يشهد الذهب موجة صعود استسنائية بكل المقاييس خلال عام 2025؛ ما يعد إشارة تحذير بشأن الأوضاع الاقتصادية والسياسية في العالم. فعلى سبيل المثال، ارتفع سعر الذهب خلال الأسبوع الجاري ليتجاوز 4,000 دولار للأونصة. في حين يراهن بعض المستثمرين في “وول ستريت” على أن موجة الصعود لم تبلغ ذروتها بعد.
وعادةً، لا يتجه المستثمرون إلى الذهب في أوقات الرخاء؛ بل عندما يشعرون بأن العالم يمر بحالة اضطراب. وعلى مدار عقود، يعتبر الغالبية الذهب ملاذًا آمنًا خلال فترات الضغوط الاقتصادية والمخاوف المرتبطة بالتضخم.
الذهب.. صعود غير مألوف
تعد مكاسب الذهب في عام 2025 تاريخية؛ حيث تجاوزت المكاسب المسجلة خلال فترات اضطراب كبرى. مثل ما بعد هجمات 11 سبتمبر، أو الأزمة المالية العالمية في 2008، أو حتى خلال جائحة كورونا.
وبحسب بيانات “FactSet”، ارتفع الذهب بواقع 54 % منذ بداية العام؛ ما يضعه على المسار لتحقيق أفضل أداء سنوي له منذ عام 1979.
وجدير بالذكر أن تلك الحقبة شهدت تضخمًا من رقمين في الولايات المتحدة وأزمة طاقة خانقة، لكن ما يميز موجة الصعود الحالية للذهب هو أنها تأتي بالتزامن مع ازدهار سوق الأسهم. حيث ضخ المستثمرون مبالغ ضخمة في عدد محدود من شركات التكنولوجيا العملاقة. التي باتت تقود السوق بأكمله نحو الارتفاع.
وفي السياق ذاته، قال ديفيد كوتوك؛ الشريك المؤسس لشركة “Cumberland Advisors” الاستثمارية: “سوق الأسهم والذهب يسيران على إيقاع طبولين مختلفين تمامًا”.
تزايد الطلب العالمي
ويعكس الارتفاع القوي في أسعار الذهب حالة القلق بشأن الاقتصاد العالمي واستمرار المخاوف من التضخم، الذي ظل أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي الأميركي البالغ 2 % على مدار السنوات الأربع والنصف الماضية.
علاوة على ذلك، فرضت الولايات المتحدة زيادة في الرسوم الجمركية إلى أعلى مستوى منذ الكساد العظيم. بينما أيد رئيس وزراء اليابان المرتقب سياسة خفض أسعار الفائدة وزيادة الاقتراض.
كذلك زاد سعر الذهب بواقع 5 % خلال الشهر الجاري فقط. ذلك بالتزامن مع قرار إغلاق الحكومة الأمريكية في تعطيل صدور بيانات اقتصادية رئيسة، ما ترك المستثمرين ومسؤولي الاحتياطي الفيدرالي في حالة ضبابية بشأن الوضع الحقيقي للاقتصاد. وبالتالي، اتجه المستثمرون بقوة نحو أصل غير مرتبط بحكومة واحدة: “الذهب”.
كذلك، قالت كريستالينا غورغييفا؛ المديرة العامة لـ صندوق النقد الدولي، في خطاب ألقته اليوم الأربعاء: “لم يتم اختبار متانة الاقتصاد العالمي بالكامل بعد، وهناك مؤشرات مقلقة على أن هذا الاختبار قد يكون وشيكاً. يكفي النظر إلى الطلب العالمي المتسارع على الذهب”.

تراجع الدولار
من ناحية أخرى، تعد أحد أبرز المحركات لارتفاع أسعار الذهب هو أن الدولار الأميركي يمر بأحد أسوأ أعوامه منذ عقود؛ لذا، دفع ضعف الدولار المستثمرين إلى إعادة النظر في مكانته الراسخة باعتباره ملاذًا آمنًا عالميًا.
وفي السياق ذاته، تتزايد مشتريات البنوك المركزية من الذهب حول العالم، وهو اتجاه اكتسب زخمًا بعد أن فرضت واشنطن وحلفاؤها عقوبات على روسيا عقب غزوها لأوكرانيا. والتي تضمنت تجميد أصول روسية محتفظ بها في الولايات المتحدة.
كذلك، أثارت تلك العقوبات تساؤلات إضافية لدى المسؤولين الأجانب حول أين ينبغي الاحتفاظ بالاحتياطيات المالية.
توقعات بمزيد من الارتفاع
وفي السياق ذاته، أوضحت غولدمان ساكس هذا الأسبوع لعملائها إن الذهب قد يصل إلى 4,900 دولار للأونصة بحلول نهاية العام المقبل. مشددة على تزايد الطلب من قبل البنوك المركزية والمستثمرين الأفراد. بجانب وجود تخفيضات مرتقبة في أسعار الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي.
من جهته، قال كين غريفين؛ الملياردير ومدير صندوق التحوط، والذي دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة، إن الأمر «مقلق للغاية» أن يبدأ المستثمرون في النظر إلى الذهب باعتباره أكثر أمانًا من الدولار الأمريكي”.
وأضاف غريفين في تصريحات لوكالة “بلومبرغ”: “نحن نشهد تضخمًا كبيرًا في الأصول بعيدًا عن الدولار، مع بحث الناس عن طرق فعالة لتقليل الاعتماد عليه أو الخروج من هيمنته”.
كما يعكس هذا التحول العميق في توجهات المستثمرين سبب اعتبار عام 2025 أحد أكثر الأعوام استثنائية في تاريخ الذهب. ذلك بالتزامن مع عالم يتسم بعدم اليقين الاقتصادي وتزايد الشكوك حول مستقبل العملات والأسواق التقليدية.
وفي السياق ذاته، تجاوزت مكاسب المعدن الأصفر منذ بداية العام الجاري 64%، محطمًا عددًا من المستويات القياسية، ليصبح واحدًا من أفضل الأصول أداءً في عام 2025. مدفوعًا بتزايد الطلب عليه كملاذ آمن في فترات عدم اليقين الاقتصادي.
المصدر: CNN


