في خطوة حاسمة تعكس توجهًا إستراتيجيًا راسخًا أثبتت شركة بيركشاير هاثاواي مجددًا أنها بائعة صافية للأسهم، وذلك في الوقت الذي ارتفع فيه رصيدها النقدي إلى مستوى غير مسبوق تجاوز 380 مليار دولار. ويمثل هذا الاتجاه إشارة قوية من القيادة حول تقييمها الحالي لفرص الاستثمار في الأسواق.
وفي ذات السياق جاء الإعلان المرتقب بأن المستثمر الأسطوري وارن بافيت سوف يتنحى عن منصبه كرئيس تنفيذي لشركة بيركشاير مع نهاية العام الحالي. ما يجعل هذا التقرير الأخير للأرباح الصادر في عهده قبل مغادرته المنصب رسميًا بنهاية عام 2025.
في حين تركز هذه اللحظة المفصلية الأنظار على الأداء المالي والاحتياطيات الضخمة لإيرادات شركة بيركشاير هاثاواي.
تضخم الاحتياطي النقدي
خلال الربع الثالث امتنعت بيركشاير عن إعادة شراء أسهمها، وهي سياسة استمرت. بينما واصلت في الوقت ذاته زيادة احتياطياتها النقدية، محققة أيضًا تحسنًا ملحوظًا في أداء قطاع التأمين لديها.
بينما تكشف هذه القرارات عن تفضيل الشركة للسيولة المرتفعة على التوظيف النشط لرأس المال في الوقت الحالي.
كما بلغ إجمالي النقد وما يعادله والاستثمارات قصيرة الأجل في سندات الخزانة الأمريكية لدى بيركشاير أكثر من 381 مليار دولار خلال الربع الثالث. مسجلًا بذلك ارتفاعًا كبيرًا من نحو 344 مليار دولار في الربع الثاني. هذا النمو الهائل في إيرادات شركة بيركشاير هاثاواي النقدية يمثل رقمًا غير مسبوق في تاريخ الشركة.
العوائد المرتفعة وتفسير تراكم السيولة
علاوة على ذلك أشار المحلل جيمس شاناهان؛ من شركة إدوارد جونز، بعد صدور التقرير إلى أن إيرادات الاستثمارات تواصل الاستفادة بشكل كبير من ارتفاع الأرصدة النقدية. ويضاف إلى ذلك العوائد المرتفعة نسبيًا -رغم تراجعها مؤخرًا- على النقد والأوراق المالية قصيرة الأجل التي تحتفظ بها الشركة.
وعلى الرغم من أن بيركشاير كانت تبيع الأسهم وتكدّس النقد، إلا أن الإدارة أوضحت في رسالتها للمساهمين في فبراير الماضي. أنها “لن تفضل أبدًا حيازة الأصول النقدية أو ما يعادلها على ملكية الشركات الجيدة، سواء كانت تملكها بالكامل أو جزئيًا”.
ومع ذلك فسر بعض المراقبين هذا الاتجاه نحو تكديس السيولة كإشارة إلى أن بافيت لا يرى فرصًا جذابة لتوظيف رأس المال في السوق الصاعدة الحالية.
البائع الصافي للأسهم
وفي انسجام تام مع توجه بيركشاير الأخير نحو تعزيز السيولة النقدية. أشار شاناهان إلى أن الشركة كانت بائعًا صافيًا للأسهم للربع الثاني عشر على التوالي. ويرسخ هذا الاستمرار إستراتيجية الحذر في ظل التقييمات الحالية للسوق.
بينما أوضح شاناهان أن مبيعات الأسهم فاقت مشترياتها بنحو 6 مليارات دولار خلال الربع الثالث. مع تسجيل مبيعات صافية تراكمية بلغت 183 مليار دولار. ويؤكد هذا الميزان المالي تفوق عمليات التخلص من الأصول على عمليات الاستحواذ في محفظة إيرادات شركة بيركشاير هاثاواي.

استمرار التوقف عن إعادة الشراء
وأظهر التقرير أن بافيت امتنع عن إعادة شراء أسهم بيركشاير خلال الربع الثالث. وهي المرة الخامسة على التوالي التي لا تنفذ فيها الشركة أي عمليات من هذا النوع. ويثير هذا التوقف التساؤلات حول النظرة الداخلية لقيمة السهم في الوقت الحالي.
ويأتي استمرار هذا التوقف في وقت تراجعت به أسهم بيركشاير عن أداء السوق الأوسع مؤخرًا؛ حيث ارتفعت أسهم الشركة بنسبة 5% فقط منذ بداية العام، مقارنة بارتفاع 16% في مؤشر S&P 500 خلال الفترة نفسها. ويزيد هذا التفاوت في الأداء من أهمية القرارات الاستثمارية القادمة للقيادة الجديدة.
تحفيز السهم والثقة في القيادة
وفي الربع الثالث تحديدًا صعد سهم بيركشاير بنسبة 3.5% فقط؛ أي ما يعادل نصف المكاسب تقريبًا التي حققها مؤشر S&P 500 في تلك الفترة. ويضع هذا الأداء ضغوطًا إضافية على الإدارة الجديدة للبحث عن محفزات للنمو.
وفي هذا الصدد كتب شاناهان: “نعتقد أن الرئيس التنفيذي المعيّن غريغ آيبل سيعيد الثقة للمستثمرين بمرور الوقت. إلا أن زيادة النشاط الاستثماري أو استئناف إعادة شراء الأسهم قد يشكلان محفزًا محتملًا لأسهم بيركشاير على المدى القريب”.
القفزة في الأرباح التشغيلية
وعلى الجانب الإيجابي بلغت الأرباح التشغيلية الإجمالية لشركة بيركشاير 13.5 مليار دولار، مقارنة بـ 10.1 مليار دولار في الفترة نفسها قبل عام. وتعكس هذه القفزة النمو القوي في الأعمال الأساسية للشركة.
أما أرباح التأمين من الاكتتاب فشهدت قفزة كبيرة ونوعية في الربع الثالث، لتصل إلى 2.4 مليار دولار مقابل 750 مليون دولار فقط في الفترة نفسها من العام الماضي. ويعكس هذا الأداء، وفقًا لتحليل شاناهان، “استمرار قوة الربحية في قسم التأمين جيكو (Geico)، وانخفاض خسائر الكوارث، وتراجع نفقات الاكتتاب”.
نهاية عهد وتحديات السيولة
وبذلك يسدل التقرير الأخير للأرباح في عهد وارن بافيت الستار على حقبة تميزت بالنجاحات المتوالية، لكنه يضع أيضًا تحديًا كبيرًا أمام القيادة القادمة ممثلة في غريغ آيبل.
ويتركز هذا التحدي حول كيفية توظيف الاحتياطي النقدي الهائل البالغ 381 مليار دولار بفاعلية؛ لضمان استمرار النمو والتفوق في الأداء، والحفاظ على إرث إيرادات شركة بيركشاير هاثاواي الضخمة.


