يمثل خبراء الأمن الرقمي نخبة من المتخصصين الذين يشكلون 5% فقط من إجمالي العاملين في هذا المجال، إلا أنهم يتحكمون بزمام القيادة في وضع المعايير والاستراتيجيات التي تحكم صناعة التحول الرقمي على مستوى العالم. وفقًا لاستطلاع أجرته شركة بي دبليو سي في عام 2024، فإن هؤلاء الخبراء يتمتعون بقدرات استثنائية تمكنهم من معالجة التهديدات الرقمية بكفاءة عالية. ما يجعل المؤسسات التي يعملون بها أكثر قوة وأمانًا.
وأكد الاستطلاع أن 95% من خبراء الأمن الرقمي قادرون على التعامل مع الهجمات الإلكترونية بسرعة فائقة. ما يقلل من تأثيرها على سير العمل ويحمي المؤسسات من الخسائر المادية والسمعة. كما أظهر الاستطلاع أن 94% من هؤلاء الخبراء نجحوا في دمج أمن البيانات مع ميزات الخصوصية في جميع جوانب أعمالهم. ما يضمن حماية البيانات الحساسة للمؤسسات وعملائها في عملية التحول الرقمي.
وتظهر هذه النتائج أن الخبراء المتخصصون في الأمن الرقمي يحققون أداءً متفوقًا مقارنة بأقرانهم؛ حيث تمكنوا من تحقيق نتائج إيجابية تفوق بنسبة كبيرة على نتائج باقي العاملين في القطاع. هذا الأداء المتميز دفع الحكومات والشركات إلى الاستثمار بشكل كبير في الأمن السيبراني. وذلك خوفًا من التبعات الوخيمة للهجمات الإلكترونية التي تؤدي إلى شلل الأعمال وتعطيل الخدمات.
مؤتمر أمن المعلومات
في سياق متصل، يستعد مؤتمر أمن المعلومات لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 2024 (MENA ISC) الذي يعقد تحت شعار “أمن بيانات مرن – التصدي للتحديات المتغيرة”، في سبتمبر القادم بالعاصمة السعودية “الرياض”، لاستضافة نخبة من الخبراء والمتخصصين لمناقشة أحدث التطورات في مجال الأمن السيبراني وتبادل الخبرات والمعرفة. يأتي هذا المؤتمر في وقت تشهد فيه المنطقة نموًا متسارعًا في مجال التحول الرقمي، ما يزيد من أهمية حماية البنية التحتية الرقمية من الهجمات الإلكترونية.
وتولي المملكة العربية السعودية اهتمامًا كبيرًا بقطاع الأمن السيبراني؛ حيث تسعى إلى بناء بنية تحتية رقمية آمنة ومرنة قادرة على مواجهة التحديات المتزايدة في هذا المجال. وهو ما يعزز من مسيرة التحول الرقمي. وقد تبنت المملكة مفهوم “الأمن الرقمي الفائق المرونة” الذي يعتمد على استخدام أحدث التقنيات. مثل: الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة لتوفير حماية شاملة للبيانات والبنية التحتية الرقمية.
وفي هذا الجانب، أكد كلينتون فيرث؛ شريك في “بي دبليو سي” الشرق الأوسط، أن “المرونة الإلكترونية لم تعد مجرد آلية دفاعية. بل أصبحت ضرورة استراتيجية”. كما أشار إلى أن رؤية السعودية 2030 تهدف إلى وضع المملكة كقائد عالمي في التحول الرقمي. ما يتطلب بناء بنية تحتية رقمية فائقة المرونة. موضحًا أن التعاون بين القطاعين العام والخاص واعتماد التقنيات المتقدمة مثل: الذكاء الاصطناعي، يعزز من موقف المملكة في مجال الأمن السيبراني.
الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة
أحدثت تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة تحولًا جذريًا في مشهد التحول الرقمي؛ حيث باتت تلعب دورًا محوريًا في اكتشاف التهديدات الإلكترونية لحظة بلحظة والتصدي لها بفاعلية. ورغم الإيجابيات التي حققتها هذه التقنيات في تعزيز أمن الأنظمة الرقمية، إلا أنها كشفت عن تحديات جديدة. فمن المتوقع أن تسهم هذه التقنيات في خفض نسبة الإنذارات الكاذبة بنسبة تصل إلى 30% بحلول عام 2027. ما يقلل من العبء على فرق الأمن السيبراني. كما نجحت في تسريع الاستجابة لحوادث الاختراق بنسبة 12%. ما يحد من الأضرار الناجمة عن هذه الهجمات.
ومن أبرز التطبيقات الناجحة للذكاء الاصطناعي في مجال الأمن السيبراني، نجد ما يعرف بـ”إدارة رصد المخاطر المستمرة”. تعتمد هذه التقنية على تقييم نقاط الضعف في الأنظمة الرقمية وتصنيفها حسب مستوى خطورتها. ثم مراقبتها بشكل مستمر للكشف عن أي محاولات للاستغلال. وبذلك، يمكن للفرق الأمنية اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الأنظمة قبل وقوع أي اختراق.
مفهوم بنية الثقة صفر
تعد تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعليم الآلة سلاحًا ذا حدين في عالم اليوم. فهي قادرة على تحليل كميات هائلة من البيانات للتنبؤ بالمخاطر المحتملة واتخاذ إجراءات وقائية. وقد أثبتت هذه التقنيات كفاءة كبيرة في مجال الأمن السيبراني؛ حيث ساهمت في الحد من الهجمات الإلكترونية بنسبة كبيرة. واستنادًا للاستطلاع سالف الذكر.
وأشار 70% من المشاركين إلى أن شركاتهم تعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي لحماية أنظمتها من التهديدات المتزايدة. وذلك لقدرتها على تسهيل عمل خبراء الأمن وتقليل الضغط عليهم.
وفي ظل التطور المتسارع للتكنولوجيا وتزايد الاعتماد على الحوسبة السحابية، ظهر مفهوم “بنية الثقة صفر” كحل فعال لتعزيز الأمن السيبراني. يعتمد هذا المفهوم على مبدأ “لا تثق أبدًا، بل تحقق دائمًا”؛ حيث يتم التحقق من هوية المستخدمين وحقوق الوصول بشكل مستمر. وتعد هذه البنية حلًا مثاليًا للحد من مخاطر الاختراق. خاصة في البيئات التي تستخدم تقنيات الحوسبة المهجنة التي تتطلب إجراءات أمان صارمة لحماية البيانات والمعلومات الحساسة.
إنترنت الأشياء والتحديات الأمنية
من ناحية أخرى، ساهم انتشار إنترنت الأشياء في زيادة المخاطر الأمنية؛ حيث أصبحت الأجهزة المتصلة بالإنترنت هدفًا سهلًا للمهاجمين. وقد أدى ذلك إلى زيادة الطلب على الحلول الأمنية المتخصصة في هذا المجال. وتعتمد هذه الحلول على مجموعة من التقنيات المتقدمة. مثل: إدارة الدخول وتقنيات رصد التهديدات، لضمان حماية الأجهزة والشبكات من الاختراق غير المصرح به.
وبفضل التطور التكنولوجي المتسارع، أصبح من الضروري بناء إطار شامل للأمن السيبراني قادر على مواجهة التهديدات المتزايدة التي قد تعترض عملية التحول الرقمي. ويتطلب هذا الإطار تعاونًا وثيقًا بين القطاعين العام والخاص. بالإضافة إلى تبني أحدث التقنيات والحلول الأمنية. وقد أظهر الاستطلاع ذاته أن 85% من خبراء الأمن يؤكدون على أهمية بناء علاقات قوية مع الجهات الحكومية لتعزيز الأمن السيبراني. وذلك لتبادل المعلومات والخبرات وتنسيق الجهود.
مشاركة واسعة في مؤتمر أمن المعلومات
يشهد مؤتمر أمن المعلومات لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 2024 (MENA ISC). مشاركة واسعة من نخبة الشركات العالمية والمحلية العاملة في مجال الأمن السيبراني. كما المتوقع أن يجتمع تحت سقف واحد كبار الخبراء والمختصين لتبادل أحدث الخبرات والحلول في مجال حماية الأنظمة الرقمية من التهديدات المتزايدة.
كذلك تضم قائمة المشاركين في المؤتمر أسماء لامعة في هذا المجال. من بينها شركة سايبرنايت الرائدة في مجال حلول أمن المعلومات، بينما تضم شركة سايبر بوليجون المتخصصة في تدريب خبراء الأمن. وشركة الاتصالات السعودية الرائدة “سلام”، بالإضافة إلى عمالقة عالمية. مثل: كاسبيرسكي وجوجل كلاود سوليوشنز وكراودسترايك. كما ستشارك العديد من الشركات السعودية الناشئة مثل: نورنيت، والتي ستعرض حلولها المبتكرة في مجال الأمن السيبراني والتحول الرقمي.
ويهدف المؤتمر إلى تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص لتأسيس إطار شامل لأمن المعلومات في المنطقة وتعزيز مفهوم التحول الرقمي. يهدف ليس فقط إلى التصدي للمخاطر الرقمية الحالية. بل إلى بناء قدرة على التعافي السريع منها والاستفادة من الدروس المستفادة لتطوير أنظمة دفاعية أكثر قوة ومرونة.