شهدت الأسواق المالية العالمية تقلبات حادة في تعاملات اليوم الخميس، مع تراجع واسع في الأسهم الآسيوية وتزايد الضغوط على قطاع التكنولوجيا، في ظل تجدد المخاوف المرتبطة بحجم الإنفاق الضخم على تقنيات الذكاء الاصطناعي، بالتزامن مع استعداد المستثمرين لموجة مكثفة من اجتماعات البنوك المركزية حول العالم، وهي اجتماعات ينتظر أن تسلط الضوء على تباين السياسات النقدية بين الاقتصادات الكبرى.
وفي هذا السياق، أشارت تقارير الأسواق -نقلًا عن رويترز- إلى أن حالة الحذر سيطرت على المستثمرين مع بداية الجلسات الآسيوية. إذ تراجعت مؤشرات رئيسية متأثرة بخسائر قطاع التكنولوجيا. بينما اتجهت الأنظار إلى قرارات نقدية مرتقبة من الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. وسط توقعات بأن تستمر حالة عدم اليقين بشأن مسار أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة. ما عزز من تقلبات الأسواق المالية العالمية.
بينما لم تقتصر هذه الضغوط على أسواق الأسهم فقط، بل امتدت أيضًا إلى أسواق السلع والعملات. حيث تفاعلت أسعار النفط والمعادن النفيسة بقوة مع المستجدات السياسية والاقتصادية. في وقت يحاول فيه المستثمرون إعادة تقييم المخاطر والفرص. لا سيما في ظل تصاعد المخاوف بشأن سلاسل الإمداد والطاقة، واستمرار الجدل حول آفاق النمو العالمي.
تراجع الأسهم الآسيوية وضغوط قطاع التكنولوجيا
كما سجلت الأسهم الآسيوية تراجعًا ملحوظًا؛ إذ انخفض أوسع مؤشر لأسهم آسيا. والمحيط الهادئ خارج اليابان الصادر عن «MSCI» بنسبة 0.3%. في حين هبط مؤشر كوريا الجنوبية بنسبة 1.2%، وتراجع مؤشر «هانج سنج» في هونج كونج بنسبة 0.4%. كما سجل مؤشر «نيكاي» الياباني خسارة بلغت 1.1%. كما يعكس هذا الأداء الضعيف حالة القلق السائدة بين المستثمرين تجاه مستقبل قطاع التكنولوجيا، خاصة مع تزايد التساؤلات حول استدامة الإنفاق المرتفع على الذكاء الاصطناعي.
بينما على صعيد مماثل، امتدت أجواء الحذر إلى العقود الآجلة للأسواق الأوروبية؛ حيث تراجعت العقود الآجلة لمؤشر «يورو ستوكس 50». ومؤشر «فايننشال تايمز» بنسبة 0.1% لكل منهما. ما يشير إلى توقعات ببداية ضعيفة للتداولات الأوروبية. في المقابل، سجلت العقود الآجلة لمؤشر «ناسداك» ارتفاعًا بنسبة 0.3%. كما صعدت العقود الآجلة لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 0.1%. رغم موجة بيع قوية قادها قطاع التكنولوجيا في وول ستريت.
بينما في هذا الإطار، تكبدت أسهم شركة «إنفيديا» خسارة حادة بلغت 3.8%، باعتبارها من أبرز الشركات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. في حين تراجعت أسهم «أوراكل» بنسبة 5.4% بعد إعلانها عن صفقة أسهم لدعم مشروع مركز بيانات دون إشراك شريك رئيسي، لتفقد الشركة نحو 50% من قيمتها السوقية منذ منتصف سبتمبر. رغم صعود سابق بنسبة 35% في يوم واحد عقب إعلان شراكة مع «OpenAI».
البنوك المركزية والتباين في السياسات النقدية
كما تتجه أنظار المستثمرين إلى اجتماعات البنوك المركزية العالمية، حيث من المنتظر أن يعلن البنك المركزي الأوروبي. وبنك النرويج، وبنك السويد قراراتهم بشأن السياسة النقدية، وسط توقعات واسعة بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير. وفي الوقت نفسه، يستعد المتعاملون لاحتمال رفع أسعار الفائدة في اليابان يوم الجمعة القادم، مع استمرار الغموض بشأن وتيرة التشديد النقدي خلال العام المقبل.
بينما أما في الولايات المتحدة، فقد أشار كريستوفر والر، محافظ الاحتياطي الفيدرالي، إلى أن البنك المركزي يمتلك مجالًا لخفض أسعار الفائدة في ظل مؤشرات على ضعف سوق العمل. وجاءت هذه التصريحات في وقت قال فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن رئيس الاحتياطي الفيدرالي المقبل يكون شخصًا يؤمن بخفض أسعار الفائدة «بشكل كبير». رغم أن الفيدرالي كان قد لمح إلى خفض واحد فقط خلال العام المقبل.
وفي سياق متصل، يترقب المستثمرون صدور تقرير التضخم الأميركي لشهر نوفمبر، وسط توقعات بارتفاع سنوي في التضخم الأساسي بنسبة 3%. علمًا بأن التقرير لن يتضمن القراءة الشهرية نتيجة إغلاق حكومي قياسي حال دون جمع بيانات شهر أكتوبر. ما يزيد من حالة الترقب في الأسواق المالية العالمية.
تحركات العملات وأسواق السلع العالمية
بينما على صعيد العملات، استقر الجنيه الإسترليني عند 1.3370 دولار، بعدما تراجع إلى 1.3313 دولار خلال تعاملات الليل، عقب بيانات أظهرت هبوط التضخم في بريطانيا إلى 3.2% في نوفمبر. وهو أدنى مستوى منذ مارس، الأمر الذي عزز التوقعات بخفض أسعار الفائدة من جانب بنك إنجلترا، بنسبة تسعير تقترب من 98%. وفي المقابل، استقر اليورو عند 1.1742 دولار، قريبًا من أعلى مستوى في ثلاثة أشهر عند 1.18 دولار، قبيل قرار البنك المركزي الأوروبي.
وفي سوق السندات، سجلت سندات الخزانة الأميركية ارتفاعًا طفيفًا؛ حيث تراجع عائد السندات لأجل عامين بمقدار نقطتي أساس إلى 3.4683%. بينما انخفض عائد السندات لأجل 10 أعوام نقطة أساس واحدة إلى 4.1431%، في إشارة إلى استمرار الحذر بشأن آفاق النمو والتضخم.
أسواق السلع
وأما أسواق السلع، فقد شهدت أسعار النفط ارتفاعًا لليوم الثاني على التوالي؛ إذ صعد الخام الأميركي بنسبة 0.9% إلى 56.44 دولار للبرميل. بينما ارتفعت عقود خام برنت بنسبة 0.8% إلى 60.16 دولار للبرميل، عقب إعلان فرض «حصار» على ناقلات النفط المرتبطة بفنزويلا. إضافة إلى تقارير عن استعداد الولايات المتحدة لفرض عقوبات جديدة على النفط الروسي إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سلام بشأن أوكرانيا.
وفي المعادن النفيسة، تراجع الذهب الفوري بنسبة 0.1% إلى 4,335 دولارًا للأوقية. بينما ارتفعت الفضة بنسبة 0.3% إلى 66.5 دولارًا للأوقية، مقتربة من أعلى مستوى قياسي عند 66.88 دولارًا.
وبذلك، تعكس هذه التطورات صورة معقدة للأسواق المالية العالمية، حيث تتداخل العوامل الاقتصادية والنقدية والجيوسياسية، ما يجعل المرحلة الحالية من أكثر الفترات حساسية أمام المستثمرين، ويؤكد أن متابعة الأسواق المالية العالمية باتت ضرورة لفهم اتجاهات الاقتصاد الدولي خلال الأشهر المقبلة.



