شهدت أسواق التكنولوجيا الآسيوية انتعاشًا ملحوظًا خلال تداولات اليوم الخميس، تزامنًا مع إعلان شركة إنفيديا عن نتائج مالية قوية فاقت كل التوقعات. وبذلك، وُضع حدٌ للمخاوف المتزايدة بشأن احتمال تشكّل فقاعة وشيكة في قطاع الذكاء الاصطناعي.
علاوة على ذلك، جاءت أرباح الشركة أفضل بكثير مما توقعته وول ستريت. ما بعث رسالة طمأنينة للأسواق بأن طفرة الذكاء الاصطناعي لا تزال تمضي في مسار تصاعدي حقيقي. مدعومةً بطلب متزايد على رقائق الحوسبة المتقدمة.
في سياق متصل، أظهرت نتائج شركة إنفيديا نموًا متسارعًا، ليأتي ذلك بعد عدة فصول اتسمت بتباطؤ المبيعات. ومن هذا المنطلق، اعتبرت الأسواق هذا المؤشر دليلًا واضحًا على أن الطلب العالمي على رقائق الذكاء الاصطناعي يتجاوز التوقعات، ويمثل دعامة قوية لسوق التكنولوجيا. ونتيجة لهذه التطورات، شهد سهم إنفيديا ارتفاعًا بنسبة 5% في تداولات ما بعد الإغلاق. وهو ما انعكس بشكلٍ مباشر على نفسية المستثمرين حول العالم.
هذا الانتعاش القوي لم يكن مجرد صدى محدود، بل تحول إلى موجة تفاؤل واسعة دفعت العديد من مؤشرات الأسواق الآسيوية إلى مستويات مرتفعة. ولذلك، استعادت قطاعات التكنولوجيا الزخم الذي قاد موجة الصعود العالمية منذ بداية العام. مؤكدةً على دورها المحوري كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي العالمي.
أسواق آسيا تتفاعل بقوة
أعادت نتائج شركة إنفيديا القياسية الثقة إلى أسواق آسيا، خصوصًا بعدما كانت تمر بحالة من القلق خلال الأيام الماضية نتيجة هبوط جماعي ضرب الأسهم التقنية. ومع ذلك، أعاد إعلان الشركة الأمريكية المثيرة تشكيل المشهد بسرعة فائقة. وعليه، ارتفعت أسهم شركة TSMC التايوانية، أكبر مصنع رقائق تعاقديًا في العالم والمورد الرئيسي لإنفيديا، بنسبة 3.6%. وهو ما يمثل قفزة كبيرة في يوم واحد لهذه الشركة العملاقة.
وبالإضافة إلى ذلك، حققت شركة SK Hynix الكورية الجنوبية، وهي من المورّدين الأساسيين لرقائق إنفيديا، مكاسب تجاوزت 4%. وبالمثل، واصلت سامسونج للإلكترونيات صعودها بنسبة 4.5%. كل هذه المكاسب دفعت مؤشري بورصتي تايوان وكوريا الجنوبية للصعود بأكثر من 2%. ما جعلهما من بين أكبر الرابحين في الجلسة الآسيوية.
وعلى الصعيد الياباني، واصل مؤشر نيكاي مساره الصعودي القوي. إذ قفز بأكثر من 3% واستعاد مستوى 50,000 نقطة، وهذا المستوى يعد حاجزًا نفسيًا وتجاريًا مهمًا يعكس شهية المستثمرين للعودة إلى السوق بعد أسابيع من التذبذب. كما سجلت شركات التكنولوجيا اليابانية ارتفاعات كبيرة؛ حيث صعد سهم Advantest بنسبة 9%، وسهم طوكيو إلكترون بنسبة 5%، وصعد سهم مجموعة سوفت بنك بنسبة 4%.
بين الخوف من الفقاعة والرهان على الاستمرارية
وعلى الرغم من الارتفاعات القوية، فقد ظلت حالة التردد ماثلة بين بعض المستثمرين الذين يخشون من احتمالية تشكل فقاعة جديدة في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي. ويأتي هذا القلق لا سيما مع الحجم الضخم للاستثمارات الموجهة نحو القطاع المذكور. تلك المخاوف عكست حالة من الحذر تسيطر على السوق إلى الآن.
