يُعد التسعير تحديًا كبيرًا أمام رواد الأعمال وأصحاب المنشآت الصغيرة؛ حيث تنقصهم الخبرة الكافية في تحديد الأسعار المناسبة لإتمام عمليات البيع، وهم غالبًا ما يحتارون في تحديد أسعار منتجاتهم، فنجدهم تارةً يحددون أسعار مبالغ فيها ما يحد من مبيعاتهم، وتارة أخرى يبيعون بأسعار تناسب تكاليفهم يقلل وبشكل كبير من أرباحهم.
ويُعتبر السعر عنصرًا مهمًا من عناصر المزيج التسويقي ويساعد بشكل مباشر في نفاذ المنتجات إلى الأسواق المستهدفة؛ حيث يتطلب تسعير المنتجات فهمًا عميقًا للتكاليف الثابتة والمتغيرة وحجم العرض والطلب وشدة المنافسة في السوق المستهدف.
في هذا المقال سوف نتكلم بشكل مبسط ومباشر عن العوامل المؤثرة في عملية تحديد الأسعار، وعن الاستراتيجيات والأساليب التي تنتهجها أكبر الشركات في تسعير منتجاتها، كما سوف نتطرق لعملية بناء السعر التنافسي والتي تُمكن رواد الأعمال من تحديد أسعار تنافسية تمكنهم من إتمام عمليات البيع وتحقيق الأرباح بإذن الله.
العوامل المؤثرة في تسعير المنتجات
تتأثر عملية التسعير بالعديد من العوامل الداخلية والخارجية، وفي هذا القسم سوف نتحدث بالتفصيل عن تلك العوامل؛ وهي على النحو التالي:
الهدف من دخول السوق المستهدف:
يتأثر السعر بشكل كبير بالهدف المراد تحقيقه عند استهداف سوق معين أو شريحة معينة، فنجد أن بعض المنشآت تحدد أسعار منتجاتها بهدف تعظيم أرباحها أو بهدف التغلغل في السوق المستهدفة أو كسب أكبر حصة سوقية ممكنة، بينما يحدد البعض الآخر سعرًا يمكنه من النمو طويل الأجل، كما أنه في بعض الحالات يتم تحديد السعر بهدف تغطية التكاليف والبقاء في السوق؛ إما بسبب المنافسة الشديدة أو نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المنشآت. في المقابل نجد أن بعض الشركات تحدد أسعارًا مرتفعة لمنتجاتها أو خدماتها؛ وذلك لربطها بمستوى الجودة الذي تقدمه؛ لكي تبعث رسالة للمستهلكين بأن منتجاتها عالية الجودة وتستحق ذلك السعر المرتفع.
حجم العرض والطلب:
يؤثر حجم العرض والطلب بشكل كبير في تسعير المنتجات؛ إذ تجبر زيادة العرض على منتج معين مقابل ثبوت أو انخفاض الطلب البائعين على تحديد أسعار منخفضة، بينما يزيد ارتفاع الطلب من معدل دوران البضائع ويُمكن أصحاب المنشآت من تحديد هامش ربح مناسب وتحقيق مكاسب مجزية؛ لذا ينبغي على رواد الأعمال وأصحاب المنشآت دراسة حجم الطلب وقياس القوة الشرائية للشريحة المستهدفة بشكل مستمر، كما يجب دراسة التطورات المستقبلية فيما يتعلق بأذواق ورغبات العملاء ومستوى دخل الفرد في الشريحة المستهدفة وأي أنشطة اقتصادية قد تؤثر في حجم الطلب بالأسواق المستهدفة.
حجم المنافسة في السوق المستهدف:
عند دخول سوق جديد أو استهداف شريحة جديدة من العملاء فإنه يجب على رواد الأعمال وأصحاب المنشآت تحليل المنافسين بعناية فائقة قبل اتخاذ قرار تحديد السعر؛ حيث إن بعض المنافسين يكون له تأثير كبير ونفوذ واسع وسيطرة كبيرة على الكثير من قنوات التوزيع ومنافذ البيع، كما أن عدم مراعاة أسعار المنافسين قد تكون له ردة فعل شرسة من المنافسين، فهم قادرون على النزول بالأسعار الى حد كبير.
