في خطوة جديدة تعكس تصاعد الرقابة الأوروبية على شركات التكنولوجيا العملاقة أعلنت هيئة المنافسة الإيطالية إغلاق تحقيقها في ممارسات جوجل المتعلقة باستخدام البيانات الشخصية.
وذلك بعد التزام الشركة بتنفيذ مجموعة من الإجراءات التصحيحية. ويأتي القرار بعد تحقيق امتد لأشهر، أُثيرت خلاله تساؤلات حول مدى شفافية جوجل في طلب موافقات المستخدمين، لا سيما فيما يتعلق بدمج البيانات عبر خدماتها المختلفة.
ويمثّل هذا التطور جزءًا من سلسلة من التحركات الأوروبية الرامية إلى تعزيز حماية المستهلك والحد من النفوذ المتزايد لشركات التكنولوجيا الكبرى. خاصة تلك التي تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على البيانات الشخصية لتقديم خدماتها الإعلانية والتجارية.
وتشير المعلومات الصادرة عن هيئة المنافسة إلى أن التحقيق في ممارسات جوجل أطلق في يوليو 2024، بعد أن رجحت الهيئة أن طلبات جوجل لمنح الموافقة قد تحتوي على «ممارسات تجارية مضلِّلة وعدوانية». وأن المعلومات المقدمة للمستخدمين كانت «غير مكتملة ومضلِّلة». ما أثار مخاوف واسعة بشأن الامتثال للقواعد الأوروبية الخاصة بحماية الخصوصية والشفافية.
مخاوف حول ممارسات «جوجل»
بدأت الأزمة عندما لاحظت هيئة المنافسة الإيطالية أن آلية طلب الموافقة التي تقدمها جوجل لمستخدميها من أجل ربط خدمات الشركة المختلفة ربما لا تكون واضحة بالشكل الكافي. وأن المستخدم يوافق على مشاركة بياناته دون فهم كامل للعواقب أو لطبيعة الاستخدام اللاحق للبيانات.
وأشارت الهيئة إلى أن الصياغات المدرجة في طلبات الموافقة يمكن أن تفهم على أنها مضلِّلة أو مبهمة، وأن بعض المستخدمين قد لا تكون لديهم القدرة على اتخاذ قرار مستنير عند الموافقة على دمج بياناتهم الشخصية.
وتضم خدمات جوجل نطاقًا واسعًا يشمل: البحث والبريد الإلكتروني والتخزين السحابي والخدمات الإعلانية والذكاء الاصطناعي. ما يزيد من حجم البيانات التي يمكن جمعها واستخدامها بطرق متقاطعة.
كما اعتبرت الهيئة أن المعلومات المقدمة للمستخدمين كانت غير كافية. وأن جوجل لم توضح بشكلٍ دقيق ما إذا كان دمج البيانات يؤدي إلى تكوين ملفات شخصية أكثر تفصيلًا تستخدم لأغراض إعلانية أو تجارية. وهو أمر يخضع لرقابة صارمة من الجهات التنظيمية الأوروبية.
«جوجل» تستجيب للضغوط
وبعد أشهر من التحقيق والحوارات التنظيمية حول ممارسات جوجل أعلنت هيئة المنافسة الإيطالية أن الشركة وافقت رسميًا على تنفيذ سلسلة من التعديلات الواسعة على طريقة طلب الموافقة من المستخدمين.
وتشمل هذه التعديلات: تقديم معلومات أكثر وضوحًا ودقة حول كيفية استخدام البيانات الشخصية. إضافة إلى شرح تبعات الموافقة على دمج البيانات واستخدامها عبر خدمات الشركة المختلفة.
علاوة على توضيح نطاق الخدمات التي سيتم فيها استخدام البيانات، بما يشمل منصات الإعلانات والبحث وYouTube وGoogle Maps وغيرها. ما يتيح للمستخدمين فهمًا أعمق لكيفية إدارة بياناتهم الشخصية.
وتعهدت جوجل بأن تكون الرسائل التي تعرض للمستخدم عند طلب الموافقة أكثر شفافية وسهولة في الفهم، وتتجنب الصياغات التي قد تفسّر على أنها تضليلية أو ضاغطة باتجاه الموافقة.
وتأتي هذه الخطوة في وقت تواجه فيه الشركة سلسلة من التحقيقات الأوروبية المماثلة، خصوصًا مع دخول قوانين “الأسواق الرقمية” و”الخدمات الرقمية” حيز التنفيذ.
انعكاسات القرار على السوق الأوروبية
وفي السياق ذاته يرجّح خبراء قانونيون وتقنيون أن يؤدي هذا القرار إلى تغيير كبير في الطريقة التي تتعامل بها شركات التكنولوجيا مع بيانات المستخدمين في أوروبا. إذ يعد هذا التحقيق واحدًا من أبرز الملفات التي تمس جوهر نموذج الأعمال القائم على البيانات.
ومن المتوقع أن يشكّل النهج الإيطالي نموذجًا قد تستند إليه جهات تنظيمية أخرى في فرنسا وألمانيا وإسبانيا. لا سيما في ظل تسابق الهيئات للإشراف على التزام الشركات بالقوانين الجديدة التي تهدف إلى الحد من الاحتكار وضمان المنافسة العادلة.
في حين يرى محللون أن التزام جوجل بهذه التعديلات قد يدفع شركات أخرى، مثل: ميتا ومايكروسوفت. إلى مراجعة سياسات الموافقة الخاصة بها. خاصة بعد الغرامات الكبيرة التي فرضها الاتحاد الأوروبي في السنوات الماضية على خلفية انتهاكات الخصوصية.
خطوة تنظيمية تعيد تشكيل العلاقة
في المحصلة يمثّل إغلاق التحقيق الإيطالي بعد تبنّي جوجل إجراءات تصحيحية خطوة مهمة في مسار تعزيز الشفافية وحماية البيانات داخل السوق الأوروبية.
ويعكس القرار إدراكًا متزايدًا لدى الجهات التنظيمية لأهمية التصدي لأي ممارسات قد تؤدي إلى انتهاك خصوصية المستخدم أو استغلال بياناته بطريقة غير مفهومة أو غير معلنة.
وبينما ترحب منظمات حماية المستهلك بهذه الإجراءات تظل الأنظار موجهة نحو كيفية تنفيذ جوجل للتعديلات. ومدى التزامها طويل الأمد بالمعايير الجديدة، في وقت يتزايد فيه النقاش حول مستقبل البيانات والذكاء الاصطناعي والخصوصية الرقمية عالميًا.



