يشهد قطاع الذكاء الاصطناعي العالمي مرحلة غير مسبوقة من التسارع والمنافسة، وهو ما تجلّى بوضوح في مذكّرة داخلية حديثة بعث بها سام ألتمان؛ الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI المطوِّرة لـ ChatGPT، إلى موظفيه.
وعلى الرغم من تأكيده أن النجاحات الأخيرة لـ «جوجل» قد تُحدث «رياحًا اقتصادية معاكسة مؤقتة»، إلا أنه أبدى ثقته الكبيرة في قدرة OpenAI على اللحاق سريعًا بالصدارة. ويأتي هذا في وقت تتسارع فيه شركات التكنولوجيا العملاقة نحو ترسيخ مكانتها في سباق الذكاء الاصطناعي، لا سيما بعد إطلاق جوجل نموذجها الجديد «Gemini 3».
وبينما تتصاعد حدة المنافسة، تبرز تساؤلات حول مستقبل الذكاء الاصطناعي التجاري، لاسيما بعد الإشارات الأخيرة إلى تباطؤ نمو OpenAI. ومع ذلك، يرى سام ألتمان أن الشركة قادرة -بل ومؤهلة- لتحقيق التحول القادم نحو «الذكاء الفائق»، رغم التحديات التقنية والاقتصادية المحيطة.
اعتراف بالمنافسة وتصاعد الضغوط
تكشف مذكرة سام ألتمان الداخلية -وفقًا لما نقلته وكالة رويترز- عن نبرة غير معهودة في تصريحات قيادات OpenAI. إذ أقرّ لأول مرة بأن المنافسة باتت «أقرب مما يبدو». وأوضح أن دخول جوجل بقوة إلى مضمار الذكاء الاصطناعي، لا سيما بعد تطوير نموذج «Gemini 3»، قد يمثل تحديًا كبيرًا. خصوصًا أنه -بحسب مطوّري البرمجيات- قدم أداءً مميزًا في مهام كتابة الأكواد وتصميم المواقع والمنتجات. وهي مجالات تعتمد عليها OpenAI بشكلٍ رئيسي في عوائدها.
ومن ناحية أخرى، تعكس تقارير السوق خلال الأشهر الأخيرة مخاوف من تباطؤ نمو OpenAI؛ حيث أكدت سارة فراير؛ المديرة المالية للشركة، خلال مكالمة أرباح ربع سنوية، تراجع معدل تفاعل المستخدمين مع ChatGPT. ورغم أن النتائج المالية العامة جاءت إيجابية. إلا أن الانخفاض الملحوظ في الاستخدام أثار تساؤلات حول استدامة النمو.
وبالإضافة إلى ذلك، أشارت مذكرة ألتمان إلى أن شركات منافسة مثل Anthropic -التي تطوّر نموذج Claude- أصبحت تضغط بقوة على OpenAI. فهذه الشركة تستخدم تقنيات متقدمة في توليد الأكواد عبر محادثات بسيطة. وهو ما يزيد من صعوبة المنافسة المحتدمة.
جوجل تتقدم بخطوات ثابتة
وبالنظر إلى خريطة المنافسة، يتضح أن جوجل تمتلك عددًا من المزايا الإستراتيجية والاقتصادية التي تعزز من قدرتها على التقدم. فبالإضافة إلى خبرتها الواسعة في بناء البنية السحابية، تكشف الأرقام أن الشركة حققت تدفقات نقدية حرة تجاوزت 70 مليار دولار خلال الأرباع الأربعة الماضية. وهو ما منحها قدرة قوية على الاستثمار المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وعلاوة على ذلك، تستفيد جوجل من قدرتها على دمج نموذج Gemini في خدماتها الأكثر استخدامًا، مثل البحث وأدوات الإنتاجية والبريد الإلكتروني. الأمر الذي يمنحها قاعدة جماهيرية ضخمة يمكن تحويلها بسرعة إلى مستخدمين دائمين للتقنية الجديدة.