ويجب على رواد الأعمال كذلك تحليل أسعار وتكاليف المنافسين، فعلى سبيل المثال لو وجد رائد الأعمال أن تكاليفه أعلى من تكاليف منافسيه فهو في هذه الحالة غير قادر على المنافسة لفترة طويلة وينبغي عليه إعادة هيكلة تكاليفه والنزول بها قدر المستطاع، ويحاول العديد من رواد الأعمال الابتعاد عن منافسيهم قدر المستطاع وذلك بإضافة مزايا إضافية تزيد من قيمة منتجاتهم وتحد من تأثير أسعار المنافسين.
التكاليف
تلعب التكاليف دورًا جوهريًا في عملية تحديد الأسعار؛ حيث لا يمكن لتاجر أن يحقق أرباحًا وهو يبيع بسعر أقل من تكاليف منتجاته، وعادةً ما يتم تحديد السعر بناء على قيمة كلفة الوحدة الواحدة مضافًا إليها هامش ربح محدد. ويمكننا أن نُعرّف التكاليف بشكل عام بأنها جميع المبالغ التي يتم إنفاقها للخروج بمنتج قابل للبيع، كما يمكننا أن نصنف التكاليف بأنها تكاليف إنتاجية وتكاليف تسويقية وتكاليف إدارية، علاوة على ذلك نجد أن بعض التكاليف يكون ثابتًا، مثل قيمة إيجار المصنع، وبعضها متغيرًا مثل قيمة المواد الخام، وبعض التكاليف تكون مباشرة مثل أجور العاملين بينما البعض الآخر قد يكون غير مباشر، مثل قيمة عقد استشارات قانونية.
دورة حياة المنتج:
تُعد دورة حياة المنتج بالغة الأهمية عند تحديد أسعار المنتجات؛ إذ إن تسعير منتج في مرحلة النمو لا يمكن أن يتم بنفس الاستراتيجية المستخدمة في تسعير منتج في مرحلة الانحدار أو التراجع. هنا سوف نتحدث عن مرحلة تقديم المنتج للمستهلكين وهي المرحلة التي تهم رواد الأعمال بشكل كبير.
في هذه المرحلة تكون التكاليف عالية جدًا والمبيعات وشدة المنافسة محدودة، فنجد بعض رواد الأعمال يحدد أسعار منتجاتهم بطريقة حساب التكاليف وإضافة هامش ربحي محدد حتى الوصول لنقطة تعادل التكاليف والأرباح. وفي المقابل يحدد البعض الآخر أسعارًا مرتفعة جدًا لمنتجاتهم لكشط السوق، خاصة إذا كانت منتجاتهم تلك ذات قيمة عالية أو تتغير بشكل سريع.
استراتيجيات التسعير
تعتمد الشركات في تحديد الاستراتيجية المناسبة لتسعير منتجاتها بشكل كبير على الهدف الرئيسي من التسعير. كذلك تعتمد استراتيجية التسعير على كم ونوع المنافسة في السوق المستهدف؛ حيث نجد بعض التجار ينتهج استراتيجيات مختلفة لتسعير نفس المنتجات عندما يستهدف أسواقًا وشرائح مختلفة.
استراتيجية كشط السوق:
تحدد بعض الشركات أسعارًا مرتفعة لمنتجاتهم؛ وذلك لكونها إما جديدة على السوق أو فريدة وتعطي قيمة إضافية لمن يقتنيها، ونلاحظ أن أكثر من ينتهج هذه الاستراتيجية في التسعير هم أصحاب المنتجات الفارهة، وتُستخدم هذه الاستراتيجية في المنتجات ذات هامش الربح العالي وفترة تحقيق الأرباح تكون قصيرة مقارنةً بالاستراتيجيات الأخرى.
جدير بالذكر أن المنتجات من هذا النوع عادةً ما تفقد الكثير من قيمتها وتُباع بسعر منخفض، إما لنزول منتج جديد من نفس الشركة أو وصول منافسين جدد؛ لذا فإن الاستخدام الأمثل لهذه الاستراتيجية يكون في المنتجات التي تتغير بشكل سريع، مثل التكنولوجيا.
استراتيجية التغلغل في السوق:
تنتهج بعض الشركات الجديدة هذه الاستراتيجية من أجل جذب العملاء والمستهلكين وكسب أكبر حصة سوقية ممكنة من خلال تقديم منتجاتها بأسعار منخفضة مقارنةً بأسعار المنتجات المنافسة. وبعد أن يتعرف المستهلكون على المنتج ويثقون به ترفع تلك الشركات الأسعار تدريجيًا. تُستخدم هذه الاستراتيجية غالبًا في مرحلة النمو من مراحل حياة المنتج، كما تُستخدم في المنتجات التي لا تتغير بشكل سريع ومعدل مرونتها للأسعار عالية؛ حيث إن أي انخفاض في السعر يقابله ارتفاع في الطلب وكسب عملاء جدد، ومن الأمثلة على هذه المنتجات “المنظفات”.
