في تطور لافت بشكلٍ كبير يعكس التحولات المتسارعة الجارية في عالم الذكاء الاصطناعي أعلنت شركة جوجل، التابعة لمجموعة Alphabet، افتتاح مركز جوجل جديد لهندسة أجهزة البنية التحتية للذكاء الاصطناعي المتقدمة في تايوان.
وبذلك يصبح هذا المركز الأكبر لها خارج الولايات المتحدة، مؤكدة بذلك أهمية الموقع الآسيوي.
من ناحية أخرى يرى مراقبون أن مركز جوجل الجديد يأتي كجزء أصيل من إستراتيجية عالمية تعتمد عليها الشركة لتعزيز قدراتها التقنية في محطات رئيسة حول العالم. كما تهدف للاستفادة من منظومات صناعية متقدمة مثل تلك التي تملكها تايوان، التي تعد رائدة في صناعة الرقائق.
ويأتي هذا التوسع في وقت تشهد فيه صناعة الذكاء الاصطناعي طفرة غير مسبوقة. وهي طفرة مدفوعة بالطلب المتزايد على قدرات معالجة البيانات ونماذج التعلم العميق.
لذلك تؤكد جوجل؛ من خلال هذا المشروع، أنها ماضية في تطوير بنيتها الهندسية لتلبية احتياجات المستقبل. لا سيما مع تصاعد المنافسة بين الشركات التكنولوجية الكبرى في هذا المجال.
وتزامن افتتاح المركز مع تصريحات رسمية من رئيس تايوان لاي تشينغ-تي؛ حيث اعتبر هذا الاستثمار تجسيدًا لثقة المجتمع الدولي في الجزيرة بوصفها شريكًا تكنولوجيًا موثوقًا. وإضافة إلى ذلك أكد أنها قوة لا غنى عنها في سلسلة الإمداد العالمية للرقائق المتقدمة والتكنولوجيا الحديثة.

مركز عالمي للرقائق المتقدمة
تُعد تايوان موطنًا لأكبر شركة لتصنيع الرقائق بالعقود في العالم، TSMC، التي تعد ركيزة أساسية في تزويد الشركات الرائدة مثل إنفيديا برقائق عالية الأداء تقود ثورة الذكاء الاصطناعي.
وتشكّل هذه المكانة التكنولوجية محورًا رئيسًا في جذب الشركات العالمية. وفي مقدمتها جوجل، للاستثمار في البنية التحتية البحثية والهندسية داخل الجزيرة.
وتحرص الحكومة التايوانية في السنوات الأخيرة على تعزيز علاقتها بالشركات الأمريكية العملاقة. لا سيما في ظل التوترات الجيوسياسية مع الصين، التي تعد تايوان جزءًا من أراضيها.
وفي هذا السياق تسعى الحكومة إلى إرسال رسالة واضحة مفادها أن الجزيرة هي بيئة موثوقة وآمنة لتنمية مشاريع الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
وفي المقابل حذّرت تايوان مرارًا من استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي المطوّرة داخل الصين، مثل DeepSeek. مشيرةً إلى مخاطر تتعلق بالخصوصية والأمن السيبراني. ورغم نفي الصين لهذه المخاوف إلا أن الشركات العالمية باتت تتجه نحو بنية أكثر أمانًا، وهو ما تعكسه الخطوة الأخيرة لجوجل.
شراكة تقنية تمتد إلى عصر ذهبي جديد
وفي السياق ذاته أشاد رايموند جرين؛ السفير الأمريكي الفعلي في تايبيه، خلال حفل افتتاح مركز جوجل الجديد، بالشراكة العميقة بين الولايات المتحدة وتايوان. حيث اعتبر أن افتتاح هذا المركز يدشّن حقبة جديدة من التعاون الاقتصادي والتكنولوجي بين الجانبين.
كما أضاف أن الابتكار الذي يجمعهما يفتح الباب أمام عصر ذهبي جديد يحدد مسار العلاقات الاقتصادية المستقبلية.
وعلى هذا الأساس تؤكد تصريحات جرين أن حضور الشركات الأمريكية الكبرى في تايوان أصبح جزءًا من إستراتيجية أوسع تهدف إلى دعم البنية التحتية التكنولوجية العالمية. فيما تسعى إلى تقليل الاعتماد على سلاسل توريد معرضة للتوترات الدولية. لذلك يأتي دور جوجل في هذا السياق ليعزز الثقة في مستقبل القطاع التكنولوجي المزدهر في الجزيرة.
علاوة على ذلك يرى محللون أن استثمارات شركات التكنولوجيا الأمريكية في تايوان لا تعكس فقط العلاقات الاقتصادية. بل ترتبط أيضًا بالتوازنات الجيوسياسية الحساسة في آسيا.
وبهذا يمنح وجود مراكز بحث وتطوير متقدمة، مثل: مركز جوجل الجديد، الجزيرة قوة إضافية كبيرة في مواجهة الضغوط المتزايدة من الصين.
مركز جوجل الجديد
يُركّز عمل المركز الهندسي الجديد -وفقًا لرويترز- على تطوير عمليات دمج الرقائق، بما في ذلك معالجات جوجل الخاصة بالذكاء الاصطناعي TPU، على اللوحات الأم ومن ثم ربطها بالخوادم.
ويعد هذا النوع من الهندسة أحد المكونات الحاسمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الضخمة التي تتطلب قدرة عالية على معالجة البيانات.
من جهته كشف جريج مور؛ مدير تطوير المنصات في Google Cloud، عن أن فريق البنية التحتية الهندسية في تايوان، الذي تأسس عام 2020، نما ثلاثة أضعاف حجمه منذ إنشائه. ليضم الآن عدة مئات من الموظفين الذين سيعملون في المركز الجديد. وهذا النمو يعكس الثقة المتزايدة لدى الشركة في قدرات المهندسين المحليين.
ولا يقتصر حضور جوجل في تايوان على هذا المركز فحسب. إذ تدير الشركة مركزين آخرين لتطوير أجهزة إلكترونية استهلاكية، إضافة إلى مركز بيانات يعمل منذ عام 2013. كما استثمرت في عدة كابلات بحرية دولية لتعزيز شبكات الاتصالات حول العالم.
استثمار يتجاوز الجدران
من جانبه يؤكد عامر محمود؛ نائب رئيس قسم هندسة بنية المنصات في Google Cloud، أن هذا المشروع لا يمثل مجرد توسع في مكتب جديد. بل هو استثمار في منظومة ابتكار متكاملة.
كما أضاف أن تايوان باتت مركزًا مهمًا على خارطة الذكاء الاصطناعي العالمية؛ بفضل بنيتها الصناعية المتقدمة وقوة مهاراتها التقنية.
ويرى خبراء الصناعة أن توسع جوجل في الجزيرة يساهم في تعزيز بيئة الابتكار المحلية، وتوفير فرص عمل جديدة. بالإضافة إلى تحفيز الشركات التايوانية على التعاون في مشاريع مرتبطة بالذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.
كما يعزز هذا الاستثمار موقع تايوان كمركز رئيس في سلسلة توريد التكنولوجيا العالمية.
وبذلك يعد إنشاء مركز جوجل الجديد خطوة إستراتيجية تعكس رؤية طويلة المدى لمستقبل الذكاء الاصطناعي. وتجسّد التوجه العالمي نحو تطوير بنية تحتية أكثر أمانًا، كفاءةً، واستدامةً.
ومع استمرار النمو السريع في هذا المجال يبدو أن تايوان وجوجل تقفان اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من الابتكار المشترك الذي يعيد تشكيل ملامح التكنولوجيا العالمية.



