في تطور لافت يعكس تسارع وتيرة التغير في سوق العمل العالمي، اعترف أرفيند كريشنا؛ الرئيس التنفيذي لشركة IBM بصدق «كابوس التوظيف» الذي يواجهه جيل زد. مشيرًا إلى أن المخاوف بشأن ندرة الوظائف المبتدئة هي مخاوف حقيقية ومبررة. وجاء هذا الاعتراف تزامنًا مع البدء في تطبيق سياسة تسريح الموظفين على نطاق واسع في الشركة.
موجة التسريح العارمة وتناقض الخطاب
تشهد كبرى الشركات، من أمازون إلى تارجت، خفضًا لآلاف الوظائف في سباقها المحموم نحو تعزيز الكفاءة التشغيلية والاعتماد على الأتمتة الآلية. هذا التوجه أصبح السمة البارزة للمشهد الاقتصادي الحالي؛ حيث ينظر إلى تسريح الموظفين كوسيلة رئيسية لتقليل التكاليف وزيادة الإنتاجية.
وفي منتصف هذا الأسبوع، انضمت شركة IBM إلى هذا الاتجاه المعلن. إذ أعلنت أنها ستستغني عن آلاف الموظفين بحلول نهاية العام، في إطار تحولها الإستراتيجي للتركيز على برامج النمو السريع ومجالات الذكاء الاصطناعي. هذا الإعلان يأتي صادمًا، ويجعل أنباء تسريح الموظفين هذه قاسية بشكلٍ خاص على جيل زد الذي كان يعول على تصريحات إيجابية سابقة.
تعهدات الرئيس التنفيذي السابقة
تجدر الإشارة إلى أنه قبل أسبوع واحد فقط من إعلان IBM عن التخفيضات، كان أرفيند كريشنا؛ الرئيس التنفيذي قد قدم نفسه كأحد الأشخاص المتفائلين وسط موجة التسريحات المتزايدة. تعهد “كريشنا” بأن شركته ستزيد من توظيف خريجي الجامعات الجدد خلال الفترة المقبلة؛ ما خلق حالة من التناقض بين الخطاب والممارسة.
وقال كريشنا في مقابلة تلفزيونية سابقة: “الناس يتحدثون عن التسريح أو تجميد التوظيف، لكن في الواقع، نحن نسير في الاتجاه المعاكس. أتوقع أننا سنوظف خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة عددًا من خريجي الجامعات يفوق ما قمنا به في السنوات الأخيرة؛ لذا ستلاحظون ذلك”. ومع ذلك، اعترف كريشنا بأن الأتمتة ستؤدي حتمًا إلى بعض التخفيضات في القوى العاملة، لكنه أصر على أن النتيجة الإجمالية ستكون إيجابية.

التخفيضات المحدودة الأثر
وقال متحدث باسم IBM في تصريح رسمي لمجلة «Fortune» إن جولة التسريحات الجديدة ستؤثر على نسبة ضئيلة أحادية الرقم من القوى العاملة العالمية للشركة. ويسعى هذا التصريح إلى التقليل من حجم التأثير الإجمالي لعملية إعادة الهيكلة الداخلية.
وأضاف المتحدث أن الدمج بين عمليات التسريح الحالية والتوظيف الجديد المخطط له سيبقي عدد الموظفين في الولايات المتحدة مستقرًا تقريبًا. ورغم أن IBM لم تحدد العدد الفعلي للموظفين المتأثرين أو الأقسام المستهدفة، كانت الشركة توظف حوالي 270 ألف موظف بنهاية عام 2024. ما يعني أن خفض 1% فقط من القوى العاملة قد يشمل نحو 2,700 موظف.
الإستراتيجية المرتكزة على المهارات
وأكد المتحدث باسم الشركة أن إستراتيجية القوى العاملة في IBM تعتمد على وجود الأشخاص المناسبين الذين يمتلكون المهارات المناسبة لتنفيذ الأعمال التي يحتاجها العملاء. وبناءً على ذلك، يتم مراجعة الهيكل الوظيفي بانتظام، وأحيانًا تتم إعادة التوازن وفقًا لهذا المنظور الإستراتيجي.
ورغم أنه لم يتضح بعد أي الفروق الوظيفية أو الفئات العمرية ستشعر بالآثار المباشرة لتلك التخفيضات. إلا أن الوظائف المبتدئة كانت من بين الأكثر تضررًا من تطبيقات الذكاء الاصطناعي حتى الآن. وفي صدد ذلك، وجد باحثون في جامعة هارفارد أن توظيف المبتدئين انخفض بشكلٍ حاد في الشركات التي تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مكثف.
تحديات سوق العمل ونصيحة التطوير
وبالنسبة للمهنيين، سواء الذين يسعون لدخول سوق العمل لأول مرة أو الذين يحاولون التعافي من فقدان وظائفهم. يبدو العثور على وظيفة اليوم كمعركة شاقة ومحمومة. فوفقًا لبيانات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، شهدت إعلانات الوظائف انخفاضًا تدريجيًا منذ ذروتها التي بلغتها في مارس 2022.
وأما نصيحة كريشنا، فتركز بشكلٍ أساسي على أهمية تطوير المهارات المناسبة التي تتلاءم مع متطلبات عصر الذكاء الاصطناعي. وقال لشبكة CNN: “المهارات مهمة للغاية. نحن بحاجة إلى مهارات في الذكاء الاصطناعي، ومهارات في الحوسبة الكمّية. ومهارات تمنح عملاءنا الثقة في تطبيق التكنولوجيا داخل بيئاتهم”.
أولوية الخبرة في الأدوات التكنولوجية
ومن جهتهم، يؤكد خبراء التوظيف هذا الاتجاه المتسارع؛ حيث يشيرون إلى أن الشركات في مختلف القطاعات تبحث بشكلٍ خاص عن مرشحين لديهم خبرة عملية مباشرة في أدوات الذكاء الاصطناعي. هذا التركيز ينصب خصوصًا على أولئك الذين يعرفون كيفية استخدام الأدوات المعتمدة بالفعل داخل الشركة.
وقالت أليسا كوك؛ وهي مستشارة توظيف أولى في شركة Beacon Hill للاستشارات والتوظيف، لمجلة “Fortune”: “الشركات تفضل توظيف مرشح لديه خبرة مباشرة بأداة معينة تنوي الشركة تنفيذها. طالما أنه يمتلك القدرة والرغبة لتعلّم مهارات أخرى”.
التفوق للمهارات الناعمة والمستقبل الرقمي
كما كشف تقرير مشترك بين “مايكروسوفت” و”لينكدإن” العام الماضي أن 71% من القادة التنفيذيين يظهرون ميلًا أكبر لتوظيف مرشح أقل خبرة يمتلك مهارات قوية في الذكاء الاصطناعي مقارنة بمرشح أكثر خبرة يفتقر لتلك المهارات التقنية الحديثة.
لكن الخبراء يشيرون إلى أن العقلية الصحيحة، والمتمثلة في القابلية للتعلم والابتكار، يمكن أن تكون العامل الحاسم الأكبر في تحقيق النجاح المهني في ظل تسارع وتيرة التغيير الرقمي.


