حرصت المملكة على تطوير المنظومة القضائية والأنظمة القانونية؛ لمواكبة التطور القانوني الدولي، فأصدرت أول نظام يتعلق بالتحكيم عام 1403هـ، تم تحديثه بنظام جديد عام 1433هـ، يمكن لكل من لديه نزاع تجاري الاستعانة به، دون اللجوء للمراكز التحكيمية الأخرى، بغض النظر عن جنسية أطراف النزاع.
تسري أحكام النظام على أي نزاع بغض النظر عن طبيعة العلاقة النظامية، سواء جرى التحكيم في المملكة، أو كان تحكيمًا تجاريًا دوليًا خارج المملكة، شريطة اتفاق طرفي النزاع على الخضوع لأحكامه، باستثناء منازعات الأحوال الشخصية، والمسائل التي لا يجوز فيها التصالح.
يجب على طرفي النزاع إذا رغبا في إحالة النزاع الذي قد ينشأ بينهما مستقبلًا إلى نظام التحكيم السعودي، أن يكونا متفقين: إما بشكل شرط تحكيم وارد في العقد المبرم، أو مشارطة تحكيم مستقلة تصاغ في محرر كتابي ليس في نفس العقد، تنص على إحالة أي نزاع بين طرفي العقد إلى نظام التحكيم.
ويجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبًا، وإلا كان باطلًا، علمًا بأن بطلان العقد- المتضمن شرط التحكيم- لا يعني بطلان شرط التحكيم الوارد في العقد، بل يعد صحيحًا بذاته.
وقد يكون التحكيم محليًا أو دوليًا، حسب القضايا والاتفاقيات المبرمة، فيكون دوليًا إذا كان موضوع النزاع يتعلق بالتجارة الدولية، والعبرة بموقع مركز الأعمال لطرفي النزاع.
وإذا كان يتم التمييز بين التحكيم الدولي والمحلي وفق معيارين: الجغرافي المتعلق بمكان التحكيم، والاقتصادي المتعلق بموضوع النزاع، فإن نظام التحكيم السعودي يأخذ بمعيار مختلط يجمع كلا المعيارين السابقين.
يجب أن تتكون هيئة التحكيم من عدد فردي، على أن يكون المُحكِم كامل الأهلية، وحسن السيرة والسلوك، وحاصلًا- على الأقل- على شهادة جامعية في العلوم الشرعية أو النظامية، فإذا كانت هيئة التحكيم مكونة من أكثر من محكم، فيكفي توافر هذا الشرط في رئيسها.
ولم يشترط النظام في المحكم أن يكون رجلًا؛ ما أتاح للنساء المؤهلات، ممارسة التحكيم، كما لم يشترط أن يكون المحكم مسلمًا، بشرط عدم مخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية، كما لم يشترط أيضًا جنسية معينة.
أُنشيء المركز السعودي للتحكيم التجاري عام 2014م بقرار من مجلس الوزراء، بمدينة الرياض؛ للإشراف على إجراءات التحكيم في المنازعات التجارية والمدنية، التي يتفق أطرافها على حلها من خلال المركز، فيما لا يدخل ضمن اختصاصه المنازعات المتعلقة بقضايا الأحوال الشخصية والجزائية، وما لا يجوز الصلح فيه، كما يهدف إلى إنشاء بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار المحلي الأجنبي.
ونظرًا للتطور الاقتصادي السريع، والنمو التجاري الملحوظ الذي تشهده المملكة، وتزايد عدد الاتفاقيات التجارية الدولية المبرمة على مستوى الدول والأفراد، يجب على المركز السعودي للتحكيم التجاري القيام بدور أكبر في مجال التوعية بأهمية التحكيم التجاري كوسيلة فعالة لحل المنازعات التجارية في المجتمع المحلي؛ بإعداد برامج تدريب وتأهيل للمحكمين السعوديين والسعوديات، وتنظيم ندوات تثقيفية في مراكز الأعمال، وفي مقار الغرف التجارية والصناعية، والشركات التجارية، والمؤسسات القانونية؛ ما يساهم في تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتطوير الكوادر الوطنية، وتخفيف الضغط على المحاكم.
إنَّ التحكيم التجاري، يعد النموذج الأفضل، والحل الأسرع لفض المنازعات التجارية، وقد انتقل في المملكة إلى المرحلة النظامية، بعد إنشاء المركز؛ ما يتطلب تكثيف الجهود للتعريف بأهميته.
اقرأ أيضًا: