شهدت الأسواق العالمية حالة من الترقب الحذر خلال تعاملات اليوم الأربعاء، في ظل تداخل عوامل اقتصادية وجيوسياسية متشابكة، تصدرتها بيانات أمريكية متباينة عن سوق العمل، إلى جانب تصاعد التوترات السياسية المرتبطة بأسواق الطاقة.
في حين انعكس ذلك بوضوح على تحركات الأسهم والنفط والعملات، ودفع المستثمرين إلى التحلي بالحذر في انتظار مؤشرات أكثر وضوحًا بشأن مسار أسعار الفائدة والسياسات النقدية العالمية.
وبحسب ما أوردته «رويترز» فإن أداء الأسواق العالمية جاء باهتًا نسبيًا، بعدما فشلت قراءة الوظائف الأمريكية الأخيرة في إحداث تغيير ملموس في توقعات خفض أسعار الفائدة.
وأظهرت البيانات تعافي نمو الوظائف بأكثر من المتوقع خلال شهر نوفمبر، مقابل ارتفاع معدل البطالة إلى 4.6%. وهو أعلى مستوى يسجله منذ أكثر من أربع سنوات؛ ما زاد من حالة الضبابية التي تسيطر على المشهد الاقتصادي.
وفي ضوء ذلك اتجه المستثمرون إلى التريث، مفضلين انتظار بيانات جديدة قد توفّر رؤية أوضح بشأن اتجاه الاقتصاد الأمريكي. وعلى رأسها تقرير التضخم المنتظر.
فضلًا عن ترقب قرارات عدد من البنوك المركزية الكبرى. الأمر الذي أبقى حركة الأسواق العالمية ضمن نطاقات محدودة دون اتجاه واضح.
الأسهم العالمية تتحرك في نطاق ضيق
وعلى مستوى أسواق الأسهم شهدت الأسواق العالمية تحركات طفيفة؛ حيث ارتفعت بعض المؤشرات بشكلٍ محدود، مدعومة بتجاهل نسبي لتقرير الوظائف الأمريكية غير الزراعية الصادر يوم أمس الثلاثاء. والذي لم يحمل إشارات حاسمة بشأن قوة الاقتصاد أو ضعفه.
وفي هذا السياق سجّل مؤشر MSCI الأوسع لأسهم آسيا والمحيط الهادئ خارج اليابان ارتفاعًا بنسبة 0.24%، بدعم من الأسواق الصينية. في حين صعد مؤشر نيكاي الياباني بنسبة 0.35%، ما عكس تفاؤلًا حذرًا حيال آفاق النمو في المنطقة الآسيوية.
وفي المقابل استقرت العقود الآجلة لمؤشري ناسداك وستاندرد آند بورز 500 دون تغيير يُذكر، عقب جلسة نقدية متباينة في وول ستريت. وهو ما يعكس استمرار حالة الترقب التي تهيمن على الأسواق العالمية في ظل غياب محفزات قوية.
النفط يرتفع بعد قرارات سياسية مفاجئة
وفي أسواق الطاقة سجّلت أسعار النفط ارتفاعًا ملحوظًا، بعدما أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض «حصار كامل وشامل» على جميع ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات التي تدخل وتغادر فنزويلا. ما أدى إلى تصاعد التوترات الجيوسياسية في وقت تتزايد فيه المخاوف بشأن الطلب العالمي.
وارتفعت العقود الآجلة للخام الأمريكي بنسبة 1.3% لتصل إلى 55.97 دولارًا للبرميل. بينما صعدت عقود خام برنت الآجلة بنسبة 1.15% لتسجل 59.60 دولارًا للبرميل. وهو ما ساهم في تقليص جزء من الخسائر الحادة التي تكبدتها الأسعار يوم أمس الثلاثاء.
وجاء هذا الارتفاع بعد تراجع أسعار النفط في الجلسة السابقة، على خلفية تنامي التوقعات بإمكانية التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا. الأمر الذي عزز الآمال بتخفيف العقوبات، وزيادة الإمدادات. وهو ما يبرز مدى حساسية الأسواق العالمية للتطورات السياسية.
