شهدت الأسواق المالية الفلبينية تراجعًا حادًا لأحد أكثر الأسهم ارتفاعًا في الفترة الأخيرة؛ حيث فقدت شركة التطوير العقاري جولدن إم في هولدينجز أكثر من 16 مليار دولار أمريكي (20 مليار دولار سنغافوري) من قيمة مؤسسها مانويل فيلار خلال ثلاثة أيام فقط، وقد أثار هذا الانحدار السريع تساؤلات واسعة النطاق حول الصعود اللافت للشركة وهبوطها المفاجئ في آن واحد.
كما بدأت أسهم الشركة في التراجع منذ 13 نوفمبر بعدما رفعت الجهات التنظيمية تعليق التداول الذي دام ستة أشهر على السهم. واستمر الانخفاض حتى صباح 18 نوفمبر. وسجلت الشركة انخفاضًا إجماليًا بنسبة 76%، وهو أسوأ أداء لها منذ أن أصبحت شركة عامة. وقد أدى هذا التراجع الدراماتيكي أيضًا إلى فقدان مانويل فيلار لقب أغنى رجل في الفلبين. حيث بلغت ثروته حاليًا 5.6 مليار دولار أمريكي وفق مؤشر بلومبرج للمليارديرات، متجاوزًا عليه الملياردير إنريكي رازُون.
وفي سياق الأزمة، أوضحت جولدن إم في للجهات التنظيمية في 14 و17 نوفمبر أنها لا تعرف سبب الانخفاض الحاد في السهم. وذلك وفقًا للوثائق الرسمية. ولم يرد ممثل الشركة على طلب التعليق، الأمر الذي زاد من غموض الأزمة. وأثار مخاوف المستثمرين المحليين والدوليين بشأن الشفافية ومستقبل الشركة.
تحليل أسباب الانخفاض
كما يرى محللون أن عودة السهم للتداول بعد التوقف الطويل، لا سيما عندما يكون مرتبطًا بملياردير بارز مثل ماني فيلار. تدفع المستثمرين إلى إعادة تقييم السعر مقارنة بأساسيات الشركة الفعلية. وفي هذا الجانب، قال توبي ألان أرسيه؛ محلل في شركة جلوبالينكس للأوراق المالية والأسهم: “يبدو أن السوق خلص إلى أن تقييم الشركة قبل التوقف كان مبالغًا فيه بشكلٍ كبير ومفرط.”
وكانت الجهات التنظيمية قد أوقفت التداول في مايو الماضي، وذلك بعد فشل الشركة في تقديم نتائجها المالية بسبب خلاف مع مدقق الحسابات. ودار الخلاف حول تقييم قطعة أرض اشترتها جولدن إم في من مؤسسها بمبلغ 93 مليون دولار. لكنها أعادت تقييمها لاحقًا لتصل إلى 23.3 مليار دولار. وقد أثارت هذه العملية حيرة مجتمع المال والأعمال في مانيلا، لا سيما بعد أن ارتفعت نسبة السعر إلى الأرباح للشركة إلى ما يزيد عن 1000. ما جعل تقييم الشركة قبل التوقف يبدو غير منطقي.
ويسيطر فيلار والأطراف المرتبطة به على 89% من أسهم الشركة. وهو ما يجعل تأثير هذه الانخفاضات على ثروته الشخصية كبيرًا للغاية ومباشرًا. إذ فقد موقعه كأغنى رجل في البلاد، في وقت تعد جولدن إم في إحدى الشركات الرائدة في تطوير العقارات والمشاريع الكبرى في الفلبين.

إجراءات الشركة لتصحيح مسار التقييم
وفي تقريرها السنوي لعام 2024، الذي قدمته الأسبوع الماضي، أكدت جولدن إم في أنها وافقت على تقييم الأرض باستخدام الطريقة التي اقترحها مدققو الحسابات الخارجيون. وهو ما أسفر عن قيمة أقرب إلى السعر الأصلي الذي دفعته الشركة مقابل الأرض، بهدف تصحيح الانحراف الكبير الذي حدث في التقييم السابق.
وتعمل جولدن إم في في تطوير وإدارة المقابر والحدائق التذكارية والمساكن منخفضة التكلفة. كما تقوم الشركة بتطوير مشروع مدينة فيلار، الذي تهدف من خلاله إلى تحويل مجموعة من المدن في جنوب مانيلا إلى “مركز جذب جديد” للعاصمة. مع إدراج الأراضي التي استحوذت عليها العام الماضي ضمن هذا المشروع الطموح، والذي يتوقع أن يكون أحد أكبر المشاريع العمرانية في المنطقة.
ويأتي هذا التطور في وقت يشهد فيه قطاع العقارات الفلبيني تحولات كبيرة؛ حيث يركز المستثمرون على المشاريع طويلة المدى التي تجمع بين التطوير العمراني والخدمات المجتمعية. فيما يبقى سوق الأسهم عرضة لتقلبات حادة في الشركات التي تعتمد على تقييمات مبالغ فيها أو صفقات داخلية.
انعكاسات الهبوط على المستثمرين
أدى الانخفاض الحاد في أسهم جولدن إم في إلى فقدان ثقة المستثمرين. وهو ما يعكس مخاطر الارتفاعات المبالغ فيها في الأسهم. لا سيما تلك المرتبطة بمليارديرات معروفين، كما يوضح التحليل الاقتصادي أهمية الشفافية في الإفصاح المالي وتقييم الأصول بشكل دقيق.
ويؤكد خبراء السوق أن الأزمة الحالية لن تؤثر فقط على ثروة مانويل فيلار الشخصية. بل قد تمتد انعكاساتها لتشمل الشركات التابعة والمستثمرين الذين ارتبطت محافظهم بأسهم جولدن إم في. ما يسلط الضوء على أهمية الحوكمة الرشيدة والإدارة المالية الصارمة لتفادي مثل هذه الخسائر الكبيرة.
كما يعد هذا الانحدار درسًا في تقييم الأسهم المبالغ فيه؛ حيث يتضح أن الأسواق لا تقبل الأسعار المرتفعة دون مبررات مالية قوية. وأن المستثمرين يميلون إلى إعادة تقييم الشركات بمجرد عودة التداول بعد أي توقف. لا سيما إذا كانت الشركة مرتبطة بشخصيات بارزة ذات تأثير كبير على سعر السهم.


