كلما التقيت طلابي ووجدت منهم من يطمح لأن يكون رئيسًا لنفسه، وليس مرؤوسًا من آخرين، أتذكر البروفيسور فردريك تيرمان، الذي ألهم وساند طلابه بكلية الهندسة جامعة ستانفورد الأمريكية في ثلاثينيات من القرن الماضي؛ حيث ساعد اثنين من أنجب طلابه؛ وهما ويليام هيوليت، ودافيد باكارد، اللذان أسسا شركة HP العريقة.
ألهمني تيرمان، كيفية تحفيز طلابي، مثلما فعل مع تلاميذه، فقابلت منهم كثيرين، وصار بعضهم أصحاب شركات ومصانع ناجحة في العديد من البلدان العربية.
حلمت كثيرًا باستحداث مادة لطلاب كلية الهندسة، فبدأت بالخطوة الأولى منذ خمس سنوات، عندما اقترحت على عميد أحد المعاهد العليا بمدينة المنصورة المصرية، تدريس هذه المادة، فتحمَّس مشكورًا للفكرة، وطلب مني إعداد مخطط المنهج الدراسي Syllabus.
أعقب هذه الخطوة، رحلة طويلة من الإجراءات؛ لتضمين المادة باللائحة الجديدة للطلاب، الذين وصلوا هذا العام للفرقة الثالثة، موضع تدريس هذه المادة باللائحة المعتمدة من وزارة التعليم العالي.
كان “ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة”، عنوان كتابي الثاني والثلاثين، الذي أعددته؛ ليكون مقررًا دراسيًا لأول مرة لطلاب كلية الهندسة، مع تدريسه لهم مطلع العام الدراسي الحالي.
سردت تجربتي هذه؛ للاسترشاد بها بالجامعات العربية؛ لتدريس هذه المادة لطلابها، فتدريس ريادة الأعمال لا يعني فقط نقل المعارف للطلاب بالمجالات الفنية والمالية والتسويقية والقانونية، بل أيضًا بإكسابهم مهارات؛ مثل القيادة والابتكار والمسؤولية الاجتماعية والتوازن بين الحياتين العملية والشخصية، فالجامعة هي مصنع العلماء، وقادة الغد، وصُنَّاع المستقبل، ورواد الأعمال؛ لإعمار الأرض، وبناء الأمجاد.
استثمار الطاقات
ولا يجب أن تكون مناهج التعليم بمعزل عن رؤية الدولة، واستثمار طاقات أبنائها من الشباب؛ إذ أذكر أن أكبر جامعة سعودية، قد اختارت أحد مؤلفاتي الأخرى في طبعته السادسة منذ عشر سنوات؛ ليكون منهجًا لريادة الأعمال، يتم تدريسه لطلابها، بعد أن أدركوا أن دور الجامعات والمعاهد العليا لا يقتصر فقط على نشر المعارف العلمية والتقنية، بل يتضمن أيضًا تخريج رواد أعمال جدد.
تم تقسيم الكتاب إلى عشرة فصول، تتضمن موضوعات متعددة منها: ريادة الأعمال الاجتماعية ودورها في بناء الوطن، وكيف يجب على رائد الأعمال إظهار ابتكاره الجديد في منتجاته وخدماته.
الأفكار الإبداعية
يعرض الكتاب خطوة بخطوة- وبعشرين طريقة مختلفة ابتكرها المؤلف- كيفية توليد مئات الأفكار الإبداعية لمنشآت صغيرة غير تقليدية، ثم شرح كيفية المفاضلة بين تلك الأفكار لاختيار المشروع الأنسب لكل طالب، دون أن يغفل السمات التي يجب أن يتحلى بها رواد الأعمال، والعوامل الشخصية التي تميزهم وتؤدي إلى نجاحهم.
عالم التسويق
يتناول المنهج الدراسي، عالم التسويق بالتفصيل، ودوره في نجاح المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ودور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تحسين التنافسية للمشروع، وما يمكن أن تفعله شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي لتسويق المنتجات والخدمات، كما تم إفراد فصل كامل، حول أهمية بناء الفريق، يعرض أفضل السُبل؛ لتحفيز فريق العمل.
دراسة الجدوى
يعرض المنهج أيضًا دراسة الجدوى الأولية للمشروع الصغير بأقسامها الثلاثة الرئيسة: دراسة السوق، والدراسة الفنية، والدراسة المالية، ونموذج العمل التجاري بأجزائه التسعة، الذي يُعد أحد أفضل الأدوات الحديثة لقياس مدى جدوى فكرة المشروع، ثم يعرض خطة العمل بأجزائها التسعة أيضًا بمزيد من التفصيل.
يُختتم المنهج بأسرار تفوق المنشآت الصغيرة من وجهة نظر المؤلف، وكيفية الاستفادة من جهات الدعم المحلية، إضافة إلى إدراج قصص نجاح مميزة لرائدات ورواد أعمال- كلهم من الشباب -في مجالات متنوعة، وكيفية عرض أفكار المشروعات على المستثمرين في خمس دقائق فقط، بما يُعرف بحديث المصعد Elevator Pitch.
أتمنى أن يساهم هذا المنهج الدراسي في الاستفادة من طاقات الشباب الجبارة؛ صناع المستقبل الواعد، وأن يستثمر هؤلاء في عقولهم النيِّرَة وسواعدهم الفتِية؛ لبناء وطنهم الغالي، وأن تقوم كل الجامعات والمعاهد العليا في الوطن العربي بتدريس هذا الموضوع المثمر على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.