بيانات العمل الأمريكية تثير الجدل
أما البيانات الاقتصادية الأمريكية فشكّلت محورًا رئيسًا في تحركات الأسواق العالمية. إذ أظهرت أرقام نوفمبر تعافي نمو الوظائف بعد أكبر تراجع له فيما يقرب من خمس سنوات خلال أكتوبر. غير أن ارتفاع معدل البطالة إلى 4.6% أثار تساؤلات بشأن متانة سوق العمل.
وفي هذا الإطار أشار محللون إلى أن هذه البيانات شابها قدر كبير من التشويش؛ نتيجة تأثرها بإغلاق حكومي قياسي استمر 43 يومًا. ما يجعل قراءتها بدقة أمرًا معقدًا بالنسبة للمستثمرين وصناع القرار.
ورغم هذا الغموض يتفق مراقبون على أن الاتجاه العام يشير إلى تباطؤ سوق العمل الأمريكية بوتيرة أسرع مما كان متوقعًا. وهو ما يعزز الرهانات على خفض أسعار الفائدة، ويجعل الأسواق العالمية أكثر تأثرًا بأي بيانات اقتصادية لاحقة.
توقعات الفائدة والبنوك المركزية
وفي هذا الإطار تُظهر عقود الفائدة الأمريكية الآجلة أن الأسواق لا تزال تسعّر خفضين محتملين لأسعار الفائدة خلال العام المقبل. وهو ما يعكس قناعة المستثمرين بأن أحدث بيانات سوق العمل لم تكن كافية لتغيير هذه التوقعات.
ويتطلع المستثمرون إلى صدور تقرير التضخم الأمريكي لشهر نوفمبر يوم الخميس، باعتباره المحطة الاقتصادية الأهم المقبلة. والتي قد تعيد رسم مسار السياسة النقدية الأمريكية، وتؤثر بشكل مباشر في الأسواق العالمية.
وفي مذكرة بحثية توقّع اقتصاديون أن يتم خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس مرتين خلال النصف الأول من العام المقبل، تحديدًا في اجتماعي مارس ويونيو. مع ترجيح أن تميل المخاطر نحو مزيد من التخفيضات في عام 2026.
السندات والعملات تحت ضغط الترقب
وفي أسواق الدخل الثابت استقرت عوائد سندات الخزانة الأمريكية بعد تراجعها خلال الليل؛ حيث بلغ عائد السندات لأجل 10 سنوات نحو 4.1606%. فيما سجل عائد السندات لأجل عامين 3.4995%، ما يعكس توازنًا مؤقتًا في توقعات المستثمرين.
وفي سوق العملات ظلت التحركات محدودة؛ إذ سجل الدولار مكاسب طفيفة، مقابل تراجع اليورو بنسبة 0.07% إلى 1.1739 دولار. وانخفاض الين الياباني بنسبة 0.17% إلى 154.98 ين للدولار.
كما تراجع الجنيه الإسترليني بنسبة 0.07% إلى 1.3412 دولار، قبيل صدور بيانات التضخم البريطانية. في وقت أظهرت به بيانات سابقة أن معدل البطالة في بريطانيا بلغ أعلى مستوياته منذ مطلع 2021. وأن نمو الأجور في القطاع الخاص كان الأضعف منذ نحو خمس سنوات خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في أكتوبر.
الذهب والأسواق الآسيوية
وفي الصين قفزت أسهم شركة «ميتا إكس للدوائر المتكاملة» المتخصصة في رقائق الذكاء الاصطناعي بنحو 600% خلال أولى جلسات تداولها في بورصة شنغهاي. في خطوة تعكس تسارع الصين في دعم الشركات المحلية لتقليص الاعتماد على الشركات الأمريكية الكبرى.
وعلى مستوى المؤشرات ارتفع مؤشر CSI300 للأسهم القيادية بنسبة 0.6%. فيما صعد مؤشر شنغهاي المركّب بنسبة 0.08%، وارتفع مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ بنسبة 0.07%.
وفي ختام المشهد سجل الذهب في التعاملات الفورية ارتفاعًا بنسبة 0.2% ليصل إلى 4,312.34 دولارًا للأوقية. مدعومًا بإقبال المستثمرين على الملاذات الآمنة، في ظل استمرار حالة عدم اليقين التي تهيمن على الأسواق العالمية.



