طرح عالم الاقتصاد الراحل إدوارد فريمان؛ عام 1984، في كتابة “الإدارة الاستراتيجية”، ما سُمي فيما بعد “نظرية أصحاب المصالح”. بيد أننا إذا ابتغينا التعمق، والتأريخ لهذا المفهوم، فسنجد أن جذوره تعود لعلماء الاقتصاد القدامى، وعلى رأسهم آدم سميث؛ وغيره من علماء الاقتصاد الكلاسيكيين.
وبغض النظر عن جينالوجيا هذا المفهوم، فإن ما نبغي الإشارة إليه هو أن إدوارد فريمان يرى أن الإدارة الجيدة للعلاقة مع أصحاب المصالح ستضمن بقاء المؤسسات لفترة أطول.
لكن السؤال الذي يُثار هنا: هل تقف هذه النظرية ضد مبادئ المسؤولية الاجتماعية طالما أن الشركات ستولي وجهها ناحية أصحاب المصالح وليس تجاه المجتمع؟ هذا بالضبط ما سنحاول استقصاءه، والإجابة عنه.
أصحاب المصالح.. من هم؟
تضم فئة أصحاب المصالح كل من تربطه بالشركة علاقة مميزة، والذين لهم تأثير حاسم في تلبية مصالح الشركة.
وتشمل هذه الفئة: المساهمون؛ أي الذين لهم حقوق ملكية في المؤسسة، والعملاء؛ وهؤلاء هم المعول الأساسي لجلب الأرباح للشركة، والموردون والموزعون؛ وهم أولئك الأشخاص الموكل إليهم نقل وتوصيل منتجات الشركة إلى الشرائح المستهدفة، والعملاء الحاليين والفعليين.
والموظفون والعمال هم أحد أصحاب المصالح، كذلك، وربما هم أحد أهم الأطراف في هذه العملية، فتروس ماكينات الشركة لا تدور إلا عن طريقهم.
الثروة الاقتصادية المستدامة:
يركز منظور أصحاب المصالح على تعظيم الثروة بالنسبة للمساهمين وأصحاب رأس المال في هذه الشركة أو تلك، لكنه يشدد، في الوقت ذاته، على ضرورة خلق ثروة اقتصادية مستدامة، تكون في صالح الجميع؛ المؤسسة نفسها، وموظفيها، والمساهمين فيها (أصحاب المصالح)، والمجتمع المحلي.
ليس هذا فحسب، بل يذهب البعض إلى أن التطور الطبيعي لمنظور “أصحاب المصالح” هو ما يُسمى، حاليًا، بمواطنة الشركات، أو المسؤولية الاجتماعية للشركات.
إن رأي “فريمان” الذاهب إلى أن بقاء المؤسسة مرهون بحسن إدارتها للعلاقة مع أصحاب المصالح، يعني، ضمنًا، أن استمرار وجود أصحاب المصالح هو استمرار لأنشطة وفعاليات المسؤولية الاجتماعية المختلفة؛ طالما فهمنا أن الشركة برمتها، وما تقوم به من نشاطات اجتماعية متنوعة مرهون بمحافظ هؤلاء المستثمرين والمساهمين فيها.
يبدو هذا الطرح منطقيًا؛ فاستدامة الثروة تأتي من استدامة مصادرها، ومصادر المؤسسة، وسبب تحقيقها الأرباح هو هؤلاء المساهمين وأصحاب المصالح، وإن كان بمقدورنا تمديد هذا المفهوم (أصحاب المصالح) ليشمل حتى الموظفين والعاملين في المؤسسة.
وقيام المؤسسة بمسؤولياتها تجاه هؤلاء الموظفين والعاملين (مجتمع الشركة الداخلي) هو، في حد ذاته، قيام بمفاعيل ومقتضيات المسؤولية الاجتماعية للشركات.
النفع المتعدي للربح:
إن المؤسسات التي قررت الالتزام بما تمليه عليها نظرية أصحاب المصالح تحقق الكثير من المنافع؛ فهي، على سبيل المثال، تخلق قيمة أكبر لموظفيها، وعملائها، والمجتمعات المحلية، وبالتالي تحقق نوعين من المنافع في وقت واحد؛ فهي، من ناحية، تنهض بأوضاع عمالها وعملائها، ومن ناحية أخرى، تلبي احتياجات المجتمع المحلي، وتقوم بمقتضيات المسؤولية الاجتماعية.
إن الإيمان والالتزام بمنظور أصحاب المصالح لا يعني أن الشركة يممت وجهها صوب أصحاب رأس المال، ولا أنها أدارت ظهرها للمجتمع، إنما يعني أنها قررت أن تُرضي جميع الأطراف، فتلبي احتياجات أصحاب رأس المال وحاجات مجتمعها المحيط في ذات الوقت.
الربح المتعدي هو ذاك الهدف الكبير الذي يجب أن تضعه المؤسسة نصب عينيها؛ فالربح الذي يضمن بقاء المؤسسات أكثر من مجرد الثروة، إنما هو قيمة مضافة للمجتمع، وصورة ذهنية قوية، وسمعة حسنة في المجتمع، وغيرها الكثير.
اقرأ أيضًا:
الإبلاغ الاجتماعي.. سلاح المجتمع لضبط أداء الشركات