أخيرًا وبعد طول انتظار، صدرت اللائحة التنفيذية لنظام الامتياز التجاري(الفرنشايز)، التي طالما انتظرها رواد ورجال الأعمال وملاك العلامات التجارية المميزة، ولعل التأخير في إصدارها كان في صالح قطاع الفرنشايز؛ كونه يرتبط بكثير من المسؤوليات والسياسات والقوانين المحلية والدولية والإجراءات والتنظيمات والأدلة؛ لذلك كان يجب أن يكون النظام مدروسًا، ومنسجمًا مع القوانين والأعراف الدولية التي تُعنى بنظام الفرنشايز، فكان تأخيرًا مبررًا من جانب الحكومة.
لقد صدر النظام بأدق التفاصيل، وضمان حقوق المانح والممنوح بكامل الشفافية والإفصاح المالي، والتواجد المكاني والزماني للنشاط، نعم إنه عصر جديد يدخله الفرنشايز السعودي، ولكن هذه المرة لا مكان للعشوائية، والاجتهادات، وإخفاء المعلومات، والتدليس على الرأي العام، ومنع ما يُعرف ببيع الغرر.
كل هذا جاء مرفوضًا في ثنايا لائحة الفرنشايز الجديدة، كما جاء النظام مبشرًا لرواد الأعمال أصحاب الهمم والطموح العالي والمعرفة بأهمية الأعمال وفق نظام الفرنشايز، وإن كان عددهم قليلًا هذه الأيام؛ إذ أثبتت الدراسات التي قمنا بها أن 0.5% من العلامات التجارية السعودية هي التي تمتلك- كحد أقصى- 80% مما تحتويه لائحة الفرنشايز الجديدة.
أعلم أن هذه النسبة مخيفة، لكنَّ الأيام أثبتت أن الشباب السعودي والبيئة السعودية مهيئان للتغيير، والاستجابة للبيئة الصحية لممارسة الأعمال وفق الضوابط والتشريعات، واحترامًا للقياسات الدولية.
وتستمد اللائحة التنفيذية لنظام الامتياز التجاري السعودي، قوتها من قوة مساهمة جميع الأطراف: رواد الأعمال، والقانونيون، والمهتمون، وموظفو الدولة في المؤسسات المعنية؛ ليكتمل هذا النظام المبدئي الذي قد تطرأ عليه خلال السنوات الثلاث القادمة تغيّرات بسيطة وتعديلات في بعض المواد، بما ينسجم وظروف وإمكانيات قطاع الفرنشايز، ويحقق آمال وطموحات العاملين فيه.
لقد جاءت مواد اللائحة التنفيذية لنظام الامتياز التجاري، متسقة مع القوانين والنظم الدولية للفرنشايز، وأهم معيار راعته هو الإفصاح المالي؛ كونه مربط الفرس لنجاح وانطلاق الامتيازات التجارية السعودية؛ إذ جاءت هذه المادة صريحة ومفسّرة وموضّحة؛ كي لا تخفى على أحد؛ حتى لا تدع مجالًا لضعاف النفوس الذين قد تسول لهم أنفسهم التلاعب بالأرقام، فتضلل الممنوح الذي يبيتُ قراره بالحصول على الامتياز قرارًا معيبًا ومشتتًا لا يقوم على واقع مالي صحيح.
إنّ الافصاح المالي أساسه الشفافية؛ لذا أُعولُ على البنوك السعودية والبنوك الحكومية الداعمة، إعطاء مادة الإفصاح المالي وزنًا عاليًا في تقييم العلامات التجارية؛ ما يعمل – إن شاء الله – على خلق بيئة صحية تضمن نجاح المانحين والممنوحين، وتعزز تطبيق اللائحة.
لا أخفي تفاؤلي الكبير بالمستقبل عامة، وبمستقبل قطاع الامتياز التجاري خاصة، في ظل رؤية 2030، التي أولت قطاع الامتياز التجاري اهتمامًا كبيرًا، وما النظام الجديد للامتياز التجاري إلا نتاج هذا الاهتمام، كجزء أصيل من الإصلاحات الاقتصادية الكبرى التي بدأتها حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله.
وفي ظني أنه بعد العمل وفق نظام الامتياز التجاري الجديد، ستظهر علامات تجارية سعودية “براندات” تفاجئ الجميع، يؤسسها شبابٌ سعوديٌ متعلمٌ تعليمًا جامعيًا، يقود بنفسه عمله الريادي؛ ليصبح جاذبًا للغير؛ من أجل استنساخ تجربة ريادية تحقق لأصحابها المال والنجاح، هؤلاء ستفرزهم هذه اللائحة التي أتوقع أن تكون ولادة لرواد ورائدات أعمال يمتلكون مفاتيح المعرفة والانضباط والشفافية والإفصاح وضمان حقوق الغير.
اقرأ أيضًا:
جائحة كورونا.. والدروس الثمانية