لم يكن 2008 عامًا عاديًا بالنسبة لـ «ريك سينكو»، الأب العازب الذي فقد وظيفته ولم يكن يملك سوى مبلغ ضئيل بالكاد يكفي لاحتياجاته الأساسية. كان “مفلسًا تمامًا”، كما يصف حالته، يبحث عن أي فرصة تتيح له كسب دخل يساعده على إعالة طفله البالغ من العمر خمس سنوات. وبينما كان يحاول إصلاح هاتفه المحمول المكسور بأقل تكلفة ممكنة، قادته الصدفة إلى اللحظة التي غيّرت حياته بالكامل.
وبينما كان يتصفح موقع eBay بحثًا عن هاتف مستعمل بسعر مقبول، لاحظ أن الهاتف ذاته معروض على منصة Craigslist بسعر أقل بكثير. تلك المقارنة السريعة بين سعرين لنفس السلعة شكّلت بالنسبة له «خللًا في المصفوفة»، كما وصف الأمر لاحقًا. فقد اشترى الهاتف مقابل 35 دولارًا ثم أعاد بيعه مقابل 70 دولارًا. محققًا ربحًا فوريًا جعله يدرك أن أمامه فرصة حقيقية.
كانت تلك اللحظة بداية طريق طويل لم يكن يتوقع أنه سيقوده لاحقًا إلى بناء واحدة من أكبر إمبراطوريات إعادة بيع السلع المستعملة عبر الإنترنت. وتحقيق ملايين الدولارات سنويًا بفضل رؤية بسيطة: «اشترِ بسعر منخفض، وبِع بسعر أعلى».

البدايات الصعبة
بعد نجاحه الأول، شعر «ريك سينكو» بأن هناك فرصة تستحق المتابعة. بدأ بالتنقل بين أسواق السلع المستعملة، ومتاجر التوفير، والمرائب، والبحث عن الأجهزة منخفضة السعر التي يمكن بيعها سريعًا على eBay. ولأنه كان مدفوعًا بالمسؤولية الكبيرة تجاه طفله، كان يعمل ساعات مرهقة تصل إلى 20 ساعة يوميًا.
ترافقت تلك الجهود مع بحث مكثّف عن العلامات التجارية الأكثر طلبًا، والمنتجات التي تتوافق مع اتجاهات السوق، والسلع التي يمكن بيعها بسهولة دون مخاطر كبيرة. ورغم أن دخله في تلك المرحلة لم يكن كبيرًا، فإن معرفته المتراكمة وقدرته على قراءة السوق بدأت تنعكس تدريجيًا على أرباحه.
وبحلول عام 2010، وبعد عامين فقط من بدء مسيرته، تجاوز دخله 100 ألف دولار سنويًا. وهو رقم ضخم مقارنة بوضعه السابق. ويرجع ذلك إلى إستراتيجية بسيطة لكنها فعّالة: “التعلّم المستمر، وإعادة البيع السريع، والالتزام اليومي بالعمل”.
من الإلكترونيات إلى الملابس المستعملة
ورغم أن «ريك سينكو» بدأ رحلته في عالم الإلكترونيات، إلا أنه لاحظ أن هذا النوع من المنتجات يتطلب دعمًا مستمرًا للعملاء بسبب احتمالية الأعطال أو عيوب الشحن. وهنا قرر إجراء التحوّل الأكبر في مسيرته: الاتجاه إلى الملابس المستعملة. فقد اكتشف أن الملابس لا تتعطل، ولا تتطلب صيانة، ويمكن بيعها بسهولة. كما أن الكثيرين يجهلون القيمة الحقيقية لبعض العلامات مثل Polo Ralph Lauren أو Nike أو Levi’s.
كانت الأسواق الشعبية في جنوب فلوريدا المكان المثالي له؛ حيث كان يبدأ يومه قبل الفجر ويقضي ساعات طويلة في فرز أكوام من الملابس لاكتشاف القطع التي يمكن بيعها بأرباح جيدة. وفي كثير من الأحيان كانت القطع القيمة تنتشر على الأرض في أكوام مهملة لا يلتفت إليها أحد. لكنه كان يمتلك عينًا خبيرة تستطيع تحديد ما يستحق الشراء.
هذه المرحلة كانت نقطة انعطاف، فقد تضاعفت أرباحه بشكلٍ كبيرٍ، وارتفع عدد السلع التي يبيعها يوميًا إلى أكثر من 250 قطعة. ما استدعى لاحقًا الاستعانة بموظفين لمساعدته في التصوير والإدراج والشحن.
التحول إلى بائع جملة
وما بين 2017 و2023، ارتفعت مبيعات سينكو على eBay من 500 ألف دولار إلى أكثر من 2.5 مليون دولار سنويًا، وفق الوثائق التي استعرضتها CNBC. ورغم هذا النجاح الكبير، شعر سينكو أنه وصل إلى الحد الأقصى من القدرة على الإدراج والبيع اليومي. إذ لا يمكنه بيع أكثر من عدد محدود حتى لو عمل لساعات أطول.
هذا الشعور دفعه للتفكير في مرحلة جديدة من تطوير مشروعه. فبدلًا من بيع كل قطعة على حدة، قرر التحول إلى نموذج عمل مختلف بالكامل يعتمد على البيع بالجملة.
إطلاق Technsports
وفي مطلع الربع الثاني من عام 2023، أسس «ريك سينكو» شركة Technsports، وهي شركة لبيع الملابس المستعملة بالجملة لمعيدي البيع المحترفين. وبدلًا من بيع 250 قطعة يوميًا للمستهلكين، أصبح يبيع أحيانًا 5000 قطعة يوميًا لتجار آخرين. فبعض العملاء يشترون ما يصل إلى 1000 قطعة أسبوعيًا.
وبهذا النموذج الجديد، تحوّل المخزون نفسه إلى أهم أصول المشروع. ولم يعد سينكو بحاجة لأداء كل المهام بنفسه. فالمشترون يعيدون فرز الملابس بأنفسهم ويبيعون القطع التي تناسب أسواقهم.
وبفضل القيادة الحكيمة والخبرة الواسعة، حققت شركة Technsports إنجازًا ماليًا لافتًا في عام 2024؛ حيث تجاوزت إيراداتها 6.5 ملايين دولار بهامش ربح مرتفع بلغ 50% للقطعة الواحدة. وهو ما يعد دليلًا قاطعًا على نجاح إستراتيجية التحول المحورية من نموذج البيع بالتجزئة إلى البيع بالجملة.

رحلة الصمود وتحقيق الاستقرار المالي
في خضمّ كل ذلك، لم ينسَ سينكو وعدًا قديمًا قطعه لزوجته، وهو أن يعمل بكل ما يملك من طاقة إلى أن يتخرج ابنه من المدرسة الثانوية، ثم يبدأ حياة أكثر هدوءًا. وبالفعل، بعد سنوات طويلة من العمل المتواصل دون أي إجازة، سافر مع زوجته إلى عدة ولايات أميركية. منها نيويورك وكاليفورنيا ولاس فيجاس، في محاولة لتعويض سنوات العمل الشاق.
ولكن رغم ذلك، يعترف سينكو بأنه غير قادر على التوقف عن العمل فعليًا. فحبّه للمنافسة، ورغبته في الاستمرار في تطوير Technsports، وشعوره بأنه قادر على تحقيق المزيد، كلها عوامل تجعل «الراحة» أمرًا صعبًا بالنسبة له.


