إذا اتخذ المديريون قرارات إستراتيجية على عكس رغبتك، ستجد نفسك أمام مفارقة قيادية حقيقية. ولكن كيف تحافظ على مبادئك وقيمك، وفي الوقت نفسه تنفذ قرارًا يتناقض معها؟
فعلى سبيل المثال، واجهت “إميلي”، نائبة رئيس الموارد البشرية في شركة عالمية للرعاية الصحية عملنا معها، هذه العقبة عندما أعلن الرئيس التنفيذي لشركتها إعادة هيكلة شاملة «لتحقيق التوافق العالمي».
قبل 18 شهرًا من ذلك القرار، انضمت إميلي إلى الشركة لإعادة بناء إدارة تعاني من تراجع حاد. حيث نجحت في استقطاب قيادات قوية، وتوحيد الفريق حول هدف مشترك، ووضع استراتيجية أصبحت لاحقًا نموذجًا يحتذى به في مناطق أخرى.
كذلك، ازدهر الفريق وحقق نتائج لافتة. حيث أصدر توجيه مفاجئ من الإدارة العليا يقضي بإلزام جميع الموظفين دون مستوى نائب الرئيس بإعادة التقدم لوظائفهم عبر مقابلات جديدة.
بالتالي، أكدت إميلي أن هذا القرار غير ضروري وربما مدمر. حيث يهدد استقرار فريق أعادت بناءه بصعوبة. ويضعها في موقف إيصال رسالة لا تؤمن بها. لكنها فرضت عليها باعتبارها جزءًا أساسيًا من “تحول الشركة” كما يراه الرئيس التنفيذي.
عندما تسعى المؤسسات إلى تنفيذ استراتيجيات كبرى دون إشراك القادة الأقرب إلى طبيعة العمل. فهي تقوض الثقة وتضعف النتائج معًا. فهؤلاء القادة هم الأقدر على استشراف المخاطر، واختبار الافتراضات، وصياغة تنفيذ فعال للتغيير.
علاوة على ذلك، أظهرت دراسات شركة ماكينزي أن أقل من ثلث مبادرات التحول المؤسسي تحقق أهدافها. حيث يعتمد ذلك بدرجة كبيرة على شعور الموظفين بأنهم جزء من القرار.
وعندما يشعر العاملون بأن آراءهم مسموعة، يرتفع مستوى التفاعل الوظيفي. كما أن التواصل الواضح بشأن كيفية اتخاذ القرارات يعزز الثقة. لذا، توضح مؤسسة غالوب أن الفرق عالية التفاعل تحقق إنتاجية أعلى بنسبة 18% وربحية أعلى بنسبة 23%.
من ناحية أخرى، تشير تقارير ديلويت إلى أن التغيير المستمر، تضارب الأولويات، زيادة التوقعات تفرض ضغوطًا كبيرة على القادة. حيث أكدت التقارير أن أربعة من كل عشرة موظفين ومديرين وتنفيذيين إنهم يشعرون «دائمًا» أو «غالبًا» بالإرهاق أو التوتر.
وبحسب موقع Harvard Business Review، واستنادًا إلى سياسات القيادات التنفيذية العليا (جيني بصفتها مستشارة تنفيذية ومتخصصة في التعلم والتطوير، وكاثرين كمدربة تنفيذية ومدربة فرق). نستعرض أربع إستراتيجيات تساعد القادة على الحفاظ على النزاهة والتأثير والفاعلية عندما يطلب منهم تنفيذ قرار يعارضونه بشدة.
إستراتيجية العمل التي لا يمكن معارضتها
الاستقرار الذاتي أولًا
كثير من القادة يتجاوزون هذه الخطوة، وينتقلون مباشرة إلى التفاصيل التنفيذية وهم يحملون مشاعر غير معالجة من الإحباط أو الذنب. غير أن الاستقرار العاطفي هو الأساس الذي يتيح الوضوح الاستراتيجي.
ولكن عند اتخاذ قرار لا يمكنك التراجع عنه، فإن مهمتك الأولى ليست إصلاحه، بل استعادة توازنك الداخلي.
