حظي مفهوم المسؤولية الاجتماعية، كغيره من المفاهيم في مجالي الاقتصاد والاجتماع، بالكثير من النقاش والجدل، واختلفت حوله الآراء، بل أمست هناك فرق وتيارات ومدارس فكرية كثيرة بعضها يؤيد هذا المفهوم وبعضها ضده، وهناك من يرى وضعه ضمن أطر وتصورات معينة، ولعل هذا كله ما تم إدراجه تحت مسمى «نظريات المسؤولية الاجتماعية».
وبطبيعة الحال، ليس هذا الاختلاف في الرؤى، ووجهات النظر، والتصورات بجديد؛ فهو دأب علمي الاقتصاد والاجتماع، وهو أمر صحي بالمناسبة؛ فكلما كانت وجهات النظر مختلفة ومتباينة كان المفهوم/ المصطلح المختلف عليه أكثر تطورًا، وأكثر إفادة.
فكل وجهة نظر جديدة تضيف فكرة جديدة أو تلغي أخرى قديمة، وربما يكون هذا أحد المضامين والمعاني التي أشار إليها توماس كون في كتابه الشهير “بنية الثورات العلمية”؛ فكل معرفة جدية تحيل المعرفة القديمة إلى متحف الأفكار وتتجاوزها، ومن ثم كانت المعرفة تراكمية، وكان تطور العلم موقوفًا على هذا الاختلاف وذاك التنوع.
نظريات المسؤولية الاجتماعية:
سنحاول هنا أن نشير إلى بعض النظريات المختلفة التي تناولت مفهوم المسؤولية الاجتماعية، والتي حاولت تفسيره، والنظر إليه من زوايا مختلفة، وهذه النظريات هي:
1-نظرية الأرباح:
من دون شك، سيكون زعيم هذه النظرية ومطلقها هو الاقتصادي الشهير ميلتون فريدمان؛ الذي نادى دائمًا بالأسواق الحرة، والاقتصاد الحر، ورأسمالية السوق، وهو بالمناسبة صاحب الكتاب الشهير “الرأسمالية والحرية”؛ وبغض النظر عن هذا الكتاب، وعن المآخذ التي يمكن أن تؤخذ عليه، فإنه يرى أن المسؤولية الاجتماعية لشركة من الشركات يجب أن تصب، في نهاية المطاف، في صالح المؤسسة نفسها.
بمعنى آخر: أن هدف المسؤولية الاجتماعية للشركات هو تعظيم الربح Profit Maximization، فليس للشركة، حسب ميلتون فريدمان وأتباعه، من هدف آخر، حالما تقوم بأحد أنشطة المسؤولية الاجتماعية، سوى مراكمة الثروات وتعظيم الأرباح.
2- النظرية السياسية:
هذه النظرية غادرت مجال الاقتصاد، وانشغالاته واهتماماته المختلفة، ويممت وجهها شطر السياسة؛ فرأت مثلاً أن هذه المسؤولية الاجتماعية ليست سوى أحد مضامين العقد الاجتماعي Social Contract الموقع بين المنظمات الاقتصادية والمجتمع.
بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، وهي محقة في هذا، فرأت أن المسؤولية الاجتماعية هي التعبير الأمثل عن مواطنة الشركات؛ فهذه الشركات هي جزء من الدولة، وأحد أنسجة المجتمع الذي تعمل فيه، ومن ثم عليها أن تقوم بدور تجاههما.
3- النظرية التكاملية:
هذه النظرية كانت أبعد نظرًا في الواقع؛ إذ لم تحصر نفسها في إطار معين، بل نظرت إلى الموضوع نظرة كلية بانورامية؛ فرأت أن أهداف المنظمة وأنشطتها كلٌ متكامل؛ فالنجاح المتحقق على الأمد البعيد قد ينعكس على الأرباح في الأمد القصير.
4- النظرية الأخلاقية:
غردت هذ النظرية من نظريات المسؤولية الاجتماعية بعيدًا عن السرب تمامًا؛ فخلعت على كل الأنشطة التي تقوم بها المؤسسة لباسًا أخلاقيًا؛ بحجة أن كل هو ما مفيد للمجتمع سيكون مفيدًا للشركة والعكس كذلك.
من الواضح أن هذه النظرية مفرطة في مثاليتها؛ فالأنشطة الاجتماعية التي تقوم بها الشركة قد لا تندرج تحت لواء الأخلاق، على الرغم من كونها مفيدة للمجتمع.
وعلى كل حال؛ فهذه أبرز النظريات ووجهات النظر التي تعرضت لموضوع/مفهوم المسؤولية الاجتماعية، وحاولت الإشارة إليه وتأمله من نواحٍ مختلفة.
اقرأ أيضًا:
المسؤولية الاجتماعية واستدامة رأس المال البشري
تعليق واحد
مقال مختصر ومفتاحي بالنسبة لنظريات المسؤولية الاجتماعية .. شكرا جزيلا