تبدو قمة العشرين التي ستنعقد افتراضيًا خلال يومي 21 و22 من شهر نوفمبر الجاري، برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود؛ أمام تحدٍ من نوع مغاير هذه المرة؛ فهي مضطرة للعمل في مسارين متوازيين:
أولًا: يتعين عليها أن تفكر في سبل التعافي من أزمة كورونا الحالية، وثانيًا: ستكون موجهة صوب الأهداف طويلة الأمد، وخطط التنمية المستدامة، وذاك هو اشتغالها الأساسي إن صح القول؛ فإنما نبعت فكرة مثل هذه اللقاءات من إدراك عميق للتحديات التي يرزح كوكبنا تحت نيرها، ومحاولة التفكير في وضع الأجندات والرؤى التي يمكن أن تساعدنا في العبور بسلام.
إذًا، ستركز قمة العشرين حتمًا على الاستجابة والتعافي على المدى القصير، لكنها أيضًا لن تنسى الحفاظ على أهداف التنمية المستدامة؛ باعتبارها أملًا في إحداث نوع من التحول الإيجابي على صعيد النظم الاقتصادية المختلفة.
ويكمن التحدي الماثل أمام دول مجموعة قمة العشرين في الوقت الراهن في أن عليها التركيز على الأجندة طويلة الأجل في وقت تسود فيه الأهداف قصيرة الأجل.
اقرأ أيضًا: التنمية الاقتصادية المستدامة.. فلسفة الحلول الوسط
استدراك ومراجعة
إن فكرة التنمية المستدامة ليست طرحًا غريبًا ولا جديدًا على مجموعة العشرين ليس في دورتها الحالية ولا في الدورات السابقة؛ فلطالما أشارت المجموعة تاريخيًا إلى أهداف التنمية المستدامة في بيانات قادتها، كما ظهرت التنمية المستدامة كأحد الموضوعات التي تضم معظم الاتفاقيات التي اعتمدتها مجموعة العشرين.
وتحدد أجندة التنمية المستدامة، التي وقّعت عليها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، 17 هدفًا عالميًا يتعين على جميع الدول تحقيقها، وهي تلك الأهداف المعروفة بـ «أهداف التنمية المستدامة».
وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يبدو أن هناك دولة من دول مجموعة قمة العشرين حققت الأهداف السبعة عشر على النحو الأمثل، صحيح أن كثيرًا من الدول تسير على النهج الصحيح، ومن بينها المملكة العربية السعودية، غير أن ذلك لا ينفي أن هناك بعض التراخي من قِبل بعض الدول الأعضاء.
وتُظهر التحليلات المتاحة حول التقدم المحرز فيما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة أن جميع أعضاء مجموعة قمة العشرين متأخرون في تحقيق هدف واحد أو أكثر من أهداف التنمية المستدامة.
واتكاءً على هذا الطرح، يمكننا أن ندفع بتحليلنا القائل بأن قمة العشرين في دورتها الحالية ستكون بمثابة استدراك ومراجعة لما تحقق بالفعل على صعيد التنمية المستدامة، فضلًا عن محاولة اجتراح أفضل السبل من أجل تسريع مسار هذه التنمية وتعزيز النمو الاقتصادي والرخاء البشري بشكل عام.
ولسنا نجافي الصواب إن قلنا إن أهداف التنمية المستدامة تتوافق بشكل جيد للغاية مع الهدف العام لمجموعة العشرين، خاصة فيما يتصل بتعزيز نمو قوي ومستدام ومتوازن وشامل، وليس أدل على ذلك من بيان أوساكا لمجموعة العشرين، بيان مجموعة العشرين في بوينس أيرس، بيان هامبورغ لمجموعة العشرين؛ حيث تضع كل هذه البيانات التنمية المستدامة في القلب من اهتمامها، وعلى رأس أولوياتها.
اقرأ أيضًا: التسويق الأخضر المستدام.. نحو استشراف حقبة خضراء جديدة
استدامة الأعمال
لكن اهتمام مجموعة العشرين ليس مقتصرًا على الانشغالات البيئية، وحماية الموارد الطبيعية وصيانة محيطنا الحيوي (تلك أمور جوهرية بلا شك)؛ فهي تفكر، وبشكل متوازٍ تقريبًا، في ضمان استدامة الأعمال ومد سبل الدعم والمعونة للشركات الناشئة؛ خاصة في ظل هذه الفترة الضاغطة بسبب تحديات فيروس كورونا المستجد.
ومن أجل هذا، تطلق جميع دول مجموعة العشرين تقريبًا _وللسعودية قدم راسخة في دعم رواد الأعمال وخدمة الشركات الناشئة_ حزم دعم كبيرة للشركات؛ أملًا في منع حالات الإفلاس والفشل والخروج النهائي من السوق.
وبطبيعة الحال سيوفر التعافي من الأزمة الاقتصادية الراهنة التي خلّفتها أزمة كورونا فرصة مثالية لإعادة هيكلة كبرى نحو ممارسات أعمال أكثر استدامة وشمولية.
ومما يجدر الإشارة إليه أن الدورات السابقة لـ «قمة العشرين» حققت نجاحات معتبرة فيما يتصل بالتنمية المستدامة، على سبيل المثال: في عام 2016 بمدينة هانغتشو في الصين، اعتمدت مجموعة العشرين خطة عمل بشأن خطة التنمية المستدامة لعام 2030، والتزمت بمواءمة عملها بشكل أكبر مع خطتها العامة للعام ذاته (2030).
اقرأ أيضًا: التنمية المستدامة.. نموذج صناعي بديل!
مفهوم التنمية المستدامة
وفي سياق تحليلنا ذاك، ومحاولة استقصاء حدود العلاقة بين قمة العشرين والتنمية المستدامة لا يجدر بنا إغفال الإشارة ولو من رأس القلم إلى المفهوم ذاته؛ حيث يعتمد مفهوم التنمية المستدامة على ثلاث ركائز مترابطة ومتداخلة في الوقت ذاته وهي: التنمية الاقتصادية، التنمية الاجتماعية، وحماية البيئة.
وتطالب التنمية المستدامة كذلك المجتمعات البشرية بتلبية احتياجاتها دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها.
وتعود فكرة التنمية المستدامة، تاريخيًا، إلى عام 1972م، عندما قدّم نادي روما؛ وهو مؤسسة فكرية تضم أفرادًا من الأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني والدبلوماسية والصناعة، تقريرًا بعنوان «حدود النمو». وجادل مقدمو التقرير بأن مسار وآليات النمو الاقتصادي في ذلك الوقت لم يعد من الممكن أن يستمر إلى ما لا نهاية؛ نظرًا لمحدودية الموارد الطبيعية.
واكتسب هذا المبدأ أهمية أكبر في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية في ستوكهولم خلال العام نفسه، وفيه تم التوصل إلى توافق في الآراء بشأن إمكانية تحقيق النمو الاقتصادي والتصنيع دون التضحية بالبيئة.
اقرأ أيضًا:
الأسبوع العالمي لريادة الأعمال.. وقمة العشرين
وزير المالية: مجموعة العشرين أنفقت 11 تريليون دولار لمواجهة تداعيات كورونا
مجموعة العشرين تبحث حلول تمويل التنمية بعد انتهاء أزمة “كورونا”