في البداية، غمرت إميلي مشاعر الصدمة والذنب. فقد كانت هي من وظفت معظم أعضاء فريقها، وأصبحت الآن مطالبة بإبلاغهم بأن جميع الوظائف ستلغى.
كذلك، لن يستوعب الهيكل الجديد سوى عدد محدود من المناصب، ومن المفترض أن يتم فتح باب التقديم من جديد. وعلى كل شخص أن يخوض مقابلة للحصول على مكانه في الفريق المعاد تصميمه.
لذا، أدركت إميلي أن إعادة الهيكلة ستتم سواء وافقت أم لا. وكان خيارها الحقيقي هو كيفية التعامل مع الموقف: هل تنسحب محبطة أم تحاول تحسين التجربة على الآخرين؟
وقالت إيميلي لاحقًا: «إذا لم أستطع تغيير القرار، فعلى الأقل يمكنني تغيير طريقة عيش الناس له».
هذا التحول، من المقاومة إلى تحمل المسؤولية، مكنها من التصرف بنزاهة وتعاطف حتى تحت الضغط. وكان استقرارها الذاتي هو الأساس لأي تصرف حكيم لاحق.
القبول لا يعني الموافقة، بل هو واقعية إستراتيجية. على القادة أن يتراجعوا خطوة إلى الخلف، وأن “يصعدوا إلى الشرفة” لرؤية الصورة الكلية بموضوعية: ما الحقائق، وما تفسيري الشخصي؟ ما الذي لا يمكن تغييره، وأين ما زالت هناك مساحة للقيادة؟ إن ضبط المشاعر قبل المضي قدمًا يساعدك على التركيز على ما يمكنك التأثير فيه بدل الانشغال بما خرج عن سيطرتك.
تحديد الأولويات
بعد استعادة التوازن، يحول القادة الفعالون تركيزهم من الإحباط إلى الدفع إلى الأمام. وعندما يسود الغموض، تصبح الأولويات فعلًا قياديًا بامتياز.
خلال تلك الأسابيع، اتخذت إميلي قرارًا واعيًا بتوجيه طاقتها المحدودة نحو ما هو أكثر أهمية.
كما حددت فواصل واضحة بين ما هو حاسم للمهمة وما هو ثانوي. كذلك، اجتمعت مع مديرها المباشر لمناقشة المفاضلات، وأوضحت كيف تستهلك بعض المهام منخفضة القيمة وقتًا ثمينًا. وتوافقا معًا على التركيز على الأعمال الأكثر تأثيرًا في إنجاح إعادة الهيكلة.
لذا، هذا الوضوح مكنها من رفض مكالمات متأخرة وأعمال في عطلات نهاية الأسبوع لا تخدم الهدف الأساسي أو دعم الفريق. ومن خلال الحفاظ على طاقتها للمحادثات والقرارات عالية التأثير، قادت بهدوء بدل ردود الفعل، وحافظت على التعاطف وحسن التقدير في وقت كان فريقها في أمس الحاجة إليهما.
وفي حواراتها مع الرئيس التنفيذي وكبار القادة، أعادت صياغة اعتراضاتها على شكل أسئلة بناءة، مثل: «هل يمكنكم مساعدتي على فهم كيف سنحافظ على الروح المعنوية خلال عملية إعادة المقابلات؟»
ويذكر أن هذا الأسلوب أبقاها جزءًا من الحل بدل أن تنظر إليها كمقاومة للتغيير. كما تعتبر حمايتها لوقتها وتركيزها في الوقت ذاته حماية لمصداقيتها.
من ناحية أخرى، أفادت أبحاث غالوب بأن المديرين مسؤولون عن نحو 70% من التباين في مستويات تفاعل الفرق، وأن معالجة ضغوط المديرين والإرهاق الوظيفي أمر أساسي لتحسين الإدارة اليومية.
كذلك لا يعني ترتيب الأولويات القيام بمهام أقل، بل توجيه الجهد نحو ما هو أساسي، وتنفيذه بإتقان.
