بعد عولمة التجارة وانتشار فكرة اقتصاد السوق، والتغير الذي طرأ على دور الحكومات، لا سيما بعدما أخذت الكثير من الدول بمقولات رأس المال الحر، كل هذه الأمور أدت إلى إعادة رسم العلاقة بين الشركة والمجتمع؛ فكلاهما يؤدي دورًا بالنسبة للآخر، وكلاهما يبني أنشطته على نشاط الطرف الآخر.
هذه التغيرات سالفة الذكر أدت، من بين ما أدت إليه، إلى إعادة النظر أو قل، إن شئت الدقة، إلى تفعيل المسؤولية الاجتماعية للشركات، وما تنطوي عليه من مبادئ، وأفكار؛ فمن خلالها يتم تدشين العلاقة بين الشركة والمجتمع على نحو أفضل، وكذلك العمل على رسم حدود العلاقة بين الاقتصاد والمجتمع بشكل عام.
الاقتصاد والمجتمع
إذا تم إعادة رسم العلاقة بين كل من الشركة والمجتمع، وفقًا لمبادئ وأسس ومعايير المسؤولية الاجتماعية للشركات، فسيتم، تبعًا لذلك، تأسيس علاقة من نوع جديد بين الاقتصاد والمجتمع والبيئة.
فالشركة التي تؤمن بأن لها دورًا يتعين عليها أن تلعبه في مجتمعها المحيط، والذي توجه خدماتها إليه، فسينعكس ذلك على كل أنشطتها الاقتصادية، بمعنى أنها لن تُقدم على أي تجربة اقتصادية طالما شعرت بأنها من الممكن أن تُسبب أي نوع من أنواع الضرر للمجتمع أو البيئة.
الربح المؤجل والخير العام
تُدرك الشركات، التي قررت أداء دورها المجتمعي ومسؤوليتها تجاه البيئة والمجتمع، أن هذا لن ينتج عنه تفويت بعض الأرباح أو المكاسب الآنية؛ فهي أصلًا لا تهدف إلى هذا الربح العاجل، وإنما هي تضع نصب عينيها الخير العام من جهة، والحصول على أكبر قدر من الأرباح والمكاسب فيما بعد.
يُفهم من هذا أن هذه الشركات هي بعيدة النظر، وذات رؤى وخطط استراتيجية، فلا يعنيها جلب الربح العاجل؛ إذ هي تدرك أن الربح الآني مشفوعًا بخسائر بيئية واجتماعية ليس إلا خسارة على المستويين القريب والبعيد.
فالموارد _التي هي عماد وأصل كل عمليات الصناعة والإنتاج_ ستتآكل الآن أو بعد حين، وهو الأمر الذي يعني أن الشركة لن تجد ما ستصنعه. ناهيك عن أن الحرص على المكاسب الآنية والعاجلة دون النظر لعواقب وتبعات هذه المكاسب لن يعمل إلا على تنفير العملاء من الشراء منها، أو استهلاك منتجاتها، وهو الأمر الذي يعني تهاوي وتآكل سمعة الشركة في السوق، وتدهور صورتها الذهنية لدى العملاء.
رخصة الدخول إلى المجتمع
تُمثّل المسؤولية الاجتماعية، بمعنى من المعاني، رخصة دخول الشركات إلى المجتمع الذي قررت خدمته، واستهداف بعض أفراده، حيث إن هذا الدور المجتمعي هو البوابة التي يمكن من خلالها لهذه الشركة أو تلك أن تدخل إلى المجتمع، وتحقق نجاحًا فيه.
وعلى ذلك، يتعين على الشركة أن تأخذ هذه المسألة في اعتبارها، وأن تدرك أن النجاح الاقتصادي لن يأتي إلا مشفوعًا بنجاح على المستوى الاجتماعي كذلك، بل ربما يكون النجاح الاجتماعي هو الأساس الذي يقوم عليه أي نمو اقتصادي.
اقرأ أيضًا:
الابتكار الاجتماعي.. كيف يكون وسيلة لجلب الربح؟