يحفظ التاريخ لبعض القادة صفحات مضيئة ومشرقة تظل موجودة ومحفوظة داخل الوجدان قبل أن تكتب على الورق أو تتناقلها الأجيال، خاصة إذا كان القائد رجلا فذا محنكا اهتم بوطنه وبمسيرة التنمية وحقق إنجازات ضخمة في ميادين التنمية والإعمار، والملك عبدالله -رحمه الله- أحد هؤلاء القادة الذين وضعوا بصمات واضحة في تاريخ المملكة، فعلى الرغم من أنه حكم لمدة عشر سنوات فقط بدأها يوم الأحد 26 جمادى الآخرة 1426هـ الموافق 2 أغسطس 2005م إلا أن ما تحقق من منجزات تنموية عملاقة في عهده على امتداد مساحة المملكة وفي جميع مناطقها، يقف شاهدا على وطنية الرجل ورغبته الكبيرة في تنمية وطنه في مختلف القطاعات الاقتصادية والتعليمية والصحية والاجتماعية والنقل والمواصلات والصناعة والكهرباء والمياه والزراعة، من خلال مشروعات عملاقة شكلت مجتمعة إنجازات جليلة تميزت بالشمولية والتكامل في بناء الوطن وتنميته؛ ما وضع المملكة في مكانة جديدة ومتقدمة على خارطة دول العالم.
فقد ركز -رحمه الله- على التنمية المتوازنة بين مناطق المملكة عبر كفاءة وحسن إدارة في توظيف الإمكانات المتاحة بتركيز على سلسلة الأولويات فكانت أهم الخطوات هي مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام، الذي نفذ وجار تنفيذه على مدى ستة أعوام بكلفة تجاوزت 90 مليار ريال، وفي مجال الصحة ركز على دعم وزارة الصحة بمبلغ 16 مليار ريال؛ سعيا لأن يكون النظام الصحي للمملكة متكاملا وشاملا لكل أفراد المجتمع السعودي عن طريق التأمين الصحي، وحل مشكلة الإسكان وهو ما يتم بالفعل، حيث رصد 250 ملياراً لمشروع إسكان المواطنين وصرف رواتب للعاملين عن طريق حافز وزيادة مكافأة الضمان الاجتماعي. وجاء إنشاء مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة مكملا للخطوات الأخرى وكمشروع يسهم في دعم التنمية المستدامة في المملكة.
ولأن نظرته متكاملة لبناء وطنه وكدليل اهتمام بالحياة الرياضية وتنمية وتدريب الشباب والأطفال وجه بإنشاء أكثر من 11 إستادا ومنشأة رياضية أهمها “الجوهرة المشعة” التي تعد من أجمل وأروع الاستادات في العالم، أضف إلى ذلك مشروع تطوير القضاء حيث رصد له أكثر من سبعة مليارات ريال، ومشاريع توسعة الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة إضافة لقطار الحرمين، التي رصد لها مليارات الريالات، ثم جهوده في البدء بمشروع مترو الرياض العملاق الذي رصد له أكثر من 85 مليارا، إضافة إلى مشروع المركز المالي الذي يعتبر نموذجا فريدا إضافة إلى ابتعاث أكثر من 500 ألف طالب وطالبة لبلدان العالم للتزود بمختلف العلوم والمعارف وتفعيل دور المرأة، حيث جعل لها المشاركة في مجلس الشورى بعدد 30 عضوة ومشاركتها في الانتخابات البلدية وصدور أوامره بإنشاء أقسام نسائية في جميع مؤسسات الدولة تمكنها من حفظ حقوقها.
لقد رحل الجسد لكن المنجزات بقيت شاهدة على عظمة رجل وحنكة قائد وضع بناء دولته ورفاهة شعبها هدفا عاليا وساميا، وتعدى انفعاله بقضايا المملكة إلى الاهتمام بقضايا الأمة الإسلامية والعربية، وهذا ما يفسر حجم الحب والتفاعل الذي وجده طوال فترة حكمه من أبناء وطنه وأبناء الأمة الإسلامية والعربية.
لكن العزاء الوحيد لرحيل الوالد الإنسان هو تولي والد آخر مسؤولية الحكم، فقد جاءت بيعة الملك سلمان بن عبدالعزيز-حفظه الله- استكمالا للمسيرة واستمرارا للتحديات الصعبة التي ترافق مسيرة التنمية والنمو، وقد أثبت جلالته قبل أن يكون ملكا قدرة عالية على المبادرة وتحقيق الإنجازات، وهذا ما يؤكد استمرار برامج التنمية والتطوير لتحقيق الرفاهة الكاملة للإنسان السعودي.
إن ما تقدمه الأسرة المالكة للمملكة هو محل فخر وإعزاز لكل مواطن سعودي؛ لأنهم يضعون الوطن فوق كل المصالح وكل الاعتبارات، ويزداد التفاؤل بمستقبل مشرق للمملكة في جميع المناحي طالما ظلت القيادات الواعية الرشيدة على سدة الحكم.