من جهته، أوضح كريس زاكاريلي؛ كبير مسؤولي الاستثمار في شركة نورثلايت لإدارة الأصول، أن نفسية السوق كانت سلبية هذا الشهر نابعة من المخاوف من أن قطاع الذكاء الاصطناعي قد يكون مبالغًا في تقييمه. هذا التقييم السلبي أدى إلى تذبذب في حركة الأسهم التقنية بشكلٍ ملحوظ.
لكن زاكاريلي أشار إلى أن الأرقام الحالية تظهر أن كبرى شركات التكنولوجيا تحقق أرباحًا ضخمة بالفعل. كما أنها تستمر في ضخ مليارات الدولارات في مراكز البيانات والخوادم والرقائق. وهذا يؤكد أن الإنفاق حقيقي ومبني على طلب فعلي وليس مجرد موجة مضاربية. وبالتالي، دفع هذا التحليل العديد من المستثمرين إلى إعادة تقييم نظرتهم للسوق وتخفيف حالة القلق التي سيطرت على تداولات الأسابيع الماضية.
ولهذه الأسباب، يبدو أن الأسواق بدأت بالفعل بالانتقال من مرحلة الخوف إلى مرحلة التفاؤل الحذر. ويعزز ذلك النتائج التي قدمتها شركة إنفيديا والتي اعتبرت الأكثر قوة منذ بداية طفرة الذكاء الاصطناعي في الأعوام الأخيرة. لتشعل بذلك شهية المخاطرة مجددًا.
إنفيديا تتجاوز التقديرات
كشفت شركة إنفيديا في بيانها الأخير أنها تتوقع تحقيق مبيعات تصل إلى 65 مليار دولار في الربع المالي الرابع. مع هامش خطأ زائد أو ناقص 2%. تلك التوقعات الجريئة تجاوزت متوسط تقديرات المحللين البالغ 61.66 مليار دولار، وذلك وفقًا لبيانات منصة LSEG. هذا يشير إلى استمرار الطلب القوي على معالجاتها المتقدمة الخاصة بالذكاء الاصطناعي بشكلٍ متصاعد.
وجاءت هذه الأرقام المرتفعة في وقت كانت فيه حالة التشاؤم تعم أسواق الأسهم عالميًا، خاصة بعد عمليات البيع المكثفة التي نفذها المستثمرون خلال الأيام الماضية نتيجة مخاوف من ارتفاع التقييمات. ومع ذلك، ساهم إعلان إنفيديا بشكل مباشر في تهدئة المخاوف ومنح الأسواق جرعة تفاؤل جديدة هي في أمس الحاجة إليها.
وبالنظر إلى الوراء، أثار الهبوط الأخير الذي طال بعض أسهم شركات التكنولوجيا المزيد من الشكوك، لا سيما بعد قيام بعض المستثمرين البارزين ببيع أجزاء من محافظهم الاستثمارية في القطاع. لكن توقعات إنفيديا الإيجابية ساعدت في امتصاص تلك الصدمات ودفع الأسواق لتجاوز حالة القلق. مؤكدةً مكانتها كقائد لا يمكن الاستغناء عنه في طفرة الذكاء الاصطناعي الحالية.
استثمارات الحوسبة السحابية
تزامن إعلان إنفيديا مع استمرار شركات الحوسبة السحابية الكبرى، مثل: مايكروسوفت وأمازون، في ضخ مليارات الدولارات في إنشاء مراكز بيانات مخصصة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وتؤكد هذه الشركات أن الاستثمار في هذه المراكز يمثل الركيزة الأساسية للجيل التالي من الحوسبة. خصوصًا مع الطلب الهائل على قدرات المعالجة المتقدمة.
لكن هذا الإنفاق الضخم أثار تساؤلات لدى بعض المستثمرين، الذين اعتبروا أن جزءًا من أرباح تلك الشركات قد يكون نتيجة تمديد العمر الافتراضي للأصول المرتبطة بمعدات الذكاء الاصطناعي -مثل رقائق إنفيديا- وهو ما يمنحها مظهرًا ماليًا أقوى مما هو عليه حقيقة. ورغم هذه الاعتراضات، فإن السوق يرى في الوقت الحالي أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي هو حجر الأساس لدورة النمو المقبلة.
وفي ظل المنافسة العالمية المحمومة على تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي، يبدو أن الشركات التكنولوجية الكبرى مستمرة في زيادة إنفاقها الاستثماري. ما يعزز من الطلب على منتجات إنفيديا ويقوي موجة الصعود الأخيرة في قطاع التكنولوجيا.




