تبرز قصص النجاح المالية دائمًا قدرة الأفراد على تحقيق تحوّل اقتصادي كبير حتى مع بدايات بسيطة أو دخول متواضعة. وفي هذا السياق تطرح قصة الثنائي الكندي سيباستيان ماركيز وزوجته جوليا نموذجًا ملهِمًا حول كيفية توظيف الفرص المتاحة وبناء ثروة صافية تجاوزت مليون دولار قبل بلوغهما الثلاثين.
وذلك عبر مزيج ذكي من الاستثمار العقاري، وإدارة مالية دقيقة، ودخول عالم العملات المشفّرة في وقت مبكر.
طريق سيباستيان ماركيز نحو الثروة
لم يكن الطريق نحو الثروة مرسومًا مسبقًا أمام سيباستيان ماركيز الذي بدأ حياته المهنية بين العمل في متاجر التجزئة وتربية الدواجن، بينما كان يجتهد في دراسته الثانوية.
وكان شابًا في السادسة عشرة يحلم -كما هو حال الكثيرين- بشراء أول سيارة له. إلا أن نصيحة بسيطة من والدته قلبت مسار حياته بالكامل؛ إذ اقترحت أن يستثمر مدخراته في شراء منزل متهالك لتجديده وبيعه لاحقًا.
وعلى الرغم من أن الفكرة بدت غريبة في البداية بالنسبة لمراهق لم يختبر سوى الوظائف ذات الأجر الأدنى. فإن البحث والتحليل قاداه إلى إدراك أن الاستثمار العقاري قد يكون فرصة حقيقية لبناء رأس مال. وبالفعل اشترى سيباستيان منزله الأول عام 2013 بقيمة 48,800 دولار، بعدما ساعدته والدته على تغطية الدفعة الأولى وتكاليف التجديد.
تحوّل المنزل الصغير -والذي كان في حالة يرثى لها- إلى مشروعه الأول في عالم تقليب المنازل. ونفذ معظم أعمال التجديد بنفسه مستعينًا بمقاطع تعليمية على يوتيوب. وبعد ستة أشهر فقط باع المنزل محققًا ربحًا مهمًا أشعل بداخله شغفًا جديدًا تجاه هذا المجال.
تقليب المنازل
اعتمد سيباستيان على منهج واضح يجمع بين الجرأة في اتخاذ القرار والتعلم الذاتي والعمل المتواصل. فبعد نجاح التجربة الأولى استثمر أرباحها في شراء منزل آخر لتقليبه، واستمر في هذا المسار لمدة تسع سنوات تقريبًا. تمكن خلالها من قلب تسعة عقارات وتحقيق أرباح إجمالية قاربت 343,700 دولار.
لم يكن سيباستيان يعتمد على هذا النشاط الاستثماري فقط. بل كان يعمل في الوقت نفسه لدى متجر وولمارت؛ حيث بدأ بأجر قدره 7.62 دولار للساعة، قبل أن تتم ترقيته لاحقًا إلى منصب إداري. وعلى الرغم من ضغوط العمل فإن تنظيم الوقت والالتزام المالي مكّناه من تنفيذ مشاريعه العقارية بوتيرة ثابتة.
وكان لحرصه على تتبع كل التفاصيل المالية -عبر جداول إلكترونية دقيقة- دورٌ مهم في تنمية ثروته. فمنذ عام 2018 أنشأ جداول لمصروفاته وصافي ثروته ونفقات الوقود وحتى نفقاته الصحية. ما أتاح له رؤية واضحة لمسار أمواله واتخاذ قرارات مالية عقلانية.

التحول إلى الاستقرار المهني
وفي عام 2022 قرّر سيباستيان إيقاف نشاطه في تقليب المنازل بعد تلقيه عرضًا لإدارة متجر أكبر لوولمارت في مدينة لندن الكندية. وكان ذلك قرارًا يتماشى مع رغبته في ضمان استقرار مالي ومهني”. وبحلول عام 2025، انتقل لوظيفة أكثر استقرارًا كمستشار أعمال في بنك محلي.
ورغم توقفه عن تقليب العقارات فإن الزوجين حافظا على ملكيتهما لعقارين: المنزل العائلي، وعقار استثماري مؤلف من وحدتين يدر دخلًا إضافيًا سنويًا.
الاستثمار في العملات المشفّرة
شكّل دخول سيباستيان إلى عالم العملات المشفرة نقلة نوعية في مسار ثروته. ففي عام 2019، وبهدف تنويع مصادر أصوله، استثمر نحو 25,000 دولار في البيتكوين والإيثيريوم. وهو مبلغ مثّل حوالي 10% من صافي ثروته آنذاك.
وكانت الخطوة محفوفة بالمخاطر، لكنه اتخذ قرارًا واضحًا: استثمار طويل الأجل ومخاطرة محسوبة. وبمرور السنوات أثبتت هذه الخطوة أنها من أكثر قراراته المالية نجاحًا. إذ ارتفع سعر البيتكوين نحو 2,000%، والإيثيريوم حوالي 2,500% بين 2019 و2025. ما رفع قيمة محفظته المشفرة إلى 400,000 دولار تقريبًا.
كيف يدير الزوجان دخلهما اليوم؟
دخل الزوجين الشهري يشمل راتبيهما -7,900 دولار- بالإضافة إلى دخل إيجار يبلغ 1,400 دولار. إلى جانب دعم حكومي لطفلتهما، ورغم أن دخلهما الكلي لعام 2025 يبلغ نحو 136,500 دولار، فإنهما يحافظان على معدل إنفاق متقشف نسبيًا يتراوح بين 4,300 و5,700 دولار شهريًا.
ويعتمد الزوجان على جلسة شهرية لمراجعة ميزانيتهما وتحديث صافي ثروتهما. كما يخصصان 15% من دخلهما لصناديق المؤشرات. وهو ما يعكس رؤية واضحة ومستقرة نحو الادخار والاستثمار وتنمية الثروة المستقبلية.
التقاعد المبكر أم الحرية المالية؟
يعتقد سيباستيان ماركيز أنه قادر على التقاعد في سن 35 بفضل استثماراته العقارية والمالية المبكرة. لكنه يفضل وصف ذلك بالاستقلال المالي بدلًا من التقاعد. فهدفه الرئيس هو توفير الوقت لنفسه ولعائلته دون الارتباط بوظيفة ثابتة.
ورغم إمكانية عودته لمجال العقارات في المستقبل القريب. فإنه حاليًا يركز على مرحلة جديدة من حياته ترتكز على التوازن بين العمل والأسرة.


