في ضوء التطورات السريعة والارتفاع المذهل في حجم الاستثمارات الموجهة لبنية الذكاء الاصطناعي التحتية، بدأت تظهر مخاوف متزايدة من أن طفرة شركات التكنولوجيا الكبرى الأخيرة تتجه نحو تشكيل فقاعة اقتصادية. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل تفرط «ميتا» -ومعها وادي السيليكون بأكمله- في الاستثمار بالذكاء الاصطناعي؟
في هذا الصدد أجاب أليكس شولتز؛ كبير مسؤولي التسويق ونائب رئيس قسم التحليلات في «ميتا»، عن هذا التساؤل الجوهري.
وقال في مقابلة مع موقع «بيزنس إنسايدر» على هامش مؤتمر «ويب سامِت» في لشبونة هذا الأسبوع: من الواضح أن أي مسؤول في ميتا لن يجيب عن هذا السؤال بـ «نعم».
الاستثمار في الذكاء الاصطناعي
تخطط «ميتا» لإنفاق ما يصل إلى 72 مليار دولار هذا العام على بنية الذكاء الاصطناعي التحتية. وأعلنت الشركة كذلك أن هذا الإنفاق الرأسمالي سيرتفع في العام المقبل. مؤكدةً إستراتيجيتها الطموحة في هذا القطاع. وهذا يدل على أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يمثل الآن أولوية مطلقة للقيادة العليا للشركة.
وفي الإطار نفسه صرّح مارك زوكربيرج؛ الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا»، هذا العام بأنه يفضل «المخاطرة بهدر بضع مئات المليارات من الدولارات». على أن تتأخر الشركة في سباق تطوير «الذكاء الفائق».
كما تسجّل أمازون وجوجل ومايكروسوفت وشركات الذكاء الاصطناعي الخاصة، مثل OpenAI. مستويات قياسية غير مسبوقة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي.
مقارنة بالفقاعات التاريخية
ورغم ضخامة هذه الأرقام أوضح شولتز أن الاتجاه الحالي ليس كبيرًا إلى حد مبالغ فيه عند قياسه كنسبة من القيمة السوقية أو الإيرادات في القطاع، مقارنةً بالفقاعات التاريخية.
وبمقارنته بفقاعة السكك الحديدية الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر، قال شولتز: «يبدو الأمر عدوانيًا، لكنه ليس جنونيًا».
وفي مذكرة بحثية صادرة في أكتوبر قدّر محللو «جولدمان ساكس» أن الاستثمارات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة تقل عن 1% من الناتج المحلي الإجمالي. هذه النسبة أقل بكثير مقارنة بنسبة تراوحت بين 2% و5% خلال الطفرات التكنولوجية السابقة، ومنها توسع السكك الحديدية.
تحقيق إيرادات بمليارات الدولارات
أضاف شولتز أن استثمارات «ميتا» في الذكاء الاصطناعي تترجم بالفعل إلى مليارات الدولارات من الإيرادات المتحققة. ويعود فضل هذا التحول الإيجابي إلى تحسين أدوات الإعلانات وخوارزميات ترتيب المحتوى.
ومن المتوقع أن تحقق «ميتا» نحو 200 مليار دولار من الإيرادات هذا العام. فيما تتداول بقيمة سوقية تقارب 1.5 تريليون دولار. وأشار شولتز إلى أن أكبر ثورة مدفوعة بالذكاء الاصطناعي في «ميتا» كانت أنظمة التوصيات الأكثر تطورًا للمحتوى.
نجاح إدارة الاضطراب والتحول الجوهري
وأوضح أليكس شولتز أن تحديث أنظمة التوصيات كان ضروريًا للشركة. والسبب يعود إلى أن غالبية الوقت الذي يقضيه المستخدمون على فيسبوك وإنستجرام أصبح يتمثل في مشاهدة «محتوى غير مترابط». ويقصد به المحتوى الذي لا يصدر عن صديق، أو صفحة، أو مجموعة يتابعها المستخدم بشكلٍ مباشر.
وفي سياق هذا التبرير تساءل: «لو لم ننفذ هذا التحول فكم كان حجم شركتنا سيصبح اليوم؟» ثم أضاف: «نجحنا في إدارة اضطراب ضخم داخل المنصة دون أن نصبح غير ذي صلة للمستخدمين. وهذا يمثل مكسبًا جوهريًا وواضحًا لأعمالنا».
ميزة Vibes ومستقبل الشركة
كما تحدث شولتز عن ميزة Vibes الجديدة في تطبيق Meta AI؛ حيث وصفها بأنها تمثل «ربما جزءًا كبيرًا من مستقبل الشركة».
وتقدم هذه الميزة موجزًا بصريًا ديناميكيًا من مقاطع الفيديو القصيرة التي يتم إنتاجها بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي التوليدي. ما يشير إلى اتجاه «ميتا» الجاد نحو دمج المحتوى المولَّد بواسطة الذكاء الاصطناعي بشكلٍ كامل في تجربة المستخدم.
وعلى الرغم من ذلك أظهرت Vibes «احتفاظًا جيدًا بالمستخدمين» بعد انتهاء فترة تجربتها الأولية. وهي نتيجة إيجابية تتعارض مع الرأي العام السائد. إذ تعرّضت هذه الميزة لانتقادات واسعة ومباشرة عبر الإنترنت؛ حيث وصفت بأنها «محتوى هزيلًا أو سطحيًا من إنتاج الذكاء الاصطناعي».
ومع ذلك فإن استمرار تفاعل المستخدمين معها يمنح «ميتا» تبريرًا إضافيًا للاستمرار في استثمارها الضخم في هذا المجال. مؤكدًا أن الجدوى العملية قد تتجاوز النقد الأولي.
الطلب الضخم على الطاقة
تتطلب نماذج إنتاج الفيديو قدرة حوسبية أعلى بكثير من نماذج النصوص أو الصور. وهو ما يفرض طلبًا ضخمًا على الطاقة قد يرهق شبكات الكهرباء وإمدادات المياه. وأثارت شعبية تطبيقات مثل Sora التابعة لـ OpenAI تساؤلات حول ما إذا كانت القيمة الترفيهية تستحق آثارها البيئية.
وقال شولتز مدافعًا عن Vibes بشكلٍ خاص: «Vibes ليست بهذا الحجم. فهي لا تستنزف البحيرات ولا تحتاج إلى عدة محطات نووية». وأضاف أنها واحدة من تجارب كثيرة تعمل الشركة عليها لتدريب نماذجها ومعرفة كيفية تحسينها.
الحياة للرفاهية والفرص المستقبلية
ولفت شولتز إلى أن هناك نزعة كالفينية أوروبية غربية في المجتمع ترى أن فعل أشياء لطيفة وممتعة ليس ما يدور حوله معنى الحياة.
وتابع: “الحياة هي أداء أشياء جميلة وممتعة. وكل ما نفعله من أمور أخرى هو فقط لتمكيننا من فعل هذه الأشياء الممتعة”.
هذه الموجة من الذكاء الاصطناعي أدت إلى محادثات «مثمرة» حول سلامة محطات الطاقة النووية واستخدام محطات التحلية لإنتاج مياه عذبة. واختتم بالقول: «بشكلٍ عام لدى البشرية القدرة على تحقيق قدر أكبر بكثير من الرفاهية والوفرة مما هي عليه الآن».



