إن الابتكار هو الأساس و المحرك الأول لتأسيس المشاريع الريادية, سواء كان هذا الابتكار في بناء نموذج عمل مختلف قابل للنمو بشكل سريع مثلما عملت شركة Uber أو شركة AirBnB، واللتان نجح مؤسسوهما في ابتكار نموذج عمل مختلف ومميز، قائم على مبدأ المشاركة.
و قد يكون الابتكار في حل مشكلة حقيقية قائمة يؤدي إلى قيمة حقيقية للسوق، أو بتطوير شيء قائم، و لكنه يُقدم بشكل مختلف .
ذلك ما يميز المشاريع الريادية عن مثيلتها التقليدية، فالأولى ترتكز على حل مشكلة بشكل مبتكر أو إعادة تقديم ما هو قائم، ولكن بشكل مختلف، مثلما فعلت NetFlix شركة الترفيه الأمريكية التي أسسها ريد هاستينغز ومارك راندولف عام 1997 بكاليفورنيا، والمتخصصة في إنتاج البرامج وأفلام الفيديو من خلال الطلب على الإنترنت، وتقديم محتوى بالمشاركة في أي مكان في العالم. وقد نجحت خلال فترة وجيزة في تحقيق نمو سريع، وبناء قيمة كبيرة في السوق.
و لكن لدينا لبس كبير في المنطقة بخصوص الابتكار كمفهوم، و الخلط بينه و بين الاختراع!
و هو ما يتكرر أيضًا بالخلط بين مفهوم المشاريع الريادية ومفهوم مثيلتها التقليدية الصغيرة.
الابتكار ونجاح المشروعات الناشئة
يلعب الابتكار دورًا حيويًا في إنجاح المشروعات الناشئة؛ لكونه ميزة تنافسية حقيقية للمشروع في حد ذاته؛ ميميزه عن غيره، ويجعل الكل يتساءل عن السر وراء التميز، وجني الملايين، بل المليارات في بعض الأحيان.
ولك أن تتساءل: ما الذي يميز موقعAirBnB عن مواقع الحجز الأخرى؟
والإجابة ببساطة شديدة: لأنه ابتكر نموذجًا مختلفًا، استطاع به التوسع، والانطلاق، والنمو، وتوفير فرص عمل كبيرة، وتحقيق انتشار عريض.
كذلك مشروع مثل WhatsApp؛ كيف وصل إلى هذه المرتبة العالية؟
والإجابة: لأنه ابتكر طرقًا غير مسبوقة لتسهيل التواصل بين البشر، واستطاع أن يغير شكل سوق التواصل في العالم، فصار أسرع وأكثر سهولة وأقل ثمنًا؛ إذ يتيح لك التواصل من خلال الكتابة أو ملفات الصوت أو الصور أو الفيديوهات، وكافة الملفات بأنواعها، علاوة على إجراء محادثات فورية مع الآخرين؛ ما دفع موقع التواصل الأشهر ؛ فيس بوك للاستحواذ عليه في صفقة ضخمة، يمكن تسميتها بت “صفقة القرن”.
ويمكننا أن نستخلص، أن المشاريع التي لا تعتمد على الابتكار بشكل رئيس، لا تستطيع النمو و المنافسة في سوق متغير يبحث عن التميز والتفرد ،فقد اختفت شركات كبيرة؛ لأنها لم تستطع التحسين والابتكار في خدماتها، بينما قادت شركات أخرى السوق؛ لأنها ابتكرت في نموذج عملها و خدماتها وطريقة تقديم هذه الخدمات.
تنمية ملكة الابتكار
إنَّ أهم ما يميز رائد الأعمال الحقيقي؛ هو القدرة على توفير حلول للمشاكل الموجودة، سواء كانت اجتماعية، أو تقنية، أو حتى اقتصادية، وهنا أساس الابتكار.
على رائد الأعمال أن يتعلم القدرة على البحث عن المشاكل الموجودة في السوق، القدرة على التحليل النقدي لهذه المشاكل، وتعلم تطوير نماذج حلول لها دون تعقيد، و تقديمها بشكل بسيط، حتى لو كانت مشاكل بسيطة جدًا.
وهناك نموذج سعودي، تم تأسيسه لحل مشكلة ربما لم يفطن إليها أحد؛ وهي صعوبة عملية الإهداء، فكلنا نحتار في اختيار هدية لمن نحب، ونحتار أحيانًا في كيفية توصيلها؛ لذا تأسست منصة “رسال”؛ وهي شركة ناشئة بدأت كمنصة رقمية مخصصة للإهداء تملكها مؤسسة رسائل الورد للزهور؛ حيث وتوفر منصة “رسال” تجربة إهداء و إرسال باقات الورد والهدايا من خلال موقعها الإلكتروني،وتطبيقاتها على الهواتف الذكية بشكل مبتكر، وبروح جميلة؛ وذلك من خلال تسهيل تجربة الإهداء وتبسيطها لتكون متاحة للجميع.
كل ما تم ف هذا الإطار؛ هو البحث عن المشكلة، ومناقشتها، وإيجاد حل لها.
البيئة الداعمة للابتكار بالمملكة
ومن واقع خبراتي وتواجدي في معمعة العمل الريادي بالمملكة العربية السعودية، أقول بصدق: إن البيئة الداعمة للابتكار وريادة الأعمال تحسنت كثيرًا، مقارنة بالسنوات الماضية؛ وذلك في ظل الاهتمام المتزايد من قبل حكومة خادم الحرمين الشريفين، وفي ظل رؤية 2030، وما أعقبها من خطوات جادة؛ أهمها إنشاء هيئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وأيضًا العمل على تنفيذ الخطة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار، وما نلمسه من تنامي دور الجامعات في دعم ريادة الأعمال والعمل على تطوير برامج لها, وتواصل جهود مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وجامعة الملك عبدالله وجامعة الملك سعود وغيرهم.
كذلك، بدأنا نسمع عن نمو في شبكات استثمارية للأفراد و شركات للاستثمار الجريء, فضلًا عن نمو كبير في مجتمعات التقنية وريادة الأعمال والابتكار، وحدوث نمو في المشاريع الناشئة.
وأعتقد أن هناك مبادرات جيدة في الطريق، ستساهم في تحريك عجلة الابتكار والريادة في السعودية، ولكن لا تزال الرحلة طويلة ؛ إذ نحتاج إلى عشرات الشركات الاستثمارية، وعشرات الحاضنات ومسرعات الأعمال.