وفي مقابل هذه القوة، تبدو OpenAI -رغم تقييمها الضخم الذي يناهز 500 مليار دولار- مثقلة بتكاليف التطوير والبحث. فوفق تقديرات الخبراء، قد يصل إنفاق الشركة إلى نحو 100 مليار دولار في جهودها للوصول إلى «الذكاء الاصطناعي الفائق». وهو ما يشكّل عبئًا ماليًا ضخمًا مقارنة بمنافسيها.
ثقة عالية رغم الضغوط
وعلى الرغم من هذه الظروف، حرص ألتمان على بث رسائل إيجابية داخل الشركة. مؤكدًا أن OpenAI أصبحت تمتلك من القوة ما يكفي لمواجهة ما وصفه بـ «تسارع شحن النماذج المنافسة». وشدد في مذكرته على أهمية تركيز الفريق البحثي على تحقيق الهدف الأكبر: الوصول إلى الذكاء الفائق قبل أي شركة أخرى.
كما عبّر بأسلوب مباشر عن حجم التحديات التي تواجه الشركة، قائلًا إنه «من المؤسف الاضطرار إلى القيام بعدد كبير من المهام المعقدة في الوقت ذاته». إذ يتعين على OpenAI أن تكون أفضل مختبر بحثي، وأفضل شركة بنية تحتية، وأفضل منصة للذكاء الاصطناعي في الوقت نفسه. إلا أنه ختم بقوله: «إنه لا يفضّل تبادل المواقع مع أي شركة منافسة مهما كانت إمكاناتها».
وتعكس هذه الكلمات إصرارًا واضحًا من قيادة OpenAI على الاستمرار في المنافسة وعدم التخلي عن طموحها في أن تتصدر مرحلة التحول الأكبر في الذكاء الاصطناعي خلال السنوات المقبلة.
شراكة مهمة مع Foxconn
وفي سياق سعي OpenAI لتقوية موقعها عالميًا، أعلنت الشركة مؤخرًا عن شراكة إستراتيجية جديدة مع Foxconn، أكبر مورّد لشركة Apple، لتصميم وبناء مكونات مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي داخل الولايات المتحدة. وتمثل هذه الخطوة تحولًا مهمًا في توجه الشركة. إذ تهدف إلى تعزيز القدرة التصنيعية الأمريكية في هذا المجال الحيوي.
ووفقًا للاتفاقية، ستشارك OpenAI في تطوير أنظمة خوادم الجيل القادم، وقد تقوم بشراء معدات من إنتاج Foxconn مستقبلًا. وأشار ألتمان إلى أن هذه الشراكة تمثل «خطوة محورية لضمان تصنيع التقنيات الأساسية لعصر الذكاء الاصطناعي داخل الولايات المتحدة». مؤكدًا أنها فرصة كبيرة لإعادة إحياء الصناعة الأمريكية.
وتجدر الإشارة إلى أن Foxconn -المعروفة بإنتاج هواتف iPhone- أصبحت أيضًا لاعبًا بارزًا في تصنيع خوادم الذكاء الاصطناعي. وفي هذا الصدد، رحّب رئيس الشركة، يونغ ليو، بالشراكة مؤكدًا أن Foxconn «في موقع فريد» يتيح لها دعم مهمة OpenAI عبر تقديم بنية تحتية موثوقة وقابلة للتوسع.
مستقبل الذكاء الاصطناعي
في المحصلة، يعكس هذا التقرير حالة سباق عالمي محتدم بين أكبر شركات التكنولوجيا. حيث تسعى كل شركة إلى حسم معركة الذكاء الاصطناعي لصالحها. وبينما تبدو جوجل متقدمة في بعض المجالات، لا تزال OpenAI تراهن على قدراتها البحثية وشراكاتها الإستراتيجية لضمان البقاء في الصدارة.
ومع أن الطريق نحو الذكاء الفائق لا يزال طويلًا. إلا أن مواقف ألتمان تشير إلى أن OpenAI تمتلك من العزيمة ما يكفي لمواجهة التحديات، وأن السباق لا يزال مفتوحًا أمام جميع اللاعبين.



