لقد قطعت استدامة الأعمال شوطًا طويلًا، فمنذ بزوغ فجر الحركة البيئية الحديثة ووضع اللوائح البيئية في سبعينيات القرن العشرين أصبحت الاستدامة شاغلًا استراتيجيًا تحركه قوى السوق.
أما اليوم، يذكر أكثر من 90 في المائة من الرؤساء التنفيذيين، أن الاستدامة مهمة لنجاح شركاتهم. وتقوم الشركات بتطوير استراتيجيات الاستدامة وتسويق المنتجات والخدمات المستدامة.
فضلًا عن استحداث مناصب مثل كبير مسؤولي الاستدامة. ونشر تقارير الاستدامة للمستهلكين والمستثمرين والناشطين والجمهور عمومًا.
لن ينحسر هذا الاتجاه في أي وقت قريب. إذ تظهر الدراسات الاستقصائية أن 88 في المائة من طلاب كليات إدارة الأعمال يعتقدون أن تعلم القضايا الاجتماعية والبيئية في مجال الأعمال التجارية يمثل أولوية، في حين 67 في المائة منهم يرغبون في دمج الاستدامة البيئية في وظائفهم المستقبلية.
ولتلبية هذا الطلب، ارتفعت النسبة المئوية لكليات إدارة الأعمال التي تشترط على الطلاب دراسة مقرر دراسي مخصص للأعمال والمجتمع من 34 في المئة عام 2001 إلى 79 في المئة عام 2011.
كما يمكن الآن العثور على برامج أكاديمية محددة حول استدامة الأعمال في 46% من أفضل 100 برنامج ماجستير في إدارة الأعمال بالولايات المتحدة.
المسؤولية الاجتماعية واستدامة الأعمال
من المرجح أن يصبح العالم أكثر استدامة. لكن مشكلات مثل تغير المناخ، وندرة المياه، وانقراض الأنواع، والكثير غيرها تستمر في التفاقم.
كما تصل الأعمال المستدامة إلى حدود ما يمكن أن تحققه بشكلها الحالي. حيث تبطئ السرعة التي نقترب بها من الأزمة، لكننا لا نغير مسارها.
فبدلًا من ترقيع حواف السوق بمنتجات وخدمات جديدة. يجب على الأعمال التجارية الآن أن تحولها. وهذا هو محور المرحلة التالية من استدامة الأعمال، ويمكننا أن نرى علامات على أنها بدأت في الظهور.
إن التكامل المؤسسي موجه نحو مقاييس النجاح في الوقت الحاضر. أما التحول في السوق فسيساعد الشركات على خلق مقاييس الغد. كما يركز الأول على الحد من عدم الاستدامة ويهتم بالأعراض، أم الثاني فيركز على خلق الاستدامة والأسباب.
أما الأول يركز في المقام الأول على الداخل نحو صحة وحيوية المؤسسة. بينما يوسع الثاني هذا التركيز لينظر إلى الخارج نحو صحة وحيوية السوق والمجتمع الذي تعمل فيه المؤسسة.
في حين أن الأول سيساعد قادة المستقبل في الحصول على وظيفة في سوق اليوم. والثاني سيساعدهم على تطوير هدف لمهنة مدى الحياة. الأول تدريجي والثاني تحويلي. يأتي ذلك بالتزامن مع المسؤولية الاجتماعية للشركات كإحدى الاستجابات لهذه الضغوط.
وتسعى الشركات إلى تحسين موقعها التنافسي من خلال الربط بين الاستدامة واستراتيجية الشركة. وينطوي ذلك على ترجمة القضية إلى اللغة الأساسية لإدارة الأعمال: الكفاءة التشغيلية، واكتساب رأس المال، والتوجه الاستراتيجي، ونمو السوق.
وفي كل حالة، يكون لدى الشركة نموذجًا راسخًا يمكن استخدامه لوضع تصور للمشكلة وصياغة استجابة لها.
وبهذه الطريقة، تصبح الاستدامة مثلها كأي تهديد تجاري آخر، حين تتغير توقعات السوق وتتقدم التطورات التكنولوجية؛ ما يجعل بعض الصناعات تتكيف أو تواجه الزوال، وتنهض صناعات أخرى لتحل محلها.
