في اليوم الدولي للغة الأم، الذي تنظمه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ويصادف تاريخ 21 فبراير من كل عام، تشرَّفت بقبول الدعوة للتحدث في هذا اليوم بعنوان “ريادة الأعمال.. بالعربي”، فاللغة العربية ليست هويتي فحسب، بل شغفي وعشقي. وكما أخبرني صديق يشاركني هذا العشق: حروف العربية تتكلم وتُراقص السمع إذا فَصَحَت، وكأنها مزامير إذا نَطَقَت.
وجهت حديثي عن ريادة الأعمال للشباب الذين يعتمدون على الثقافة الأجنبية وقلما يجدون مصادر عربية يستقون منها العلم والمعرفة، وذَكَّرتهم بمقولة الأديب اللبناني أمين الريحاني، منذ مائة عام: “الأمة التي لا تُنتج تموت، ولو كانت جبالُها من فِضة وسهولُها من ذهب”، وهذا قَدَر رواد الأعمال بالعمل والإنتاج وحل مشاكل المجتمعات بأفكار مبتكرة ومميزة.
ذكرت لهم أن مرادفات “رائد الأعمال” في الأدبيات الإدارية قد تضمنت: الريادي، والعصامي، والمبادر، والملتزم، والمُنظِم، والمُقاول، والمُخاطِر، والمُخطِط، والمُرَوِّج، وصائد الفرص، وصانع الفرص، والمبدع الإنتاجي، وغيره.
وتوقفت عند كلمة “عصامي”، التي تُطلق على من ينجح ويصل إلى مراتب عالية بجده واجتهاده دون الاعتماد على غيره من عشيرة أو قبيلة أو إرث، وكيف أن أصل ذلك المفهوم يعود إلى عصام بن شَهبَر الجرمي، الحمَّال الفقير الذي عاش بالجزيرة العربية منذ 1500 عام، ووصل بهمتِه واجتهادِه كحاجب للسلطان النعمان بن المنذر، وقال فيه شاعر المُعلقات؛ النابغة الذبياني:
نفسُ عصام سوّدت عِصَاما … وعلمته الكرَّ والإقدَامَا
وجَعلته مَلِكًا هُمَامًا … فتعَالى وجَاوزَ الأقوامَا
ومن هنا اتُخذت نفس عصام -العصامي- مثلًا لمن لا يعتمد على عظام أجداده (العظامي)، لكن في الحقيقة ليس هناك أفضلية أن تولد عصاميًا أو عظاميًا، بل الأهم من ذلك أن تتسم بخصائص وسمات رائد الأعمال.
ولكي يتملكهم الطموح في غزو الآفاق بمنتجاتهم وخدماتهم، أخبرتهم أن رائد الأعمال؛ مثل رائد الفضاء، مُغامر وينشُد التغيير الإيجابي، وغالبًا ما تأتي ثمرته لخدمة شرائح شتى من البشر، بعد أن استثمر في مالِه وجهدِه ووقتِه عندما قرر البدء في مشروعه، وهو لا ينتظر الفرصة ليقتنصها، بل يصنعها من لا شيء، ويضع القوانين والقواعد التي يسير عليها الآخرون.
وإن كان حُلمك الريادي مثل البذرة الضعيفة التي تحتاج إلى سِقاية ورِعاية، فتذَكَّر أن البذرة- مع صِغَرِها- لا يزيدها دفنها إلا قوة، فتقاوم وتضرب بجذورها لتعود فوق الأرض شامخة، صلبٌ عودُها، مُخضرَّة أوراقها، وتُحسن لدافنها بالثمر، فما أعظم أن تكون رئيسًا لنفسك وليس مرؤوسًا من آخرين! فالوظيفة أمان من الفقر، وليست أبدًا ضمانًا للثراء.
ومن بحر عِلم ريادة الأعمال انتقيت لهم قطرة من مُسَميات المشروعات الناشئة، التي يختار الشباب العربي أسماء أجنبية لها؛ أملًا في جذب الزبائن للشراء منها، مع أن الأسماء الأجنبية لتلك المشروعات – وإن كانت تبدو براقةً ولافتةً – لا تعكس ثقافتنا وهويتنا وقيَمنا الخاصة لعامة الناس في بلداننا العربية.
وإذا تأمَّلنا الأمم في سُلَّم الحضارات، سنجد من وصلت إلى قمته، وأخرى أسفله؛ فالأخيرة تسعى إلى الحصول على منتجات وخدمات الأمم التي في الأعلى؛ لذا يعتمد بعض شباب رواد الأعمال على استثمار هذه الظاهرة؛ بوضع أسماء لمشروعاتهم بلغة الحضارة المتفوقة؛ لتسويق أنفسهم تحت مظلة تلك الحضارة الأجنبية المتقدمة، فذكَّرتهم بمقولة ابن خلدون: «إن قوة اللغة في أمةٍ ما تعني استمرارية هذه الأمة؛ بأخذ دورها بين بقية الأمم؛ لأن غلبة اللغة بغلبة أهلها، ومنزلتها بين اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم».
ما أجمل لغتنا العربية! فلا يضاهيها في لغات الكون جمال؛ فبأحرفها نزل القرآن الكريم، وبها تكلم خاتم المرسلين- صلى الله عليه وسلم- أما اللسان العربي؛ فما هو إلا وتر تُعزَف عليه الألحان، وإن عجز لساني عن مدحك، فمالي لغةٌ سواك مذهبُ.
اقرأ أيضًا:
لماذا تعليم ريادة الأعمال بالجامعات؟
روشتة ريادة الأعمال للحكومات العربية