إن الافتراض الأساسي الذي تقوم عليه النظرية الأخلاقية، على اختلاف مدارسها، هو عدم كفاية الالتزامات القانونية؛ تدفعك القوانين لتفعل ما هو مناسب، وقد تكون هناك فرصة للتملص من ذاك الالتزام القانوني، أما النظرية الأخلاقية فتدعو لفعل ما هو صحيح.
وللقانون الأخلاقي، كمقولة مجردة، ميزة أخرى وهو أنه دائمًا يحكم الداخل؛ فالفرد الذي يقرر فعل الخير إنما يلبي نداءً داخليًا قويًا لا يمكنه مخالفته.
اقرأ أيضًا: أخلاقيات العمل.. الأهمية والأبعاد
نظرة تاريخية
بالنظر إلى نشأة المسؤولية الاجتماعية للشركات من حيث توجه اقتصادي واجتماعي، فإنه يمكن القول إن الدوافع الأخلاقية لم تكن موجودة منذ الأساس، أو لم تكن هي المحرك الأساسي لوجود التزام اجتماعي ما، ولكن العنصر الأخلاقي طرأ فيما بعد.
كانت نشأة المسؤولية الاجتماعية وانتشارها فيما بعد نتيجة للآثار الوخيمة التي سببتها المصانع والشركات المختلفة في المجتمع، لم يكن الهدف، وقتها، حماية المجتمع وإنما العمل على حماية المصالح الاقتصادية لهذه القلاع الصناعية الضخمة.
وهذه كانت نظرة قاصرة، ولم يتم التخلي عنها إلا حين أدرك الجميع أن أثر الأزمات يكون معممًا، وأن إلحاق الضرر بالمجتمع سيؤدي، حتمًا، إلى تضرر الشركات ذاتها، ومن هنا بدأت الأمور تأخذ مسارًا مختلفًا، والتطور الأبرز في هذه المرحلة هو إدراك وحدة مصالح الشركة والمجتمع.
بعد ذلك طرأ العامل الأخلاقي، وجاءت النظرية الأخلاقية لتطور ممارسات الشركات للمسؤولية الاجتماعية، ولعل الهدف الأساسي لهذه النظرية هو جعل هذا الالتزام الاجتماعي التزامًا طوعيًا دون الخضوع الجبري لمواد ونصوص قانونية.
هذا إذا كانت هناك قوانين تحكم وتنظم ممارسة المسؤولية الاجتماعية للشركات. ولا يجب أن نغفل عن غياب هذه التشريعات في الكثير من البلدان.
اقرأ أيضًا: الحد الأدنى من الأخلاق.. كيف توازن بين الربح والمسؤولية الاجتماعية؟
الاقتصاد والأخلاق
الهدف الأساسي من وجود المسؤولية الاجتماعية للشركات في ظل النظام الرأسمالي هو هدف نفعي في الأساس، والذي تمثل في الحفاظ على بقاء واستدامة الشركات المختلفة، عن طريق ردم الفجوة بينها وبين المجتمع؛ عبر تقليل الآثار الصناعية الضارة التي تسببها الشركات والمصانع في المجتمعات المحيطة.
ولا يمكن لأحد أن ينتقد ذاك التوجه النفعي؛ فهدف أي شركة أو مصنع هو تحقيق الربح، لكن الأمر الذي لم يعره ميلتون فريدمان؛ وأتباعه من بعده، اهتمامًا هو أن تحقيق الربح يجب أن يتوازى مع مصلحة المجتمع وعدم الإضرار به.
إن الخطأ الأساسي الذي وقع فيه أنظار نظرية السوق الحر هو إفراطهم في السعي خلف تعظيم أرباح الشركات دون النظر إلى العوامل الأخرى التي قد تطيح بالشركة ذاتها، سوى أن هذا الفهم تبدل تمامًا، فمع بزوغ الرأسمالية الواعية، والرغبة الأكيدة في تبني أطر وأنساق نظرية جديدة تهدف إلى الاعتدال والموازنة بزغ العامل الأخلاقي كعامل أساسي في المعادلة. ولا شك في أن دمج الأخلاق بالاقتصاد يدل على ذكاء منقطع النظير.
اقرأ أيضًا: الاستثمار الأخلاقي.. هل من نمط رأسمالي بديل؟
انعكاسات الفعل الأخلاقي
الشركة التي تتبع النظرية الأخلاقية وتعزز من ممارساتها الأخلاقية هي التي ستحوذ على نصيب الأسد من رضا العملاء واستحسانهم، وهي ذاتها الشركة التي تحصل على أكبر دعم من المجتمع حال تعرضها لأزمة ما.
ناهيك عن أن الدراسات الاجتماعية الحديثة وفتوحات علم التسويق الأخيرة كشفت عن أن جيل الألفية الجديدة يرغب في التعامل مع شركات تلعب دورًا اجتماعيًا، وتقديم الدعم لها.
صحيح أن البُعد الأخلاقي ظاهر هنا، إلا أن لهذه الممارسات الأخلاقية انعكاسات اقتصادية واضحة، هي تلك الانعكاسات والآثار التي تُظهر أن الاقتصار على الإلزام القانوني وحده لن يكون كافيًا، ولن يجلب الشركات كشريك فاعل ومؤثر في التنمية المجتمعية.
اقرأ أيضًا:
الاقتصاد الأخلاقي.. المسؤولية الاجتماعية كمخرج من أزمات الرأسمالية
المسؤولية الاجتماعية للشركات وأخلاقيات الإدارة