في تطور لافت يعكس التحولات العميقة التي يشهدها قطاع التكنولوجيا عالميًا، أعلنت شركة Micron عن قرارها التوقف عن بيع منتجات الذاكرة الموجهة للمستهلكين، وذلك بهدف إعادة توجيه قدراتها الإنتاجية لدعم الطلب المتزايد على رقائق الذكاء الاصطناعي عالية الأداء.
ويأتي هذا التحول الإستراتيجي في وقت تتسارع فيه استثمارات الشركات الكبرى في بنية الذكاء الاصطناعي التحتية؛ ما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في الحاجة إلى شرائح الذاكرة المتقدمة.
وبحسب ما نقلته “CNBC”، فإن الشركة أكدت أن نمو الطلب على الذكاء الاصطناعي داخل مراكز البيانات أدى إلى ضغط كبير على أسواق الذاكرة العالمية. ولذلك، شدد سوميت سادانا؛ الرئيس التنفيذي للأعمال في Micron، على أن هذا القرار “صعب لكنه ضروري”. نظرًا لأهمية تعزيز دعم العملاء الإستراتيجيين الذين يقودون موجة التوسع السريع في هذا المجال.
ومن خلال هذا التغيير الجذري في خريطة أعمالها، تسعى Micron إلى مواكبة الازدياد الحاد في الطلب على شرائح الذاكرة والتخزين. ولا سيما مع دخول شركات التكنولوجيا العملاقة في سباق عالمي لإنشاء مراكز بيانات فائقة القدرات. وهو ما يمثل نقلة نوعية في مستقبل البنية الرقمية.
ارتفاع الطلب العالمي ونقص الذاكرة
وبالإضافة إلى ما سبق، يشير تحليل السوق إلى أن طفرة الذكاء الاصطناعي أحدثت نقصًا عالميًا في موارد الذاكرة المستخدمة لتخزين البيانات قصيرة المدى. وأدى هذا النقص إلى صعوبات في التوريد، خاصة مع التزام شركات كبرى بإنفاق مئات المليارات خلال السنوات المقبلة لبناء منصات ذكاء اصطناعي بقدرات معالجة غير مسبوقة.
وعلى الرغم من هذا التحدي، استطاعت أسهم Micron تسجيل مكاسب قوية تجاوزت 175% منذ بداية العام. إلا أنها شهدت تراجعًا طفيفًا بنسبة 3% خلال تعاملات الأربعاء الماضية، لتغلق عند 232.25 دولار للسهم الواحد.
ومع ذلك، يرى محللو السوق أن مثل هذا التراجع ذو طابع مرحلي، بالنظر إلى الطلب المتسارع على الذاكرة عالية النطاق الترددي.
وعلى صعيد متصل، تعد رقائق الذكاء الاصطناعي -مثل وحدات المعالجة الرسومية GPUs المصنوعة من قبل شركتي Nvidia وAMD- من أكثر التقنيات استهلاكًا للذاكرة المتقدمة. ولعل أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو شريحة Nvidia GB200 التي تضم 192 جيجابايت من الذاكرة. في حين تحتاج شريحة Google Ironwood TPU إلى السعة نفسها لتقديم أدائها العالي.
تنامي استهلاك الذاكرة
ومن ناحية أخرى، يجدر بالذكر أن الذاكرة لا تُستخدم فقط في مراكز البيانات المتقدمة؛ إذ تعد عنصرًا أساسيًا أيضًا في الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر. إلا أن هذه الاستخدامات تبقى أقل تطلبًا بكثير؛ حيث تأتي العديد من الحواسيب المحمولة مجهزة بـ 16 جيجابايت فقط من الذاكرة. ما يبرز الفجوة الكبيرة بين احتياجات المستهلكين واحتياجات منصات الذكاء الاصطناعي الحديثة.

وكانت علامة Crucial التابعة لــ Micron تلعب دورًا رئيسًا في توفير شرائح الذاكرة للمستهلكين، سواء لأولئك الذين يقومون ببناء أجهزة الكمبيوتر بأنفسهم أو الراغبين في ترقية أجهزتهم. كما قدمت العلامة مجموعة واسعة من وحدات التخزين الصلبة SSD. ما جعلها عنصرًا مهمًا في سوق المستخدمين الأفراد خلال السنوات الماضية.
غير أن المشهد تغير جذريًا بعد دخول شركات عملاقة مثل: Nvidia وGoogle سباق تطوير رقائق ذكاء اصطناعي تتطلب كميات غير مسبوقة من الذاكرة عالية الأداء. ودفع هذا الواقع الجديد Micron إلى إعادة ترتيب أولوياتها، وعدم استنزاف مواردها في منتجات المستهلكين، والتركيز بدلًا من ذلك على تلبية الطلب الصناعي المتزايد.
المنافسة العالمية في سوق الذاكرة
وعلى مستوى المنافسة، تخوض Micron سباقًا حادًا مع شركتي Samsung وSK Hynix في سوق الذاكرة ذات النطاق الترددي العالي. ورغم أن الشركتين الكوريتين تهيمنان بشكلٍ واضح على السوق، تبقى Micron الشركة الأمريكية الوحيدة التي توفر هذا النوع من الذاكرة. ما يمنحها أهمية إستراتيجية كبيرة داخل الولايات المتحدة.
ويؤكد محللون أن SK Hynix تعد المورد الرئيسي للذاكرة المستخدمة في رقائق Nvidia. ما يعزز المنافسة في سوق شديد الحساسية.
وفي المقابل، تواصل AMD توسيع شراكتها مع Micron، لا سيما وأن رقائق الذكاء الاصطناعي الخاصة بـ AMD -وعلى رأسها شريحة MI350- تستخدم 288 جيجابايت من الذاكرة عالية النطاق الترددي، أي أكثر من منافسيها. وهو ما يمنحها ميزة تنافسية على صعيد الأداء.
كما كشفت البيانات المالية الأخيرة عن أن وحدة أعمال الذاكرة السحابية في Micron شهدت نموًا سنويًا تجاوز 213%. ما يعكس التحول الواضح نحو قطاع الأعمال والشركات، بدلًا من قطاع المستهلكين.
رؤية مستقبلية ودعم مالي متجدد
وعلى صعيد التوقعات المالية، رفع محللو Goldman السعر المستهدف لسهم Micron من 180 دولارًا إلى 205 دولارات. مؤكدين أنهم يتوقعون استمرار الزخم في ارتفاع أسعار الذاكرة خلال الفترة المقبلة.
وأوضحوا في مذكرة للعملاء أن “الزخم المتواصل في تسعير الذاكرة سيؤدي إلى نتائج إيجابية تتجاوز توقعات السوق” عند إعلان نتائج الشركة خلال الأسبوعين المقبلين.
ورغم الجدل حول تأثير انسحاب Micron من سوق المستهلكين على العمالة لديها، رفض المتحدث الرسمي للشركة الإفصاح عن وجود خطط لتسريح موظفين. فإن الشركة أكدت إعادة توزيع الموظفين على وظائف شاغرة داخل الشركة. في خطوة تهدف إلى تخفيف أثر إعادة الهيكلة.
وفي نهاية المطاف، يبدو أن Micron اتخذت قرارًا إستراتيجيًا ينسجم مع موجة التوسع العالمية في الذكاء الاصطناعي، ويعيد رسم مستقبل صناعة الذاكرة الرقمية.
ومع استمرار السباق العالمي لبناء مراكز بيانات خارقة، يبدو أن الشركة تستعد لتكون لاعبًا محوريًا في هذا التحوّل، معززة مكانتها في واحدة من أكثر الصناعات التقنية نموًا في العالم.


