استكشاف الأفكار

استكشاف الأفكار

بفكرة بسيطة للغاية، ظهرت للوجود شركات عالمية عملاقة؛ مثل جوجل، فيسبوك، تويتر، واتس آب، سناب شات، وغيرها من الشركات الناجحة. ورغم بساطة تلك الفكرة، والبدايات المتواضعة لتلك الشركات، لكنها وصلت إلى ما هي عليه اليوم؛ لأن الفكرة تحوّلت إلى واقع (منتج أو خدمة) يحل مشكلة أساسية، أو يلبي حاجة ملحة لدى العملاء؛ لذا استطاعت أن تقّدم قيمة حقيقية للعملاء وتكسب رضاهم، بل وفي كثير من الأحيان، تكسبهم أيضًا كمسوقين، ومجانًا.

إنَّ تقديم قيمة حقيقية للعميل،أحد أسس النجاح في ريادة الأعمال. ورغم أن ذلك قد يبدو بديهيًا للبعض- لأنك ببساطة لن تحصل على المال من العميل إلا إذا قدمت له خدمة أو منتجًا يرضيه– إلا أن الكثير من الشركات الناشئة فشلت (وتفشل)؛ لجريها وراء أفكار آمنت بأهميتها، ولكنها لم تقدم أي قيمة تذكر للعميل.

بمعنى؛ أن الفكرة ربما تكون قد راقت لرائد الأعمال وفريق عمله، فسعوا إلى تحويلها إلى واقع، صارفين عليها من وقتهم، وجهدهم، ومالهم، دون أن يكون لها قيمة حقيقية أو طلب لدى العميل.

ومع الأساليب والمنهجيات الحديثة الخاصة، أو التي تخدم الشركات الناشئة والتخطيط لها، أصبح بالإمكان الاستفادة من بعض هذه الطرق لاختبار الأفكار، والتحقق من وجود طلب قبل البدء فعليًا في بناء المنتج أو الخدمة. أقرب مثال على ذلك، شركة دروب بوكس، والتي تمكنت من اختبار مدى وجود الطلب بإنتاج فيديو يوضح آلية عمل الخدمة وكأنها جاهزة، فيما لم يكن مؤسس دروب بوكس وقتها قد بدأ حتى بكتابة سطر برمجي واحد! فكيف إذًا تمكنت دروب بوكس من اختبار الطلب؟.

بكل بساطة، ساهم الفيديو في توضيح آلية عمل الخدمة، والتي لم تكن جاهزة وقتها، فاعتقد من شاهد الفيديو أن الخدمة جاهزة؛ لمساهمتها في حل مشكلة كبيرة لديهم؛ وهي نقل الملفات وتخزينها؛ إذ سجل أكثر من ٧٠ ألف مهتم بياناتهم عبر نموذج بسيط وُضِع بجانب الفيديو؛ فكانت النتيجة حصول “دروب بوكس” على التمويل اللازم للبدء قبل كتابة سطر برمجي واحد. والأهم من ذلك، أن الفريق بدأ في العمل على الفكرة، بعد ملاحظة وجود طلب هائل على الحل الذي اقترحوه.

إذا مااتفقنا على إمكانية اختبار الكثير من الأفكار، باستخدام أساليب ذكية تقنية أو غير تقنية، فيجدر بنا طرح سؤال هام: كيف أصل لفكرة مميزة (قد) تقدّم قيمة حقيقية للعميل لأقوم باختبارها؟.

اقتناص الأفكار

أثناء نقاشي مع الشباب الراغبين في خوض رحلة ريادة الأعمال، لاحظت أن كثيرًا منهم يواجهون صعوبات في الوصول لأفكار مميزة، قد تكون نواة لشركات ناشئة ناجحة مستقبلًا بإذن الله؛ فبعضهم ليس لديهم المقدرة على توليد الأفكار واقتناص الفرص وربما أحد الأسباب وراء ذلك النظرة غير المتعمقة/الناقدة للمشاكل من حولهم حيث ينظروا إليها في الغالب كمشاكل روتينية لا فرص تنتظر اقتناصها وتحويلها لخدمات أو منتجات مفيدة. والبعض الآخر أجدهم يعانون في توليد الكثير من الأفكار فهم ربما وصلوا لفكرة أو فكرتين وتمسكوا بها وأصبحوا في دوران مستمر حولها وكأنهم أُغلق عليهم داخل الصندوق (Inside the Box)!

العديد من التجارب للوصول للنجاح كرائد أعمال

من قراءاتي العديدة في موضوع الابتكار والأفكار ومتابعتي لقصص النجاح للعديد من الشركات الناشئة، وجدت أن هنالك شبه اتفاق على أهمية توليد الكثير من الأفكار. لماذا؟

للنجاح في ريادة الأعمال، تحتاج لإجراء العديد من التجارب. في الغالب، ستكون نسبة كبيرة من هذه التجارب تجارب فاشلة (الحل لايريده العميل مثلاً) ومع استمرار إجراء هذه التجارب، سيزداد رصيد الفرد من الخبرات والمهارات والمعرفة والتي تساعده في الوصول للنجاح بإذن الله.

