ظهر مفهوم “الاقتصاد الأخضر” إلى الواقع في سياق “قمة الأرض”، التي عقدت في” ريودو جانيرو” قبل 20 عامًا، واقتصر استخدامه خلال السنوات الماضية على دوائر علماء ونشطاء البيئة، لكنه دخل بقوة مؤخرًا إلى الأدبيات الاقتصادية وخطابات قادة الدول ورجال السياسة؛ كبديل للاقتصاد البُني، الذي يعتمد بكثافة على الكربون، الذي تعتمد عليه البشرية منذ الثورة الصناعية.
ووفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة، يُعرَف الاقتصاد الأخضر بأنه: “الاقتصاد الذي ينتج عنه تحسين في رفاهية الإنسان والمساواة الاجتماعية، ويقلل من المخاطر البيئية وندرة المواد الايكولوجية”، ويمكن أن ننظر له في أبسط صوره؛ كاقتصاد تقل فيه انبعاثات الكربون، وتزداد كفاءة استخدام الموارد، كما يستوعب جميع الفئات الاجتماعية.
وفي الاقتصاد الأخضر يجب أن يكون النمو في الدخل وفرص العمل مدفوعًا من جانب الاستثمارات العامة والخاصة التي تقلل انبعاثات الكربون والتلوث، وتزيد من كفاءة استهلاك الموارد الطاقة، وتمنع خسارة خدمات التنوع البيولوجي والنظام الايكولوجي.
وتحتاج هذه الاستثمارات للتحفيز والدعم؛ عن طريق الإنفاق العام الموجه، وإصلاح السياسات وتغيير اللوائح، ويجب أن يحافظ مسار التنمية على رأس المال الطبيعي ويحسنه، بل ويعيد بناءه عند الحاجة؛ باعتباره مصدرًا للمنفعة العامة، خاصة للفقراء الذين يعتمد أمنهم ونمط حياتهم على الطبيعة.
العدالة الاقتصادية
وتقول “حركة التنمية في العالم”- وهي منظمة غير حكومية معنية بالعمل على مكافحة الفقر في العالم-: ” يجب أن يعتنق الاقتصاد الأخضر مفهوم العدالة الاقتصادية، وحق المجتمعات الفقيرة في تحديد طريقها الخاص للخروج من هوة الفقر، ووضع حد للسياسات الضارة التي تضع الربح قبل الناس والبيئة، وأن يضع حدًا للاستهلاك غير المستدام، وهواجس النمو الاقتصادي، واستبدالها بالتركيز على كيفية تلبية احتياجات الجميع بطريقة مستدامة”.
أهمية التمويل
وعمّا إذا كان التمويل سيشكل أيضًا جزءًا من المشكلة عند تطبيق “الاقتصاد الأخضر»، يقول سكريفنينر؛ عضو حركة التنمية في العالم: ” ليس التمويل سوى جزء من المشكلة الأكبر التي تواجهها قمة ريو؛ أي عدم وجود التزامات ثابتة متينة من جانب البلدان الصناعية”.
وقد جاءت مسودة خطة العمل الأصلية؛ الصادرة في يناير الماضي، غامضة وضبابية؛ لفشلها في إدراج كثير من الالتزامات؛ إذ يقول سكريفنينر: “هناك مؤشرات حول المفاوضات اللاحقة بأن مسودة خطة العمل أصبحت أكثر ميوعة من ذي قبل؛ إذ لم تتضمن المسودة تفاصيل مهمة؛ كتوفير التمويل لتسهيل مهمة البلدان النامية في تنفيذ سياسات خضراء، أو وضع جدول زمني محدد للقضاء على الدعم المقدم للوقود الأحفوري”.
خصخصة الموارد العالمية
وتشير «حركة التنمية في العالم» إلى أن الدول الصناعية تستخدم مع المصارف والشركات المتعددة الجنسيات، مصطلح ” الاقتصاد الأخضر” كستار لإخفاء خططها لخصخصة مزيد من الموارد العالمية، وإيجاد أسواق جديدة للمنتجات التي توفرها لها الطبيعة مجانًا، مؤكدةً أن ” الاقتصاد الأخضر للشركات» يؤدي إلى خصخصة الأراضي من قبل الشركات المتعددة الجنسيات، والسيطرة عليها بانتزاعها من مجتمعاتها، بدلًا من المساهمة في التنمية المستدامة والعدالة الاقتصادية.
الظروف التمكينية
ويتطلب الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، ظروفًا معينة تتشكل من خلفية اللوائح القومية والسياسات، ودعمًا ماديًا ، وحوافز وهياكل قانونية وسوقية ودولية واتقاقيات التجارة والمساعدات، وتتجه الظروف التمكينية حاليًا نحو الاقتصاد البُني وتشجيعه؛ وهو ما يعتمد بدوره على الوقود الأحفوري الذي يتكلف دعم إنتاجه وسعره مئات المليارات من الدولارات؛ ما قد يؤثر سلبًا على التحول إلى استخدام الطاقة المتجددة، بينما يمكن للظروف التمكينية للاقتصاد الأخضر أن تمهد الطريق لنجاح الاستثمارات العامة والخاصة في تحفيز اقتصاديات العالم.
ومن أمثلة الظروف التمكينية على المستوى القومي:
- تغيير السياسات المالية.
- تقليل الدعم المضر للبيئة وإصلاحه.
- استخدام أدوات جديدة مبنية على السوق.
- توجيه الاستثمارات العامة لقطاعات خضراء.
- تحفيز المشتريات العامة.
- تحسين القواعد واللوائح البيئية وسبل تطبيقها.
وعلى المستوى الدولي:
- إضافة بنية تحتية للسوق.
- تحسين تدفق التجارة والمعونات.
- تعزيز قدر أكبر من التعاون الدولي
محرك جديد للنمو
ويبين تقرير” نحو اقتصاد أخضر” الناتج الرئيس من مبادرة الاقتصاد الأخضر أن تحفيز الاقتصاديات لا يمثل معوقًا بشكل عام، بل يمثل محركًا جديدًا للنمو، ومولد لوظائف جيدة، واستراتيجية حيوية لاستئصال الفقر.
ويهدف التقرير إلى تحفيز واضعي السياسات على خلق ظروف تمكينية لزيادة الاستثمارات في التحول نحو الاقتصاد الأخضر بثلاث طرق:
1. إثبات الجدوى الاقتصادية لتوجيه الاستثمار، سواء كان عامًا أو خاصًا نحو نقل القطاعات الرئيسة الحرجة لتخضير الاقتصاد العالمي.
2. قدرة الاقتصاد الأخضر على الحد من الفقر على مستوى قطاعات الزراعة والمياه العذبة والطاقة؛ إذ تساعد طرق الزراعة الصديقة للبيئة في الحفاظ على خصوبة التربة والموارد المائية بوجه عام، وبخاصة زراعة الكفاف التي تعتمد عليها حياة نحو 1.3 مليار نسمة.
3. اعطاء توجيهات بخصوص السياسات المحققة لهذا النقل؛ بتقليل أو التخلص من الدعم الفاسد أو المضاد للبيئة، وعن طريق التعامل مع فشل الأسواق الناتج عن المزايا الخفية أو نقص المعلومات، وعن طريق الحوافز المبنية على السوق، واللوائح والمشتريات العامة الخضراء، وتحفيز الاستثمار.
يتبع الجزء الثاني…
اقرأ أيضًا:
الأسبوع العالمي لريادة الأعمال.. التحديات والفرص
الأسبوع العالمي لريادة الأعمال.. وقمة العشرين