خلّفت التكنولوجيا المعاصرة مجالًا جديدًا يمزج بين المعرفة المالية والمهارات التكنولوجية في تقديم الخدمات المالية وتحسين الأداء الداخلي للشركات والمؤسسات، ويسمى «التكنولوجيا المالية»، ويبدو أن الاهتمام بالتكنولوجيا المالية والاستثمار فيها شهد إقبالالً كثيفًا خلال الفترة ما بين 2014 و2018، ففي ظل الانتشار المتسارع للعملات الافتراضية المشفرة والتمويل الجماعي وتحليل البيانات وعلوم الذكاء الاصطناعي، اتجهت أنظار الشركات والمؤسسات نحو مجال التكنولوجيا المالية والاستثمار فيه، والاستفادة من الخدمات المالية التي يقدمها هذا المجال.
وفي هذا الصدد، شهدت الاستثمارات العالمية في مجال التكنولوجيا المالية ارتفاعًا ملحوظًا، من 928 مليون دولار عام 2008، إلى 4 مليارات دولار عام 2013، ثم نمت تلك الاستثمارات إلى 20 مليار دولار عام 2015، ومن المتوقع أن تصل إلى 46 مليار دولار بحلول عام 2020، بفضل التقدم التكنولوجي والمنتجات المالية المبتكرة، وذلك بحسب تقرير شركة البحوث «فاليو أد».
ما هي التكنولوجيا المالية؟
تُعرف التكنولوجيا المالية بأنها عبارة عن ابتكارات مالية باستخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة؛ حيث يمكنها استحداث نماذج عمل أو تطبيقات أو منتجات جديدة، لما لها من أثر مادي وملموس في الأسواق والمؤسسات المالية، وقطاع تقديم الخدمات المالية.
إن التطورات والتقنيات المستخدمة حديثًا في مجالات التكنولوجيا، كدفتر الحسابات الرقمية والبيانات الضخمة وانتشار الهواتف الذكية المحمولة واستخدام شبكة الإنترنت، أدت إلى دفع عملية الابتكار في مجال التكنولوجيا المالية، فبلا أدنى شك استطاعت هذه التكنولوجيا تغيير أوجه الخدمات المالية، وجعلها أسرع وأرخص، وأكثر شفافية وأمنًا، خاصة للشريحة الأكبر من السكان التي لا تتعامل مع الجهاز المصرفي.
تحديات وفرص
بقدر الأهمية، والدور الفعال الذي تقوم به التكنولوجيا المالية وتطورها المتنامي، فإنها قد تشكل تهديدًا كبيرًا ينبغي الحذر منه واتخاذ كل الإجراءات الإحترازية التي تضمن سلامة ونزاهة واستقرار القطاع المصرفي والمالي؛ إذ تمثل فرصًا وتحديات في الوقت عينه للمصارف والمؤسسات المالية الأخرى.
فلو أمعنا النظر في سوق الشركات الناشئة المتخصصة في مجال التكنولوجيا المالية، سنلاحظ أنها حققت نجاحًا كبيرًا في تقديم الكثير من الخدمات المالية المتنوعة، كالخدمات والمدفوعات والعملات الرقمية وتحويل الأموال والتمويل الجماعى وإدارة الثروات وخدمات التأمين، الأمر الذى يلقى بظلاله في نهاية المطاف على مستقبل الخدمات المالية التقليدية.
إن المنافسة الشديدة التي تشهدها المؤسسات المالية التقليدية وشركات التكنولوجيا المالية في تقديم الخدمات المالية، أدى إلى سعي الكثير من المصارف إلى إدخال بعض التغييرات في نماذج أعمالها؛ من خلال التوسّع في الاعتماد على التكنولوجيا والاستثمار في البنية التحتية الخاصة بها.
التكنولوجيا المالية وأثرها في تحويل الأموال
في ظل ما يشهده العالم من تطور متسارع للهواتف الذكية المحمولة وما تتيحه من إمكانيات هائلة لمستخدميها، وتوفر شبكة الإنترنت بشكل أسرع، أصبح المستخدم ينتظر خدمات أفضل وطرقًا أسهل لتوفير كامل احتياجاته اليومية، وهو الأمر الذي ساعد على زيادة حدة المنافسة وشراستها، فهذا وذاك أديا لاضمحلال نماذج الأعمال التقليدية لصالح المجالات الابتكارية، وبات البقاء في السوق وضمان الاستمرارية على المدى البعيد مرهون بالمواكبة الشاملة، فبلا شك أن جميع الأعمال اتجهت نحو الأتمتة، والمجتمعات نحو اللا نقدية والرقمية.
– النقود
في الآونة الأخيرة، حققت التقنيات التكنولوجية الحديثة، مثل البلوكشين، نجاحًا كبيرًا في مجالات النقود؛ حيث تمكنت من إصدار نقود رقمية لصالح البنوك المركزية، ما أدى إلى زيادة التعاملات الإلكترونية؛ نظرًا لدخول القطاع العام ودعمه للرقمية.
– تحويل الأموال
استطاعت التقنيات التكنولوجية الحديثة تحويل الأموال وإقراضها بشكل سريع قد يفوق الآليات المصرفية المنتشرة بمختلف أنحاء العالم؛ من حيث السرعة والتكلفة والسهولة، كما تتمكن من التخلص من الوسطاء التقليدين والضوابط القانونية لنقل الأموال.
قطاعات التكنولوجيا المالية
يرتبط مجال التكنولوجيا المالية بثلاثة قطاعات رئيسية تتعلق بالخدمات المصرفية الأساسية؛ وهي: «الائتمان والإيداع وجمع رأس المال، المدفوعات والمقاصة والتسوية، وإدارة الاستثمارات والثروات»؛ حيث تنقسم مراحل تطوّر التكنولوجيا المالية إلى موجتين، تتضمن الموجة الأولى حلول الدفع وحلول الإقراض، أما الموجة الثانية فتشمل إدخال التكنولوجيا إلى التحويلات المالية الدولية والتأمين وإدارة الثروات والاستثمارات.
اقرأ أيضًا: مستقبل تكنولوجيا الواقع الافتراضي.. ثورة التفكير المكاني