في فنون وعلوم صناعة القرارات الاستراتيجية للإقدام على تنفيذ أي مشروع، يعقد الاستشاريون الجادون -وأعتز بأنني أنتسب إليهم- عدة دراسات على مستوى جزئيات اقتصادية دقيقة micro ومستويات اقتصادية شاملة macro. ولعل الأشهر من تلك الدراسات، تحليل SWOT وتحليل شجرة التاء T tree (الفوائد والمضار / Pros & Cons) وتحليل التكلفة مقابل المنافع (cost-benefit study) وتحليل باريتو Pareto analysis في تحديد العوامل الأكثر فعالية لأحداث النمو الاقتصادي المطلوب.
وفي عالم الصناعة والتجارة تُعقد، إلى جانب كل تلك التحاليل التقييمية، دراسات عدة قبل اتخاذ قرار الاستثمار أو التوسع في زيادة الإنتاج أو الولوج في إنشاء خطوط إنتاج جديدة؛ ومنها عقد دراسات الجدوى الاقتصادية Feasibility Analysis وهي النموذج الأشهر في هذا المضمار؛ لتضمنها لتحليل إدارة المخاطر والعوائد الاقتصادية والتكلفة ونقطة الإيفاء بالتكاليف والتكلفة المبدئية وشكل وحجم هيكل القوى العاملة في المشروع، وحجم السوق القائم وحجم السوق المستهدف.
دراسات الجدوى الاقتصادية الكلاسيكية تُبنى على افتراضات عدة سائدة وفاعلة قبل بروز جائحة الكورونا و انعكاساتها، لذا فإن تلك الافتراضات من استقرار طرق الإمداد وتعدد مصادرها والإجراءات الجمركية المعتادة وتوفر فائض من القوى العاملة ووجود عدة شركات لوجستية للمناولة والتوزيع واستقرار القوانين واللوائح والضرائب وتوفر فائض السيولة في أيدي معظم شرائح المستهلكين وغيرها أضحت افتراضات غير دقيقة.
ويحتاج المرء لأن يعيد النظر في كل جزئية منها. قد يقول قائل إن الجائحة الحالية هي ظروف استثنائية وقد تصاحبها قرارات استثنائية ودراسات الجدوى لا تعتني بالاستثناء، و هذا القول مع صحته، إلا أنه يدعونا جميعًا للبحث عن توسيع الأفق في إعداد الدراسات والتحليل الفني لأي مشروع قبل الإقدام على تنفيذه، لا سيما أن أفق وقت انقشاع هذه الجائحة غير معلوم. ومن الحكمة عند إعداد أي تحليل فني يتعلق بالجدوى الاقتصادية تقليل عدد الافتراضات وطرح المعالجات بنموذج “what if” -ماذا لو- ولاحقًا سأطرح ورقة تتعلق بتحليل فني يسمى PESTEL، و هو يعالج الأبعاد التالية التي قد يتأثر بها المشروع Political situation الوضع السياسي، Economic situation الوضع الاقتصادي، Sociological situation الوضع الاجتماعي ، Technological البنية التقنية، Legal والبناء القانوني في المكان، وEnvironment regulation تشريعات جماية البيئة. ولأهمية هذا النوع من التحليل سنفرد له مقالة في المستقبل.
وأدى كل من سرعة انتشار وباء كورونا في معظم دول العالم والتأثيرات المباشرة في شل أكبر الدول المصنعة، مثل الصين، وانعكاسات جملة الإجراءات الدفاعية وتصاعد القرارات الاحترازية في تطويق الوباء إلى تباطؤ النمو وانحسار الأرباح وزيادة القلق بين صغار المستثمرين والمصنعين، وحجب مطارات وإغلاق مدارس وجامعات وإلغاء برامج وجدولة أنشطة وتسريح ملايين الموظفين وانخفاض معدلات النمو .
وزادت قوة التداخل الشائك بين الأمم و الدول والقارات؛ و لم يعد مكان ما في العالم معزول عن تبعات الصدمات الكونية القوية والقرارات ذات العلاقة. و هذا يعني أن استئناس صغار المستثمرين بدراسات الجدوى الاقتصادية فقط أمر غير كاف في ظل الجائحة القائمة وغير معروفة الخاتمة، وعليه لا بد من الوعي بأن دراسات الجدوى الاقتصادية وبحوث التسويق market research والتحليلات الفنية الأخرى تبقى تحليلات رقمية بسيطة لأمور قائمة ومحصورة سلفًا عددًا وسعرًا مع وجود الكثير من الافتراضات assumptions . وأن مجمل الدراسات التي يعقدها الاستشاريون لصغار المستثمرين والصناع لا تغطي تحليل PESTLE ذا الصورة والطابع الدولي المتكامل. وعليه وفي ظل جائحة كورونا، أرجو عدم اتخاذ القرار بالإقدام بناء على دراسات الجدوى الاقتصادية البحتة.
في عالم الجائحة، أضحى لزامًا لمن يود بدء عمل تجاري أو صناعي أو تعليمي أو زراعي أن يزيد من تثقيف ذاته في مجال علوم التحليلات الفنية؛ ليكن على اطلاع تام على أفضل الدراسات التي تعالج أبعاد أي قرار يتخذه المستثمر في ظل عالمية ارتدادات جائحة كورونا على البشر في كل الدول.
أختم مقالي بالدعاء والتمني بسرعة انكشاف هذه الغمة عن كل البلدان بحول من الله العلي القدير وقوته، وأتمنى لكل المقدمين على إنجاز أي مشروع نافع الربح في تجارتهم.
المستشار المهندس أمير الصالح
اقرأ أيضًا:
ما هي مقومات ريادة الأعمال الناجحة؟
دراسة الجدوى الإدارية للمشروع.. أساسيات نجاح استثمارك