التكلفة زائد هامش ربح محدد:
في هذه الاستراتيجية يحسب التاجر كامل التكاليف، ابتداء من تكاليف عملية الإنتاج في المصنع وحتى البيع للمستهلك النهائي ومن ثم يضيف عليها نسبة ثابتة كهامش ربح. هنا ينبغي على أصحاب المنشآت أن يكونوا حذرين في احتساب هامش الربح المضاف؛ لأن الهامش العالي قد يؤثر سلبًا في المبيعات ويفقد التاجر العديد من العملاء المحتملين، بينما الهامش المنخفض قد يفوت الكثير من الأرباح على الشركة ويعطي انطباعًا بأن المنتج أقل جودة من المنتجات المنافسة له؛ وذلك لارتباط الجودة بالسعر في غالب المنتجات.
التسعير التنافسي:
وهنا يجري التاجر مسحًا للسوق وتسعير منتجاته لتكون مقاربة بشكل كبير لأسعار منافسيه؛ حيث يتم تحديد السعر بناء على دراسة أسعار المنافسين في السوق المستهدفة وبعد ذلك يتم خصم جميع التكاليف المباشرة وغير المباشرة. الغرض من هذه الاستراتيجية هو فهم وتحليل التكاليف للوصول إلى السعر المنافس عند التفاوض مع الوكلاء أو الموزعين.
تُستخدم هذه الاستراتيجية من قِبل الشركات ذات التكاليف المنخفضة؛ بحيث تسمح لهم تكاليفهم بالتسعير بهذا الأسلوب بشكل مريح وتحقيق أرباح مجزية، وقد يلجأ بعض التجار إلى استخدام هذا الأسلوب في التسعير عندما يصعب عليهم احتساب تكاليفهم، كما يتم غالبًا عند تسعير الخدمات أو عندما يكون هناك قبول عام لدى الزبائن للأسعار الحالية للمنتج.
التسعير الهامشي:
تُعد هذه الطريقة من أكثر الأساليب استخدامًا في الشركات ذات الإنتاج العالي، وهي تساعد الشركات في تحديد أسعار منافسة واستهداف شرائح وأسواق جديدة بكل يسر وسهولة. باستخدام هذه الاستراتيجية يبيع أصحاب المنشآت منتجاتهم بسعر يغطي تكاليفهم المباشرة فقط، مثل أسعار المواد الخام وغيرها من التكاليف التصنيعية دون احتساب التكاليف غير المباشرة أو التكاليف الثابتة؛ وذلك لتغطيتها مسبقًا.
تُستخدم هذه الاستراتيجية عندما يكون لدى الشركات طاقة إنتاجية فائضة ويرغبون في زيادة مبيعاتهم وتحقيق أرباح إضافية، أو عندما تقرر بعض الشركات استهداف أسواق جديدة، على سبيل المثال نجد بعض المصدرين يستخدمون هذه الاستراتيجية عند استهداف الأسواق الخارجية ذات المنافسة الشديدة بعد أن يقوموا بتغطية جميع تكاليفهم الثابتة في الأسواق المحلية.
يتم تحديد السعر الهامشي عادةً بعد تخطي نقطة تعادل الأرباح والتكاليف؛ حيث تحسب الشركات كمية المنتج التي يلزم بيعها لكي تتساوى قيمة الأرباح مع قيمة التكاليف الثابتة والمتغيرة. ومن هنا يمكن للشركات استخدام استراتيجية التسعير الهامشي والنزول بالأسعار آخذين بالاعتبار التكاليف المباشرة فقط وتستفيد من ارتفاع الطلب وتحقق مبيعات كبيرة.
تستخدم بعض محال بيع الملابس الشهيرة هذه الاستراتيجية عندما تغطي تكاليفها؛ من إيجارات المعارض وتسويق وغيرها، من التكاليف غير المباشرة، فهي تقدم في كل مناسبة خصومات كبيرة تغطي تكاليف تصنيع منتجاتها وتحقق لها هامش ربح مجزيًا.