هذه التجارب في الغالب ستكون على أفكار عديدة متتالية بحيث يختبر رائد الأعمال فكرة ما ويتركها لفكرة أخرى إذا انعدم الطلب عليها (أو لأسباب أخرى) وهكذا…

بالإضافة لماسبق، وجود عدة أفكار لدى رائد الأعمال قبل البدء يساعده في إجراء بعض البحث والتحري حول كل فكرة ومن ثم اختيار الفكرة التي نسبة نجاحها أعلى (في نظره)، بينما، لو كان لدى رائد الأعمال فكرة واحدة، على الأغلب أنه سيجري خلفها وقد يقع في غرامها ولو كانت – في الأحيان – أغبى فكرة قد تسمع عنها! التفكير في الأفكار يبعث النشاط والحماسة في الانسان خصوصًا إذا ماتخيل نجاحه الكبير وبدأ أيضًا في طرح الفكرة ومناقشة مميزاتها المذهلة مع بعض المقربين. ولذلك، لا تستبعد بأن يقع رائد الأعمال ضحية هذا الاحساس الزائف وغير المستمر، والذي لا يمكن أن يستمر إلا إذا اتخذ رائد الأعمال الخطوة التالية في تحويل الفكرة لواقع!

مصادر الأفكار

بمتابعة قصص رواد الأعمال والعديد من الشركات الناجحة حول العالم، يمكن لرائد الأعمال أن يتعرّف أكثر على الطرق التي اتبعها هؤلاء للوصول لأفكارهم الإبداعية المميزة والتي ساهمت في تحقيقهم لنجاحات مبهرة. في كثير من الأحيان، هنالك تشابه في هذه الطرق، ولذلك، رأيت أن أجمعها وأتحدث عنها بشكل مختصر وبسيط في كتيب استكشاف الأفكار وهو كتيب الكتروني مجاني ويمكن لمن يشاء تحميله مباشرة من الموقع الخاص بالكتيب. تم تحميل الكتيب أكثر من ٢٠ ألف مرة في عضون أقل من ٦ أشهر على إطلاقه.

على سبيل المثال، أحد أهم مصادر الأفكار هي المشاكل التي يواجهها الشخص نفسه. شركة BaseCamp الشهيرة تمكنت من الوصول لما هي عليه اليوم لأنها قامت ببناء منتج يحل مشكلة واجهها فريق العمل نفسه قبل أن يواجهها عملاؤهم. وفي الغالب، العديد من المشاكل الحقيقية التي نواجهها نحن يواجهها آخرون أيضًا. في نفس السياق، شركة Slack التي وصلت قيمتها السوقية لمايزيد عن ٤ بليون دولار بدأت هي الأخرى من مشكلة حقيقية كانت تؤثر على أداء فريق العمل أثناء عمله على تطوير لعبة (فكرة أخرى). فانتهى بهم الحال لترك مشروعهم أو فكرتهم الأساسية وهي تطوير اللعبة والتركيز على الأداة التي قاموا ببنائها لحل مشكلة التواصل فيما بينهم لأنها  قامت بحل مشكلة حقيقية.

أيضًآ، أُشير من خلال مصادر الأفكار للدور الذي يمكن للمقابلات الشخصية أن تلعبه في التعرّف على العملاء المحتملين ومشاكلهم قبل البدء في الشركة الناشئة.

بالإضافة لمناقشة بعض المصادر التي يمكن من خلالها الوصول لأفكار مميزة، أقوم كذلك بالتطرق للمشاكل التي تواجه العملاء وكيف أنها في كثير من الأحيان فرص تنتظر من يقتنصها. أيضًا، أناقش وأشارك عدة نصائح أساسية مهمة للبدء في ريادة الأعمال، بالإضافة إلى وجود بعض الهدايا الإضافية المفيدة، والتي يمكن طباعتها وتعليقها على الحائط لتساعد رائد الأعمال بشكل مستمر في التفكير في المشاكل وفهمها بشكل أكبر وتقييم الأفكار التي قد تكون نواة لشركة ناشئة ناجحة مستقبلاً بإذن الله. هذا ويسعدني الحوار والنقاش معكم على هاشتاق الكتيب على تويتر: #استكشاف_الأفكار.

خاتمة: لا تفكِّر كثيرًا…إبدأ بالمحاولة بخطوات صغيرة ثابتة

الأفكار بحد ذاتها لا تساوي شيئًا…وكذلك…السعي وراء الفكرة دون اختبارها فيه من الحماقة الشئ الكثير…ومع ذلك، تظل جميع المحاولات لتحويل فكرة ما لواقع تجارب ثرية، وهي أفضل بكل تأكيد من البقاء في دوامة التفكير المستمر والتخيّل وتوليد الأفكار والتلذذ بنشوة النجاح الزائف دون العمل لتحويلها إلى واقع…

الرابط المختصر :

عن د.عبدالرحمن بن أحمد حريري

شاهد أيضاً

الذكاء الاصطناعي

كيف أثر الذكاء الاصطناعي على التسويق والبيزنس؟

هل سبق أن زرت أحد تطبيقات الشراء، وبحثت عن مكتب لشرائه، فوجدت التطبيق يعرض لك …