في محاولة حاسمة لوقف انتشار المحتوى المضلل عبر المنصات الرقمية، وجه المستثمر الأسطوري وارن بافيت رسالة مباشرة وقوية إلى جميع الأشخاص الذين ينشئون أو يشاهدون مقاطع فيديو تحتوي على تقليدٍ له باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، مفادها: “لا يوجد سوى عرّاف واحد لأوماها”.
ووفقًا لما أوردته “رويترز” في تقريرٍ لها نشرته يوم الخميس الماضي، أعلنت شركة بيركشاير هاثاواي أن مقاطع فيديو تستخدم صورًا مولدة بالذكاء الاصطناعي للرئيس التنفيذي المخضرم للشركة تنتشر بشكلٍ واسع على موقع يوتيوب. وتتضمن هذه المقاطع تعليقات ونصائح لم يدلِ بها وارن بافيت مطلقًا. ما يشكّل خطرًا حقيقيًا على المتابعين والمستثمرين.
العرّاف هدف متزايد وتفاصيل الانتحال
يذكر أن المستثمر البالغ من العمر 95 عامًا، والمعروف بحدسه الثاقب في الأسواق العالمية وبلقبه الشهير “عرّاف أوماها”. أصبح هدفًا متزايدًا لعمليات التقليد التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي. هذا الاستهداف يبرز مدى سهولة استغلال الشخصيات الموثوقة لغرض الاحتيال.
وأوضحت الشركة في بيانها أن المقاطع المرئية غالبًا ما تحاكي مظهر وارن بافيت بدقة. لكن الصوت المصاحب لها يكون عادةً آليًا ذا نبرة مسطّحة وعامة، وبشكلٍ واضحٍ لا يشبه صوته الحقيقي. هذا التباين هو العلامة الفارقة التي كشفت محاولة التزييف.
بيان “هذا ليس أنا”
وفي بيانٍ صحفي رسمي حمل عنوان “هذا ليس أنا”، سلّطت شركة بيركشاير هاثاواي الضوء على مقطع فيديو محدد بعنوان “وارن بافيت: نصيحة الاستثمار رقم 1 لكل من تجاوز الخمسين يجب المشاهدة”. حيث يظهر فيه صوت مقلّد يقدّم نصائح استثمارية مزيفة.
وقالت بيركشاير: “قد يعتقد بعض الأفراد الذين لا يعرفون السيد بافيت جيدًا أن هذه المقاطع حقيقية. ما قد يؤدي إلى تضليلهم بمحتواها”. وأضافت الشركة أن “السيد بافيت يبدي قلقًا من أن مثل هذه المقاطع الاحتيالية أصبحت أشبه بفيروسٍ ينتشر بسرعة”. وهو ما يستوجب توعية الجمهور.

صعود التزييف العميق
لا شك أن صعود تقنيات الـ “Deepfake” وأدوات الصوت المدفوعة بالذكاء الاصطناعي جعل من السهل إنتاج نسخٍ مزيفة واقعية للشخصيات العامة بأقل جهد وتكلفة. هذه السهولة فاقمت المخاوف الدولية من انتشار المعلومات المضللة والإضرار بالسمعة الشخصية والمهنية.
وفي سياق متصل، أفاد مكتب التحقيقات الفيدرالي في مايو الماضي بأن جهاتٍ خبيثة استخدمت مكالماتٍ ورسائل نصية مولدة بالذكاء الاصطناعي لانتحال شخصيات مسؤولين أمريكيين كبار. هذه المحاولات كانت تهدف إلى الوصول إلى الحسابات الشخصية لموظفين حكوميين. ما يعكس تحولًا في أساليب الجريمة الإلكترونية.
شكاوى سابقة وتحذيرات سياسية
وكان بافيت قد اشتكى سابقًا من محاولات انتحال شخصيته، بما في ذلك عبر تقليدات تعتمد على الذكاء الاصطناعي وتزداد إتقانًا وواقعية بمرور الوقت. ويؤكد هذا أن المشكلة ليست وليدة اللحظة، بل هي تحدٍ متنامٍ.
وفي أكتوبر 2024، أي قبل أسبوعين من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حذّر بافيت من “ادعاءاتٍ احتيالية” واسعة زعمت أنه دعم مرشحين سياسيين أو منتجاتٍ استثمارية معينة. وجاء هذا التحذير لمنع استغلال اسمه في حملات التضليل السياسية أو التجارية.
الابتعاد عن السياسة وإرث القيادة
تجدر الإشارة إلى أن بافيت قد ابتعد إلى حدٍّ كبير عن تأييد السياسيين بشكلٍ علني منذ أن أعلن دعمه للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. مفضلًا التركيز على إدارته لأعمال بيركشاير هاثاواي.
ومن المقرر أن يتنحى وارن بافيت عن منصبه كرئيسٍ تنفيذي لشركة بيركشاير هاثاواي بنهاية العام الجاري. ليخلفه نائب الرئيس غريغ آيبل. ويمثل هذا التنحي نهاية لحقبة طويلة من القيادة الحكيمة التي أثّرت في الأسواق العالمية.
الحاجة إلى اليقظة الرقمية والتوثيق
تبرز هذه الواقعة الحاجة الملحة إلى اليقظة الرقمية المستمرة من قبل الجمهور. لا سيما عند التعامل مع النصائح الاستثمارية المجهولة المصدر التي تنتحل صفة شخصيات موثوقة. ويجب على المشاهدين البحث عن المصادر الأصلية للتحقق.
وبالتالي، فإن رسالة وارن بافيت لا تقتصر على نفي المحتوى المزيف الخاص به فحسب. بل تمتد لتكون دعوة عالمية للجميع لتوخي الحذر من المحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي الذي يفتقر إلى التوثيق والمصداقية.
استمرارية التحدي والمسؤولية المجتمعية
في نهاية المطاف، أثبتت هذه الحادثة أن التقدم التكنولوجي السريع، وعلى رأسه أدوات التزييف العميق والذكاء الاصطناعي، يفرض تحديًا وجوديًا على المصداقية الرقمية والثقة العامة. وتبرز أزمة انتحال شخصية “عرّاف أوماها” الشهير، وارن بافيت، كجرس إنذار يلزم الجمهور والمستثمرين على حدٍ سواء بتكثيف الحذر والتحقق من أي محتوى مرئي أو مسموع يفتقر إلى المصادر الرسمية.
ويقتضي الموقف ضرورة تضافر الجهود لسن تشريعات صارمة تضبط استخدام تقنيات التزييف بالذكاء الاصطناعي. علاوة على ذلك، تعد رسالة بافيت المباشرة بمثابة دعوة صريحة للمنصات الرقمية لتعزيز آليات الكشف عن المحتوى المزيف وحذفه على الفور. وهكذا، يمكن صيانة إرث الشخصيات الموثوقة وحماية الجمهور من الوقوع ضحية للاستغلال الرقمي. ويظل عرّاف أوماها هو المصدر الوحيد لنصائحه الحقيقية.


