لطالما ظل الإبداع محاطًا بهالة من الغموض، وظن البعض أنه مقتصر على فئة موهوبة دون غيرها. لكن كتاب Creative Confidence لتوم كيلي وديفيد كيلي، يقدم رؤية ملهمة ومختلفة؛ حيث يعرض بوضوح كيف يمكن لكل شخص أن يكتشف ويطور ثقته الإبداعية الكامنة.
وكيف يصبح أكثر قدرة على تبني التفكير الابتكاري الفعّال في سياقات حياته الشخصية والعملية على حد سواء.
هذا المرجع الثمين يقدم مفاهيم وأدوات عملية مستخلصة من تجارب المؤلفين المتراكمة مع شركة IDEO الرائدة عالميًا في مجال التصميم والابتكار.
ويؤكد كتاب Creative Confidence أن الإبداع ليس حكرًا على فئة معينة. بل هو في جوهره مهارة حياتية يمكن تعلمها وتنميتها بشكل منهجي، تمامًا كأي مهارة أخرى.
الثقة الإبداعية عضلة قابلة للتقوية
يركز الكتاب على أن جوهر الموضوع يكمن في “الثقة الإبداعية”. وهي القدرة العميقة على الإيمان بقدرة الفرد الذاتية على إحداث تغيير إيجابي وملموس من خلال الأفكار الإبداعية والتجريب المستمر. ويشدد المؤلفان على أن هذه الثقة تشبه إلى حد كبير العضلة، يمكن تقويتها وتدعيمها بالممارسة والتجربة المستمرة والممنهجة.
كما يحطّم المؤلفان ببراعة المفهوم السائد بأن الإبداع موهبة فطرية تولد مع الإنسان ولا يمكن اكتسابها. وعلى العكس من ذلك يريان أنها مهارة يمكن للجميع تطويرها وتحسينها بغض النظر عن خلفياتهم التعليمية أو خبراتهم السابقة. داعين إلى تبني مفهوم “التفاؤل العاجل” كمنهج حياة.
التغلب على الخوف والتعاطف
يحذر كتاب Creative Confidence بشدة من أن أخطر وأكبر عقبة تقف حاجزًا منيعًا أمام تحرير الإمكانات والطاقات الإبداعية الكامنة لدى الأفراد والمؤسسات هي بالتأكيد الخوف.
ويظهر هذا الخوف في أشكال مختلفة، أبرزها: الرهبة من الوقوع في الفشل أو الخشية المفرطة من التعرض لردود فعل سلبية أو انتقاد قاسٍ من الآخرين المحيطين. ويشدد الكتاب على أن هذا التردد هو ما يكبل خطوات المبتكرين ويمنعهم من الانطلاق.
ومن هذا المنطلق، ولأجل تجاوز هذه الحالة، هو يشجع القارئ بشدة على تبني الرغبة الجادة والاندفاع نحو التحرك السريع والتنفيذ الفوري للمشاريع. بهدف تخطي العقبات فور ظهورها بدلًا من الاستسلام لها. كما يؤكد ضرورة الإيمان العميق والراسخ بأن النجاح يبقى هدفًا ممكنًا وواقعيًا يمكن بلوغه، ما دام هناك التزام بالمحاولة والتجريب المستمر.
أما على صعيد الأسس العملية للابتكار فيشرح الكتاب بالتفصيل كيف أن التعاطف الحقيقي والعميق مع المستخدم النهائي أو العميل المستهدف يشكل القاعدة الأساسية والمنطلق الذي يجب أن يبنى عليه أي ابتكار يراد له أن يكون ناجحًا ومستدامًا على المدى الطويل.
ويتم ذلك عبر السعي الحثيث نحو تحقيق فهم عميق وواضح لاحتياجات وتجارب وحاجات الآخرين الفعلية. وبفضل هذا الفهم يتمكن المبتكر من تطوير وابتكار حلول عملية وفعالة حقًا تكون ذات تأثير ملموس. وبالتالي تلبية احتياجات حقيقية وملحة داخل السوق، مبتعدًا عن مجرد طرح أفكار نظرية بحتة لا ترتبط بالواقع.

التصميم التكراري وبناء ثقافة المخاطرة
يشجع الكتاب على اتباع منهجية التصميم التكراري والتجريب المبكر كإستراتيجية محورية. ويتحقق ذلك من خلال العمل على بناء نماذج أولية بسيطة وسريعة. ثم المبادرة لاختبارها وتحسينها باستمرار بناءً على ردود الفعل الواردة من المستخدمين.
والفكرة المحورية التي يركز عليها النص هي أن الفشل ليس نهاية المطاف أو عائقًا بالضرورة. بل هو جزء أصيل وضروري من العملية الإبداعية برمتها. وينبغي النظر إلى كل تعثر كفرصة ذهبية للتعلم واكتساب الخبرة؛ ما يدفع عملية التطوير قدمًا.
وفي سياق ذي صلة يرى كيلي أن الإبداع لا يجب أن يقتصر على قسم واحد أو فرد بعينه داخل المؤسسة. بل من الضروري أن يمتد الإبداع ليصبح جزءًا حيويًا وأساسيًا من ثقافة الشركة ككل.
ويتطلب هذا التحول فتح قنوات واضحة للتواصل الجماعي، وتشجيع المخاطرة المحسوبة، وتقبل الأخطاء كفرص للنمو، وإشاعة جو من الأمان النفسي يسمح بالتعبير الحر والواضح عن الأفكار.
أهمية الكتاب لرواد الأعمال
يقدم هذا الكتاب إرشادات قيّمة لرواد الأعمال وأصحاب المشاريع؛ حيث يشجعهم على تجربة أفكار جديدة بجرأة وعدم الخوف من الفشل المؤقت. كما يوجه القادة إلى كيفية دعم الموظفين وتحفيزهم على الابتكار عبر توفير بيئة عمل ملهمة ومغذية للإبداع.
وفي المجمل يعد كتاب Creative Confidence مرشدًا عمليًا شاملًا لتطوير القدرة على الإبداع وتحويل الأفكار المبتكرة إلى أفعال ناجحة.
ومن خلال التركيز على بناء الثقة، والتغلب على الخوف، واستخدام التعاطف والتجريب المنهجي، يمكن لأي فرد أن يعزز مهارات التفكير التصميمي لديه. ما يساهم في تحقيق الابتكار والاستدامة المهنية والشخصية.