بناء السعر التنافسي
تحديد السعر المناسب يُعد أمرًا مهمًا لجميع اصحاب المنشآت ويتطلب فهمًا عميقًا للتكاليف بالإضافة إلى معرفة حجم الطلب والمنافسة على الشريحة المستهدفة. كما يجب مراعاة جميع العوامل المؤثرة؛ وذلك للتمكن من تحديد سعر قادر على المنافسة وتحقيق الأرباح.
ويتم تحديد السعر المنافس من خلال الخطوات التالية:
تحديد الهدف من التسعير:
يجب على رواد الأعمال وأصحاب المنشآت الصغيرة أولًا تحديد الهدف من تسعير منتجاتهم، فكلما كان الهدف واضحًا يصبح تحديد السعر المناسب أسهل. فعلى سبيل المثال نجد بعض المنشآت تحدد أسعار منتجاتها بهدف البقاء في السوق، بينما يحدد البعض الأسعار بهدف تضخيم الأرباح الحالية، كذلك قد يكون الهدف من التسعير هو التخلص من بعض المنتجات بسبب تراجع الطلب عليها أو قرب انتهاء موسمها، كما في المنتجات الموسمية.
تقدير حجم المبيعات:
بعد تحديد الهدف الرئيسي من التسعير تأتي خطوة تقدير المبيعات وقياس مدى ملاءمة حجم الطلب لسعر المنتج، وهناك علاقة عكسية بين السعر وحجم الطلب بشكل عام فكلما زاد السعر قل حجم الطلب بمقدار معين يسمى “حساسية تغير السعر”، هنا تتولى الشركات قياس حساسية حجم الطلب على منتجاتها لتغيير الأسعار، وبذلك تستطيع تقدير حجم مبيعاتها مع مراعاة شدة المنافسة وردة فعل المنافسين عند تحديد سعر معين.
تقدير التكاليف:
في هذه الخطوة يتم تقدير التكاليف النهائية للوحدة الواحدة بناء على حجم المبيعات المتوقعة؛ حيث يستطيع رواد الأعمال تقدير كلفة الوحدة الواحدة وذلك بتقسيم جميع التكاليف الثابتة والمتغيرة والمباشرة وغير المباشرة على حجم المبيعات الذي تم تقديره في الخطوة السابقة.
تحليل تكاليف وأسعار وعروض المنافسين:
ينبغي على رواد الأعمال تحليل تكاليف منافسيهم ومحاولة فهم ومعرفة الهوامش الربحية التي حددوها، وفي حال كان لدى بعض المنافسين مزايا فريدة لا توجد لدى غيرهم فيجب على رواد الأعمال تقدير قيمة تلك المزايا وخصمها من السعر المحدد والعكس صحيح، فعندما تكون لدى التاجر ميزة إضافية غير موجودة لدى منافسيه يتم تقدير تلك القيمة وإضافتها إلى السعر النهائي.
اختيار الأسلوب التسعيري المناسب:
يعتمد الأسلوب التسعيري بشكل كبير على الهدف الرئيسي من عملية التسعير، فنجد على سبيل المثال في حال كان هدف التسعير هو مجابهة كبار المنافسين في سوق معين فإن التسعير الهامشي هو الخيار الأفضل. بينما في بعض الحالات يكون الهدف من التسعير هو تغطية تكاليفهم والبقاء في السوق، ففي هذه الحالة يتم التسعير بناء على زيادة هامش ربح محدد وبسيط على إجمالي التكاليف، كما أن بعض المنشآت تستهدف عائدًا محددًا من مبلغ الاستثمار وبناء عليه يتم تحديد السعر الذي يمكنهم من الحصول على ذلك العائد. نجد أيضًا أن بعض الشركات تسعر منتجاتها بناء على القيمة المكتسبة التي يقدرها العملاء؛ حيث إن العملاء يقبلون شراء أي منتج يرون أن قيمته المادية أو المعنوية أعلى من سعره بغض النظر عن كلفته.
في الختام، السعر التنافسي لا يعني بالضرورة السعر الأقل في السوق بل يعتمد بشكل كبير على نوع وطبيعة المنتج والصورة العامة التي يراها المستهلكون عن المنتج.
ناجي العتيبي
اقرأ أيضًا:
كيف تتعافى المشاريع من الأزمات الكبيرة؟
البيع على الإنترنت.. لا ثراء بدون اجتهاد
مستقبل المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالمملكة