عند الحديث عن السلوك الإبداعي نجد أننا أمام ركام نظري هائل في هذا الصدد، ناهيك عن أن هناك الكثير من الرؤى والنظريات المختلفة حول ذلك النوع من السلوك، علاوة على أن هناك من يدمج بين الإبداع السلوكي والسلوك الإبداعي، وذاك قد يكون له ما يبرره، لكن الفصل فيه ليس داخلًا ضمن مجال انشغالنا في هذا المقال.
وعلى الرغم مما فات فإنه لا مندوحة عن الحديث عن السلوك الإبداعي ومحاولة تحديده والوقوف على ماهيته؛ إذ من خلاله يمكن تعظيم الإمكانيات البشرية والدفع بها قدمًا، ومحاولة تغيير طرائق التعاطي وأنماط التفكير، ومن ثم تغيير الوضع الراهن إلى وضع أفضل منه.
اقرأ أيضًا: كيف حقق لقاح فيروس كورونا المليارات لشركات الأدوية الكبرى؟
ما هو السلوك الإبداعي؟
قلنا إنه ليس من السهل الوصول إلى قول فصل في تعريف السلوك الإبداعي، بيد أننا سنمر مرًا خفيفًا على بعض الآراء والتصورات بشأنه، وأول ما يتوجب علينا ذكره أن السلوك الإبداعي فعل استباقي مبادر؛ فهو يبدأ من البحث عن المشكلة أولًا وليس عن الحل، وبالتالي فإنه يبادر، ليس من أجل حل مشكلة قائمة _ وإن انطوى على هذا بلا شك_ وإنما يبحث عن المشكلة حتى قبل أن تقع.
وبهذا المعنى فإن الاستشراف ومحاولة التنبؤ بالمستقبل مكون مهم من مكونات السلوك الإبداعي، أما فيما يتعلق بالجوانب التعريفية فيمكن أن نذكر بعض تعريفات السلوك الإبداعي؛ حيث يُعرف بأنه ميل إلى التعرف على الأفكار أو البدائل؛ أو الاحتمالات التي قد تكون مفيدة في حل المشكلات.
والسلوك الإبداعي يسمح للفرد بالتصرف دون عائق من الذات أو القيود المفروضة خارجيًا على السعي للتعبير عن الذات والتصميم وحل المشكلات.
وعلاوة على ما فات فإن ما يتوجب ذكره هو أن السلوك الإبداعي يتضمن، في مرحلة تالية من التدريب عليه واعتياده، جزءًا من العفوية، والتي هي انعكاس مباشر للحرية، ولا مجال للحديث عن السلوك الإبداعي من دون الحرية.
اقرأ أيضًا: هواوي تطلق أول منصة شاملة لدعم الشركات الناشئة في المنطقة
الممارسات التخيلية
ومن نافل القول إن الإبداع، بشكل عام، والإبداع السلوكي خاصة هو عمل تخيلي، فالخيال والإبداع وجهان لعملة واحدة.
والمؤكد أن الخيال سابق على كل عملية إبداعية؛ إذ إن الإبداع عملية حرث في فضاء لم يولد بعد، وإذا كنا قلنا إن الإبداع السلوكي هو بحث عن مشكلة لم تقع بعد فهذا معناه أن هذا الجهد الاستشرافي لن يكون إلا عبر إعمال الخيال، وإلا فكيف يمكن التنبؤ بمشكلة لم تقع بعد أو حتى ابتكار حل لها من دون ممارسة تخيلية؟!
اقرأ أيضًا: 5 أسباب توضح أهمية الحوكمة السحابية لعملك
إمكانية التعلم
وثمة نقطة أخرى على قدر كبير من الأهمية فيما يتعلق بموضوع السلوك الإبداعي وهي طابعه الإنساني؛ فالمؤكد أن السلوك الإبداعي من الممكن تعلمه، وهذا معناه أن نحفز للإمكانية الإنسانية، ونعمل على الدفع بالقدرات البشرية قدمًا.
فما من أحد قال، في حدود اطلاعنا، أن السلوك الإبداعي وراثي، على الرغم من أنه من المحتمل أن تلعب الجينات دورًا فيه، لكن دون أن يكون لها القول الفصل.
فالإبداع السلوكي _والإبداع بشكل عام_ من الممكن تعليمه، دون أن يكون هناك عدد محدد من هذه الطرق التي يمكن تعلم السلوك الإبداعي من خلالها.
ولكن يمكن أن يرصد «رواد الأعمال» بعض الطرق التي تساعد في تعلم الإبداع وتحفز الإبداع السلوكي، والتي من بينها:
-
وقت التفكير
لن يكون ممكنًا الوصول إلى ممارسة معتبرة من هذا السلوك من دون اتخاذ وقت لا بأس به من التفكير؛ فمن خلال هذا التفكير _الذي يجب أن يكون ممنهجًا ومخططًا له_ يمكن تحفيز السلوك الإبداعي والدفع به قدمًا.
-
السماح بالسؤال
ليس ممكنًا الوصول إلى أي ممارسة إبداعية من دون السماح بالسؤال، وتحفيزه، والسير معه حتى النهاية؛ فالسؤال محاكمة للواقع، ورغبة في اجتراح أفق جديد؛ يمكن من خلاله الوصول إلى نتائج/ واقع غير الموجودة بين يدينا في الوقت الراهن.
العصف الذهني
المؤكد أن أحدًا لا يمكنه إدراك كل شيء، ولا الإحاطة بموضوع واحد من كل الجوانب، ومن ثم فإنه لا سبيل إلى تحفيز الإبداع من دون إشراك الجميع في العملية، ومحاولة الاستفادة من رؤاهم وتصوراتهم؛ فمن خلال ذلك سنصل إلى منتج تفكري جديد، هو مجموع أفكار الجميع وخلاصته.
اقرأ أيضًا:
مفهوم تكنولوجيا المعلومات وتأثيرها.. تغييرات جذرية غيرت حياتنا
الإبداع المكتسب وإطلاق الطاقات البشرية
برنامج “كونك”.. رؤى استراتيجية لنشر ثقافة الفضاء