه “قلق البقاء” وينشأ عندما ندرك أنه ما لم نتعلم كيفية استخدام التكنولوجيا، أو أداء المهمة، أو الدور الجديد، أو أي نشاط آخر، فإننا سنكون في وضع غير مؤاتٍ مقارنة بالآخرين.
أما النوع الثاني من القلق فهو “قلق التعلم”، وينشأ من إدراكنا لما يتطلبه التعلم منا، وقد ينشأ عندما يكون تعلم النشاط الجديد أكثر صعوبة مما كان متوقعًا، ويمكن أن ينشأ أيضًا عندما نشعر بعدم الكفاءة عند تعلم شيء جديد.
على سبيل المثال: تعد عبارات مثل “كنتَ منتجًا، والآن بالكاد تستطيع إنجاز أي شيء”، أو “كنتَ جيدًا في وظيفتك ولكنك الآن تبدو أنك لا تستطيع حتى الإجابة عن سؤال أساسي” هي علامات على قلق التعلم.
ويلعب كلا النوعين من القلق دورًا مثمرًا ومدمرًا في تعلمنا، ومع ذلك يمكن أن يوفر لنا “قلق البقاء” حافزًا أوليًا لتعلم شيء جديد، مثل: تعلم مهارات الإدارة للحصول على وظيفة جديدة، أو ترقية تريدها، وبدلًا من ذلك يمكن لكل نوع من أنواع القلق أيضًا أن يؤدي إلى استجابة العقل للتهديد، على سبيل المثال: يزداد “قلق التعلم” عندما لا يكون الموظفون مستعدين للتدريب.
وبغض النظر عن نوع القلق الذي يثير الاستجابة للتهديد فإن النتيجة مماثلة، وهي انخفاض التعلم؛ لذا حتى تتمكن برامجك التدريبية من إحداث تغيير حقيقي عليك أن تضع في الاعتبار ثلاثة نصائح للحد من قلق الموظفين لتمكين تعلمهم وهي:
١- توفير السياق والتأكد من فهم فائدة التدريب
أحد عوامل استمرار تدريب ما عن غيره هو مدى تهيئة واستعداد الموظفين الذين سيتلقون التدريب، وأظهرت الأبحاث أنه عندما لا يكون الموظفون مستعدين بشكل كافٍ لتقبل التغيير قبل التدريب فإن النتيجة هي الإنكار والمقاومة.
ومن ثم فإن تهيئة الموظفين للتدريب هي أكثر من مجرد إخطارهم بجدول الأيام المخصصة لهم ومكانه وطبيعته، ولكن عليهم معرفة السياق والتوقعات والوقت لاستيعاب ما ستعنيه الأنشطة الجديدة بالنسبة لهم قبل أن يتلقوا هذه المعلومات.
كما أن التأكد من فهم الموظفين للسياق والتوقعات يساعد في بناء الشعور بالأمان؛ لأنه يوفر القدرة على التنبؤ، وليس ضمان أشياء لا يمكن ضمانها كالتوظيف أو استقرار الدور، ومن ثم شعور بالقدرة على التنبؤ؛ بحيث يتناسب التدريب مع السياق الأوسع للشركة، ودورها، ومبادرة التغيير المحددة، والتوقعات قبل التدريب، وأثناءه، وبعده.
وهو ما أكده مؤخرًا علم الأعصاب أيضًا، وأشار إليه “أبراهام ماسلو” قبل نحو 50 عامًا تقريبًا عندما قال: “عندما يكون الاختيار بين الأمان والنمو فإننا نختار الأمان”.
٢- رفع القدرة المدركة
قد يحفزك “قلق البقاء” على البدء، ومع ذلك يضمن لك تقليل “قلق التعلم” أن يتعلم موظفوك الأنشطة والمهارات الجديدة من التدريب، وتعد إحدى الطرق لتقليل “قلق التعلم” هي رفع القدرة المدركة، أو بمعنى آخر: إدراكنا لقدرتنا على النجاح في أي نشاط.
كما تعد القدرة المدركة المؤشر المسبق لكل إجراء نفعله. إنها مثل فلتر للنجاح الشخصي، وكل نشاط أو مهارة جديدة تُطلب منا أو نريد أن نتعلمها يتم تمريرها من خلال هذا الفلتر؛ حيث يتولى الفلتر الخاص بك إجراء تقييم حول احتمالية نجاحك، فإذا كان ذلك يحدد قدرة عالية الإدراك فمن المرجح أن تتخذ الإجراءات اللازمة وتستمر حتى عندما تصبح الأمور صعبة.
وإذا حدد هذا الفلتر قدرة إدراكية منخفضة فمن المحتمل أنك لن تتخذ أي إجراء، على سبيل المثال: عندما دعاني أحد أصدقائي إلى الذهاب للقفز بالمظلات قبل بضع سنوات أبعدتني قدرتي المنخفضة عن هذا النشاط.
وقد يستغرق رفع القدرة المتصورة وقتًا لكي يحقق برنامجك التدريبي النتائج المستهدفة منه؛ لذا يجب أن يتم ذلك بعد حصول موظفيك على الفرصة والدعم لتجربة النشاط الجديد، وهذا يعني منحهم الفرصة لاستكشاف سياقه، وحل المشكلات، وبناء قدرتهم على المشاركة في النشاط.
٣- التدريب قد يكون إلزاميًا ولكن التعلم اختياري
ترعرت منذ صغري على ثقافة مفادها أن التعلم كله عبارة عن اختيار بمثابة لحظة مضيئة، وأكملت درجة الماجستير في كلية التربية وكان أحد مشروعات تخرجي هو تصميم برنامج يتضمن أهداف التعلم.
وكما هو معتاد بالنسبة لمعظم أهداف التعلم بدأت في أول فروضي الدراسية بكتابة “سوف تتعلم…”، وعندما استعدت كراسة الفروض المدرسية الخاصة بي وجدت أستاذي كتب بأحرف غامقة “لا يمكنك معرفة ما سيتعلمونه، يمكنك فقط معرفة ما سوف تدرسه لهم”.
وحتى يومنا هذا أحاول تجنب كتابة أهداف التعلم التي تحدد ما سيتعلمه شخص آخر، وبدلًا من ذلك أنشئ أهدافًا تعكس ما أريد مشاركته مع المشاركين وما سيفعلونه خلال الدورة.
إن الأبحاث الجديدة في علم الأعصاب والمرونة العصبية تعزز ما علمني إياه أستاذي قبل عقدين من الزمن؛ وهو أن كل التعلم موجه ذاتيًا، ولاحظ أيضًا الدكتور “ديفيد روك” في كتابه “دماغك في العمل” أنه عندما نشعر بأن شخصًا ما يحاول تغييرنا فإن ذلك غالبًا ما يؤدي إلى استجابة تلقائية للتغيير؛ لذلك عندما نتعلم ونحدث تغييرًا حقيقيًا فذلك لأننا اخترنا فعل ذلك بوعي، ولكن على الرغم من أن التدريب ضروري فإنه ليس كافيًا لتمكين التغيير.
من المؤكد أن التدريب عنصر مهم وضروري في أي مبادرة تغيير، لكن تخصيص الوقت لفهم القلق الذي نواجهه جميعًا عندما يتعلق الأمر بالتعلم يساعدك في إعداد وتصميم وتقديم التدريب الذي سيؤدي وبحق إلى تغيير حقيقي.
بقلم / د. داون ماري تيرنر
المقال الأصلي: هنا