وبالاستناد إلى إطار “القيادة المتمحورة” لماكينزي، يمكن للقادة استخدام التقييم الذاتي التالي للحفاظ على التركيز والطاقة خلال فترات التحدي والتغيير.
فالقادة الذين يحسنوا استغلال طاقتهم بوعي يجسدون المرونة للآخرين، ويحدوا من انتشار الإرهاق النفسي عبر المؤسسة. حيث يتيح الحفاظ على طاقة مستقرة التفكير بوضوح، التصرف بقصد، بجانب الاستمرار في الأداء عندما يكون الأمر أكثر أهمية.
قيادة المرحلة الانتقالية بنجاح
بعد أن تستعيد توازنك، تأتي الخطوة التالية. ألا وهي مساعدة فريقك على استعادة توازنه.
كما أظهرت الدراسات أن عمليات إعادة الهيكلة الناجحة تحقق توازن بين السرعة والاستقرار. ذلك عبر إطلاق هياكل مرنة ومتكيفة. بجانب أنظمة تشغيل واضحة ومتسقة.
كذلك فإن القادة الذين يشركون الموظفين مبكرًا، ويوضحون المسؤوليات، ويحافظون على اتساق الرسائل، تزيد فرص نجاحهم بما يصل إلى سبعة أضعاف.
علاوة على ذلك، لم تستطع إميلي إيقاف إعادة الهيكلة. بل تمكنت من التأثير في كيفية تنفيذها وكيف سيعيشها فريقها. لذا، تعاونت مع شركاء الموارد البشرية لضمان أن تكون عملية المقابلات شفافة وعادلة ومصاغة بعناية.
كما دافعت عن خيارات التنقل الداخلي، بحيث يتمكن الموظفون المتأثرون من البقاء داخل الشركة متى أمكن ذلك.
وأصبح سؤالها المحوري: إذا كان هذا التغيير حتميًا، فكيف أجعله أكثر إنسانية؟ ومن خلال التركيز على جودة التنفيذ والأثر الإنساني، حافظت إميلي على الثقة، وقللت الاضطراب، وقدّمت نموذجًا لقيادة ناضجة في ظروف لم تخترها.
وعلى الرغم من أن القادة نادرا ما يتحكموا في كل القرارات، إلا أنهم يختاروا كيف يظهرون أثناء التنفيذ.
بينما يمكن للقادة تحويل الامتثال القسري إلى التزام حقيقي، وترك إرث من الثقة حتى في أصعب مراحل التغيير. ذلك من خلال إدارة التغيير بتعاطف ودقة واتساق.
بناء ثقة فريق العمل
ففي أوقات عدم التوافق، تصبح الثقة أثمن عملة يمتلكها القائد. كما يظهر مؤشر الثقة الصادر عن إيدلمان أن الموظفين يثمنون العدالة والشفافية والصدق في تواصل مؤسساتهم. حيث إن القادة الذين يقدموا وضوحًا واتساقًا يكسبون المصداقية اللازمة لعبور المراحل الصعبة.
سارت إميلي على هذا الخط الدقيق بين الشفافية والولاء بحذر. شاركت ما تستطيع مشاركته، واعترفت بما هو غير معروف، وحافظت على نبرة وحضور متسقين.
كما أجرت لقاءات فردية، وقدمت دعمًا في إعداد السير الذاتية، وتعاونت مع زملاء عبر الشركة لمساعدة الموظفين المتأثرين في العثور على أدوار جديدة.
علاوة على ذلك، قدمت تحديثات منتظمة وموضوعية مع الرئيس التنفيذي وكبار القادة. والتي تضمنت الإشارة إلى مخاطر تراجع المعنويات، مع الالتزام الصارم بالتنفيذ.
كذلك بناء الثقة يعتمد على الوضوح والاستمرارية والاهتمام الحقيقي،وليس بالموافقة على كل قرار، ما يعني التواصل بصراحة، الالتزام بالوعود، بجانب إظهار الاحترام لمن يتأثرون بالقرارات.
المصدر: Harvard Business Review