المستثمرون واستدامة الأعمال
وتأتي إشارة أخرى من المستثمرين المؤثرين، الذين يأخذون في اعتبارهم العوامل البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) في معاييرهم الاستثمارية.
بلغ حجم هذا القطاع 8.72 تريليون دولار من الأصول المدارة احترافيًا في الولايات المتحدة عام 2016، أو خمس إجمالي الاستثمارات الخاضعة للإدارة الاحترافية.
ولكنه ليس مجرد قطاع متخصص؛ ففي شهر مايو الماضي، أدلت شركات الاستشارات المالية BlackRock وVanguard وState Street بأصوات معارضة لإدارة شركة ExxonMobil ودعت الشركة إلى الإفصاح عن آثارها على تغير المناخ.
هذه كلها علامات تدل على أن السوق قد تغيرت وما تزال تتغير. واليوم، يمكن للمستهلكين شراء منتجات مستدامة. فضلًا عن الإقامة في فنادق مستدامة. وتناول الأطعمة المستدامة. واستخدام منتجات التنظيف المستدامة.
ورغم أن تخضير السوق هذا أمر جيد، إلا أنه لا يحل في الواقع المشكلات الجذرية التي كان يفترض أن يعالجها. فما زال عالمنا أقل استدامة وليس أكثر استدامة.
معايير استدامة الأعمال
في الوقت الذي أصبحت استدامة الأعمال التجارية سائدة، شهد العالم تأثيرات بشرية غير مسبوقة على البيئة الطبيعية تهدد استمرارية الحياة على الأرض.
لذلك اقترح العلماء أننا غادرنا عصر “الهولوسين” ودخلنا الآن عصر “الأنثروبوسين”، وهو عصر جيولوجي جديد يعترف بالتأثير الهائل لسكان العالم البالغ عددهم 7.5 مليار نسمة (سيبلغ عددهم نحو 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050) على كوكب الأرض.
ولقياس هذا التأثير، حددوا تسعة ”حدود كوكبية“ تمثل ”العتبات التي يمكن للبشرية أن تعمل دونها بأمان والتي لا يمكن الاعتماد على استقرار الأنظمة في نطاق الكوكب بعدها“.
هذا ما أطلق عليه غيل وايتمان؛ أستاذ الإدارة في جامعة لانكستر ، ”مؤشرات الأداء الرئيسة“ (KPIs) للكوكب، والتي لا يعمل الكثير منها جيدًا.
أحد هذه المؤشرات (استنفاد الأوزون)، إذ يعتقد العلماء أننا تجاوزنا حدود ثلاثة منها: تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والتدفقات الكيميائية الحيوية (دورات النيتروجين والفوسفور).
كما تومض مؤشرات أخرى باللون الأحمر، مثل تحمض المحيطات واستخدام المياه العذبة وإزالة الغابات. أما الحدان المتبقيان – التلوث الكيميائي وتلوث الجسيمات في الغلاف الجوي – فيتطلبان المزيد من البيانات لتقييمهما.
لذلك كل هذه الاضطرابات نتيجة إخفاقات النظام التي أوجدتها إلى حد كبير مؤسسات السوق لدينا. ويجب أن تعالجها تلك المؤسسات.
رأي الجمهور في استدامة الأعمال
يتجه الجمهور أيضًا إلى تأييد الاستدامة. وبالفعل، تظهر استطلاعات الرأي العام أن عددًا متزايدًا من الأمريكيين يعتقدون أن تغير المناخ أمر حقيقي.
حتى إن بعضها يظهر غالبية الجمهوريين – بما في ذلك 54% من الجمهوريين المحافظين – يعتقدون الآن أن مناخ العالم يتغير وأن البشر يلعبون دورًا ما في هذا التغير.
وهذا تحول ملحوظ عن عام 2009، عندما كان 35 في المئة فقط من الجمهوريين يعتقدون أن تغير المناخ حقيقي.
والحقيقة هي أن العديد من السياسيين الجمهوريين ومساعديهم في الكونجرس وجماعات الضغط والموظفين يؤمنون بعلم تغير المناخ أيضًا، لكنهم ينتظرون الغطاء السياسي المناسب للتعبير عن آرائهم.
المقال الأصلي: من هنـا